Uncategorized
رواية حارة جهنم الفصل السابع 7 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf

رواية حارة جهنم الفصل السابع 7 بقلم داليا الكومي
الفصل السابع_____________________حب سيرى الشمس
“وحبه قد يشفيني من ألم هَدَمَ روحي، وصبغ بالسواد سنيني .. فردوس يطبب جراحي، أو جهنم تواصل تعذيبي”.
ملامح الفرح السابقة تحولت لذعر.. زواج .. زواج؟
كريم عرض عليها الزواج في الواقع لم يطلب منها بل كان فقط يخبرها بما سيفعله .. والدها بالتأكيد عرض الزواج على والدتها في يوم من الأيام .. عواطف المسكينة.. لم ترَ السعادة في حياتها .. لكمات فرج الغاشمة وارتها تحت التراب .. سنوات عمرها الأربع والأربعين كانت قصيرة بالنسبة لأعمار البشر .. طويلة بالنسبة لعذابها اليومي ..
صرخت بذعر بشديد ..
– لا..
وخرجت من الصالون تجري وكأن الشيطان خلفها..
والصدمة جمَّدته.. تساءل بدهشة بالغة عن سبب تحولها الكامل من لحظات كانت تبدو سعيدة مشرقة خجلة ولكن فجأة..
الحل الوحيد الذي توصَّل إليه كان وضعها أمام الأمر الواقع .. بكل حزم صعد كي يرتدي ملابسه.. كي يذهب لطلب يدها رسميًّا من سعد .. فهو يفضل حسم الأمور .. ما هو أكيد منه أنه يريدها بشدة .. أما بشأنها هي فذلك سوف يكون تحدٍ لمشاعرهم معًا .. أخيرًا سوف يعلم مشاعرها الحقيقية بدون أي تهرب أو مواربة.. لإسبوعين وهو يحاول فهم مشاعرها لكنه فشل فهي متقلبة جدًّا .. أحيانًا يقبض عليها وهي تراقبه سرًّا ثم تهاجمه عندما تشك أنه انتبه إلى ما تفعله .. تكون قريبة منه ثم في لحظات تضع المحيط بينهما.. تشع بالدفء ثم في لحظات تتحول إلى تمثال من الثلج ..
طرقات خفيفة على باب غرفته انتزعته من أفكاره.. وفتحت ريم باب غرفته بهدوء ودخلت ..
– كريم .. ياللأناقة؟ .. إلى أين ستذهب وأنت أنيق هكذا؟
غمزت وهي تكمل:
– لديك موعد غرامي؟
– تقريبًا.. ريم سأخبرك سرًّا لكن رجاء لا تخبري أمي الآن فأنا لا أريد المشاكل ..
– مشاكل من أي نوع؟ كريم لا أفهمك ..
أجابها ببطء وهو يركز نظراته على عيونها:
– سأذهب لطلب ليلى من أخيها سعد.
سمع شهقتها المكتومة ثم لتقول في اضطراب ..
– يا إلهي العظيم.. وسلمى؟
– ما دخل سلمى بارتباطي بليلى؟
– كريم لا تتصنع الغباء.. أنت تعلم جيِّدًا أنها تحبك وأمي وخالتي سهير تقريبًا اتفقتا على زواجكما.
– أنتِ قلتِها بنفسك.. هما اتفقتا .. لمرات عديدة وأنا أخبر أمي أن سلمى ليست الزوجة التي أرغب، وسلمى نفسها لم أعدها يومًا بشيء .. أي فوضى أنا غير مسؤول عنها.. من صنع الفوضى عليه تنظيفها، “ليت الأمر بهذه السهولة “.. قالت بإشفاق:
– كريم .. الأمر ليس بتلك السهولة التي تعتقدها .. سلمى تحبك ولن تتخلى عنك بسهولة .. أنا أعلم جيِّدًا أنك تحب ليلى ولكن فكر جيِّدًا.
سيحسم الأمرالآن تمامًا ومع جميع الأطراف ..
– هي حرة في مشاعرها .. أما وجودها في حياتى لا يتعدى كونها ابنة خالتي ولم أعدها يومًا بشيء حتى من قبل أن تدخل ليلى إلى حياتى.. حبي لــ ليلى مختلف.. في يوم ما ستتعرفين إلى الحب الحقيقي..
كلماته أشعلت النار في وجهها فهي بالفعل عرفت الحب الحقيقي كما أسماه واكتوت بناره.. يكفي لقاء سعد لدقائق كي تعرف أنه قدرها الذي سوف تتعذب بسببه إلى الأبد .. وكريم نظر إليها بشك ثم غادرالغرفة ..
**
جميلة .. حزينة .. هذا كان انطباعه الأول عن فيلا السناري .. الفيلا ذكرته بليلى .. لا يدري لماذا لكنه تخيل ليلى تجلس وهي تقرأ تحت شجرة الزيتون العجوز التي تضلل مساحة هائلة حولها ..
– هل أستطيع مقابلة سعد السناري من فضلك؟
– من يريد مقابلته؟
– الرائد كريم علم الدين..
– بالتأكيد .. تستطيع الانتظار هناك حتى أخبره.
جلس في الصالون الفخم ينتظر بلهفة عودة الخادمة الشابة من رحلتها المصيرية بالنسبة إليه .. أهم لحظة في حياته.. لأول مرة في حياته يواجه مثل تلك المشاعرالجامحة التي تحركه ولا يستطيع السيطرة عليها, مشاعر أخافته لدرجة الموت.. حبه لليلى فاق الحدود أيقن ببساطة أنه قد يكون الحب القاتل الذي يدمر صاحبه أو يكون النعمة الأبدية التي تنقل إلى الفردوس ولا يوجد وسط .. إما الجنة أو النار.
اكتشف نفسه من جديد .. حب ليلى أعاد اكتشاف أشياء كان يجهل وجودها في نفسه.. أشياء تثيرالنشوة.. وأخري تثير الخوف..أكثر ما أخافه هو إحساسه الرهيب بالتملك .. تملك فقط لليلى .. اكتشف أنه غيور بدرجة عنيفة .. الآن يتمنى إخفاء ليلى عن العالم .. آه لو يستطيع وضعها في قلبه وإغلاقه عليها .. سيكون إقناعها بارتداء الحجاب أول ما سيفعله عندما تنتمي إليه .. آه يا ليلى لو تفهمين؟؟؟
– تفضل .. السيد سعد في انتظارك في مكتبه..
فور دخوله للمكتب وجد سعد في انتظاره ليرحب به بحفاوة بالغة ربما بالغ فيها كي يخفي اضطرابه .. ولكن نظراته الخبيرة أدركت توتره وارتجاف يده القوية أثناء السلام على الرغم من محاولة سعد السيطرة باستماتة على خوفه إلا أنه شعر به .. وبالطبع قد يكون هناك أسباب عدة لزيارة كريم له .. أفظعها بلا منازع التحدث عن فرج مجرد تذكره يسبب له الغثيان ومع ذلك تماسك لأقصى درجة وحاول أن يبدو طبيعيًّا.. ربما أتى للحديث بشأن شركة المجوهرات
أشار لكريم بالجلوس..
– تفضل بالجلوس.
“لماذا ترتجف يده أثناء السلام؟ ” أخفى ببراعة إحساسه بتوتر سعد وجلس بترفع ثم قال:
– سعد بك.
سعد سأله بأدب:
– ماذا تحب أن تشرب؟
أراد أن يهتف بسعد “شربات” لكنه بدلًا من ذلك قال:
– قهوة مظبوطة.
أشار للخادمة بالانصراف لتلبية طلب زائره .. وفضل الجلوس على أريكة مريحة من الجلد الأسود موجودة في غرفة المكتب بدلًا من مقاعد المكتب الرسمية ..
– أظن هنا أفضل؟
– بالتأكيد .. وليخفي توتره سعد عرض عليه السيجار.. كلاهما لا يدخن لكن لا إراديًا أشعل كلاهما واحدًا .. ربما للاختباء خلف دخانها الكثيف ..
كريم صفى صوته بنحنحة خفيفة ثم تمالك نفسه وقال:
– بالتأكيد أنت تتساءل عن سبب زيارتي لك.. لكن في البداية أُفضِّل أن أعرف نفسي .. أنا الرائد كريم علم الدين رائد في مصلحة السجون عمري ثلاثون عامًا .. والدي اللواء محمود علم الدين رئيس المصلحة .. قبل المصلحة عملت لفترة في مباحث الأموال العامة ولكي أكون صريحًا أنا فشلت هناك لأنني أردت كشف الفساد ولولا اسم أبي لكانوا لفَّقوا لي أي تهمة وتخلصوا مني .. يوجد فاسدون وأيضًا شرفاء بالطبع لكن الحرب تحتاج إلى نفس طويل .. نقلت المصلحة لأسباب عدة منها أن أبتعد عن المشاكل مؤقتًا لكني سأعود لهم في يوم من الأيام .. هذا بالإضافة إلى شركة الحراسات الخاصة “علم الدين للحراسات الخاصة” بدأتها برأس مال متواضع منذ سنتين.. والشركة الحمد لله بدأت تتوسع وأصبح لها اسم معروف في دنيا الأعمال واتفقت على مبلغ جيِّدًا جدًّا مع شركة المجوهرات مقابل نظام أمان وحماية لمعرضهم ومصنعهم .. وأيضًا نحن مسؤولون عن تأمين أميرعربي في تحركاته .. و الحمد لله لدي شقة فاخرة.. دوبلكس على الكورنيش في المعادي .. لكنها حاليًّا على المحارة وتحتاج طبعًا لوقت حتى تكون جاهزة للسكن ..
حاول سعد عدم إظهار مشاعره وقال:
– ممتاز .. بالتوفيق.
– أَصِل الآن لأهم نقطة ..
طرق على الباب منعه من إكمال كلامه..
لطيفة الخادمة دخلت بهدوء لتقديم القهوة:
– تفضل يا سيادة الرائد ..
التقط فنجانه وارتشف القهوة ببطء .. استراحة القهوة أعطته بعض الوقت لالتقاط أنفاسه وتهدئة قلبه الخافق بجنون..
كريم الفخور بنفسه وأصله الراقي في أصعب اختبارتعرض له .. اختبار لقيمته الشخصية أمام أموال سعد الهائلة..
وضع فنجانه على الطاولة أمامه وقال بصلابة وبصوت واثق:
– أنا يشرفنى ويسعدني أن أطلب يد شقيقتك الآنسة ليلى.
في خلال رحلة قدومه توقع سيناريوهات محتملة لرد فعل سعد بعد أن يطلب منه يد ليلى.
توقع الغضب وأعد نفسه لحرب ضروس أصر على الخروج منها منتصرًا
توقع البرود واستقبال الطلب بلامبالاة ربما بسبب أصول اللياقة التي تمنعه من الرفض الفوري..
توقع الهدوء وطلب وقت للتفكير كما يفعل أي أخ يُطلب منه يد أخته ..
حتى توقع الطرد والتهديد .. ولكن رد فعل سعد خالف جميع توقعاته .. كان قد أعد نفسه لكل الاحتمالات وكان جاهزًا للرد، فليلى كانت على المحك .. أما رد الفعل الوحيد الذي تركه متخشبًا ولم يتوقعه على الإطلاق كان دموع سعد .. فسعد القوي المليونير صاحب أكبر شركات في مصر .. انهمرت دموعه كالأطفال عندما سمع طلبه.. دموع سعد وعواطفه الجياشة أذهلته وتركته مبهوتًا كليًّا..
– أعذرني لكنك لا تعلم ماذا تكون ليلى بالنسبة لي؟ سعادتها هي أهم شيء في حياتى .. إنها ليست مجرد شقيقة .. ليلى وكأنها ابنتي وأنت أول عريس يطلب يدها مني واكتشفت أن الموقف يلمس القلب .. أنا عن نفسي موافق جدًّا .. وأثق أيضًا في اختيار ليلى .. لكن للأسف أنا دوري ثانوي في الموافقة أوالرفض ليلى الوحيدة صاحبة القرار .. سيسعدني جدًّا أن تكون صهري لكن لو هي لها رأي آخر فأنا مضطر لاحترام قرارها .. إنها حياتها وهي حرة فيها..
تنفس بارتياح .. “سعد السناري” .. المزيج العجيب من القوة والضعف سعد السناري بكل سطوته ونفوذه يعطي ليلى كل الحرية ويترك الخيار لليلى.. ليلاه..
لكنه أكمل بتردد واضح:
– لكن لا بدَّ وأن تعرف أننا لسنا من عائلة كبيرة ولها اصول .. أموالي جمعتها قرشًا قرشًا .. الأفضل أن تأخذ وقتًا للتفكير .. من حقك أن تستعلم عنا جيدًا ..
” تفكير؟؟؟ أي تفكير؟؟ ” هز رأسة بقوة..
– لا يوجد داعٍ للتفكير، قراري اتخذته منذ زمن ولا توجد قوة على الأرض ستحملنى على تغيير رأيي .. المهم الآن هو رأي ليلى ..
الاتفاق غير المعلن تم بينهما .. سعد أراد أن يفتح لكريم سكة التحريات وكريم أغلق هذا الباب بقوة .. كلماته لليلى واضحة صادقة .. ذنب واحد فقط لا يمكن غفرانه أما ما دون ذلك فلا أهمية له أبدًا ..
اتفاقهما ختم بمصافحة قوية .. في اللحظة نفسها فتح باب المكتب ودخلت ليلى على عجل وهي تصيح بانهيار:
– سعد أنجدنــ ..
كلماتها ماتت على شفتيها .. رؤيتها لكريم وهو يصافح سعد أوقفت قلبها عن العمل..
اثنان من أحب الذكور إلى قلبها يتصافحان .. كريم وسعد .. يا الله كم هما متماثلان متشابهان .. نفس القوة والتصميم .. نفس العمر.. نفس الطول.. نفس الوسامة والجاذبية .. حتى نفس درجة حبهما في قلبها ..
ترك يد كريم والتفت إليها:
– ليلى حبيبتي .. كريم طلب يدك مني.. ما رأيك؟
الاحمرار الطبيعي الذي يغزو وجه كل فتاة في نفس موقفها تبدل إلى شحوب الموتى .. طلبه جلب رائحة الموت مجددًا لأنفها .. هي أتت تستغيث بسعد بعدما أرهقها التفكير وإذ به يتخلى عنها .. وجهت نظرة ألم له وعيناها الدامعة تلومه كأنها تخبره باستحالة حدوث ذلك .. تلومه لإحياء الأمل في قلبها وهو يعلم استحالة موافقتها على الزواج.. تخبره لماذا لم ترفض بالنيابة عني فأنا لا أملك القوة لذلك .. أنا أضعف من ذلك ..
ليقابل عتابها الصامت بقوله:
– وأنا عن نفسي موافق جدًّا .. كريم شاب ممتاز ويشرف أي عائلة.
أجابه بلهفة:
– الشرف لي أنا .. أنت لا تعرف قيمة ليلى بالنسبة لي.
كريم وسعد اتفقا عليها .. على إجبارها على الاستسلام التام دون قيد أو شرط .. كريم وضعها أمام الأمر الواقع بمقابلته لسعد وسعد فتح لها باب الأمل .. (أنا موافق) .. هكذا قال.
أرادها أن تعلم بموافقته.. أن تغلق باب الماضي .. كريم طلبها والماضي مدفون .. إذن فلندعه في مرقده .. أشباح الماضي احتلت أرواحهم لسنوات ولقد حان وقت التحرر منها ..
فرج مسجون وليس لهم أي علاقة به من جديد.. أموال سعد منحتهم هوية جديدة .. ليلى أصبحت تنسب لسعد وليس لفرج .. “أخوة سعد السناري” هكذا أصبحوا يلقبون .. حارة جهنم لم يعد لها أي وجود في حياتهم عواطف المسكينة ماتت ودفن معها ألمها وللأسف القدر لم يمهلها فرصة كي تفرح بنجاح أبنائها .. فرج الخمورجى القاتل تلقي عقابه المستحق ..
هي أصبحت ليلى السناري مهندسة الديكور حسن وسالم أصبحا رجال أعمال .. وسعد أصبح رأس العائلة .. بالنسبة لعالمهم الحالي.. عائلتهم واجهة مثالية لعائلة طبيعية .. إذًا فلتترك الماء الراكد راكد ولعن الله من حركه .. دعم سعد أمدها بالقوة للموافقة وكريم أعطاها حجة تتحجج بها ولا تكشف له سرها الأعظم..
أخيرًا خفضت رأسها بخجل شديد وتحلت بالجرأة كي تتصرف كأي عروس خجول وجهها يشتعل بالحمرة وقلبها ينبض بجنون .. قالت بصوت هامس جاهدت نفسها لسماعه:
– كما ترى يا أخي..
مجددًا سعد سوف ينقذها من ألمها .. من بؤسها سوف يتحمل بشجاعة عنها القرار ..
“وحبه قد يشفيني من ألم هَدَمَ روحي، وصبغ بالسواد سنيني .. فردوس يطبب جراحي، أو جهنم تواصل تعذيبي”.
ملامح الفرح السابقة تحولت لذعر.. زواج .. زواج؟
كريم عرض عليها الزواج في الواقع لم يطلب منها بل كان فقط يخبرها بما سيفعله .. والدها بالتأكيد عرض الزواج على والدتها في يوم من الأيام .. عواطف المسكينة.. لم ترَ السعادة في حياتها .. لكمات فرج الغاشمة وارتها تحت التراب .. سنوات عمرها الأربع والأربعين كانت قصيرة بالنسبة لأعمار البشر .. طويلة بالنسبة لعذابها اليومي ..
صرخت بذعر بشديد ..
– لا..
وخرجت من الصالون تجري وكأن الشيطان خلفها..
والصدمة جمَّدته.. تساءل بدهشة بالغة عن سبب تحولها الكامل من لحظات كانت تبدو سعيدة مشرقة خجلة ولكن فجأة..
الحل الوحيد الذي توصَّل إليه كان وضعها أمام الأمر الواقع .. بكل حزم صعد كي يرتدي ملابسه.. كي يذهب لطلب يدها رسميًّا من سعد .. فهو يفضل حسم الأمور .. ما هو أكيد منه أنه يريدها بشدة .. أما بشأنها هي فذلك سوف يكون تحدٍ لمشاعرهم معًا .. أخيرًا سوف يعلم مشاعرها الحقيقية بدون أي تهرب أو مواربة.. لإسبوعين وهو يحاول فهم مشاعرها لكنه فشل فهي متقلبة جدًّا .. أحيانًا يقبض عليها وهي تراقبه سرًّا ثم تهاجمه عندما تشك أنه انتبه إلى ما تفعله .. تكون قريبة منه ثم في لحظات تضع المحيط بينهما.. تشع بالدفء ثم في لحظات تتحول إلى تمثال من الثلج ..
طرقات خفيفة على باب غرفته انتزعته من أفكاره.. وفتحت ريم باب غرفته بهدوء ودخلت ..
– كريم .. ياللأناقة؟ .. إلى أين ستذهب وأنت أنيق هكذا؟
غمزت وهي تكمل:
– لديك موعد غرامي؟
– تقريبًا.. ريم سأخبرك سرًّا لكن رجاء لا تخبري أمي الآن فأنا لا أريد المشاكل ..
– مشاكل من أي نوع؟ كريم لا أفهمك ..
أجابها ببطء وهو يركز نظراته على عيونها:
– سأذهب لطلب ليلى من أخيها سعد.
سمع شهقتها المكتومة ثم لتقول في اضطراب ..
– يا إلهي العظيم.. وسلمى؟
– ما دخل سلمى بارتباطي بليلى؟
– كريم لا تتصنع الغباء.. أنت تعلم جيِّدًا أنها تحبك وأمي وخالتي سهير تقريبًا اتفقتا على زواجكما.
– أنتِ قلتِها بنفسك.. هما اتفقتا .. لمرات عديدة وأنا أخبر أمي أن سلمى ليست الزوجة التي أرغب، وسلمى نفسها لم أعدها يومًا بشيء .. أي فوضى أنا غير مسؤول عنها.. من صنع الفوضى عليه تنظيفها، “ليت الأمر بهذه السهولة “.. قالت بإشفاق:
– كريم .. الأمر ليس بتلك السهولة التي تعتقدها .. سلمى تحبك ولن تتخلى عنك بسهولة .. أنا أعلم جيِّدًا أنك تحب ليلى ولكن فكر جيِّدًا.
سيحسم الأمرالآن تمامًا ومع جميع الأطراف ..
– هي حرة في مشاعرها .. أما وجودها في حياتى لا يتعدى كونها ابنة خالتي ولم أعدها يومًا بشيء حتى من قبل أن تدخل ليلى إلى حياتى.. حبي لــ ليلى مختلف.. في يوم ما ستتعرفين إلى الحب الحقيقي..
كلماته أشعلت النار في وجهها فهي بالفعل عرفت الحب الحقيقي كما أسماه واكتوت بناره.. يكفي لقاء سعد لدقائق كي تعرف أنه قدرها الذي سوف تتعذب بسببه إلى الأبد .. وكريم نظر إليها بشك ثم غادرالغرفة ..
**
جميلة .. حزينة .. هذا كان انطباعه الأول عن فيلا السناري .. الفيلا ذكرته بليلى .. لا يدري لماذا لكنه تخيل ليلى تجلس وهي تقرأ تحت شجرة الزيتون العجوز التي تضلل مساحة هائلة حولها ..
– هل أستطيع مقابلة سعد السناري من فضلك؟
– من يريد مقابلته؟
– الرائد كريم علم الدين..
– بالتأكيد .. تستطيع الانتظار هناك حتى أخبره.
جلس في الصالون الفخم ينتظر بلهفة عودة الخادمة الشابة من رحلتها المصيرية بالنسبة إليه .. أهم لحظة في حياته.. لأول مرة في حياته يواجه مثل تلك المشاعرالجامحة التي تحركه ولا يستطيع السيطرة عليها, مشاعر أخافته لدرجة الموت.. حبه لليلى فاق الحدود أيقن ببساطة أنه قد يكون الحب القاتل الذي يدمر صاحبه أو يكون النعمة الأبدية التي تنقل إلى الفردوس ولا يوجد وسط .. إما الجنة أو النار.
اكتشف نفسه من جديد .. حب ليلى أعاد اكتشاف أشياء كان يجهل وجودها في نفسه.. أشياء تثيرالنشوة.. وأخري تثير الخوف..أكثر ما أخافه هو إحساسه الرهيب بالتملك .. تملك فقط لليلى .. اكتشف أنه غيور بدرجة عنيفة .. الآن يتمنى إخفاء ليلى عن العالم .. آه لو يستطيع وضعها في قلبه وإغلاقه عليها .. سيكون إقناعها بارتداء الحجاب أول ما سيفعله عندما تنتمي إليه .. آه يا ليلى لو تفهمين؟؟؟
– تفضل .. السيد سعد في انتظارك في مكتبه..
فور دخوله للمكتب وجد سعد في انتظاره ليرحب به بحفاوة بالغة ربما بالغ فيها كي يخفي اضطرابه .. ولكن نظراته الخبيرة أدركت توتره وارتجاف يده القوية أثناء السلام على الرغم من محاولة سعد السيطرة باستماتة على خوفه إلا أنه شعر به .. وبالطبع قد يكون هناك أسباب عدة لزيارة كريم له .. أفظعها بلا منازع التحدث عن فرج مجرد تذكره يسبب له الغثيان ومع ذلك تماسك لأقصى درجة وحاول أن يبدو طبيعيًّا.. ربما أتى للحديث بشأن شركة المجوهرات
أشار لكريم بالجلوس..
– تفضل بالجلوس.
“لماذا ترتجف يده أثناء السلام؟ ” أخفى ببراعة إحساسه بتوتر سعد وجلس بترفع ثم قال:
– سعد بك.
سعد سأله بأدب:
– ماذا تحب أن تشرب؟
أراد أن يهتف بسعد “شربات” لكنه بدلًا من ذلك قال:
– قهوة مظبوطة.
أشار للخادمة بالانصراف لتلبية طلب زائره .. وفضل الجلوس على أريكة مريحة من الجلد الأسود موجودة في غرفة المكتب بدلًا من مقاعد المكتب الرسمية ..
– أظن هنا أفضل؟
– بالتأكيد .. وليخفي توتره سعد عرض عليه السيجار.. كلاهما لا يدخن لكن لا إراديًا أشعل كلاهما واحدًا .. ربما للاختباء خلف دخانها الكثيف ..
كريم صفى صوته بنحنحة خفيفة ثم تمالك نفسه وقال:
– بالتأكيد أنت تتساءل عن سبب زيارتي لك.. لكن في البداية أُفضِّل أن أعرف نفسي .. أنا الرائد كريم علم الدين رائد في مصلحة السجون عمري ثلاثون عامًا .. والدي اللواء محمود علم الدين رئيس المصلحة .. قبل المصلحة عملت لفترة في مباحث الأموال العامة ولكي أكون صريحًا أنا فشلت هناك لأنني أردت كشف الفساد ولولا اسم أبي لكانوا لفَّقوا لي أي تهمة وتخلصوا مني .. يوجد فاسدون وأيضًا شرفاء بالطبع لكن الحرب تحتاج إلى نفس طويل .. نقلت المصلحة لأسباب عدة منها أن أبتعد عن المشاكل مؤقتًا لكني سأعود لهم في يوم من الأيام .. هذا بالإضافة إلى شركة الحراسات الخاصة “علم الدين للحراسات الخاصة” بدأتها برأس مال متواضع منذ سنتين.. والشركة الحمد لله بدأت تتوسع وأصبح لها اسم معروف في دنيا الأعمال واتفقت على مبلغ جيِّدًا جدًّا مع شركة المجوهرات مقابل نظام أمان وحماية لمعرضهم ومصنعهم .. وأيضًا نحن مسؤولون عن تأمين أميرعربي في تحركاته .. و الحمد لله لدي شقة فاخرة.. دوبلكس على الكورنيش في المعادي .. لكنها حاليًّا على المحارة وتحتاج طبعًا لوقت حتى تكون جاهزة للسكن ..
حاول سعد عدم إظهار مشاعره وقال:
– ممتاز .. بالتوفيق.
– أَصِل الآن لأهم نقطة ..
طرق على الباب منعه من إكمال كلامه..
لطيفة الخادمة دخلت بهدوء لتقديم القهوة:
– تفضل يا سيادة الرائد ..
التقط فنجانه وارتشف القهوة ببطء .. استراحة القهوة أعطته بعض الوقت لالتقاط أنفاسه وتهدئة قلبه الخافق بجنون..
كريم الفخور بنفسه وأصله الراقي في أصعب اختبارتعرض له .. اختبار لقيمته الشخصية أمام أموال سعد الهائلة..
وضع فنجانه على الطاولة أمامه وقال بصلابة وبصوت واثق:
– أنا يشرفنى ويسعدني أن أطلب يد شقيقتك الآنسة ليلى.
في خلال رحلة قدومه توقع سيناريوهات محتملة لرد فعل سعد بعد أن يطلب منه يد ليلى.
توقع الغضب وأعد نفسه لحرب ضروس أصر على الخروج منها منتصرًا
توقع البرود واستقبال الطلب بلامبالاة ربما بسبب أصول اللياقة التي تمنعه من الرفض الفوري..
توقع الهدوء وطلب وقت للتفكير كما يفعل أي أخ يُطلب منه يد أخته ..
حتى توقع الطرد والتهديد .. ولكن رد فعل سعد خالف جميع توقعاته .. كان قد أعد نفسه لكل الاحتمالات وكان جاهزًا للرد، فليلى كانت على المحك .. أما رد الفعل الوحيد الذي تركه متخشبًا ولم يتوقعه على الإطلاق كان دموع سعد .. فسعد القوي المليونير صاحب أكبر شركات في مصر .. انهمرت دموعه كالأطفال عندما سمع طلبه.. دموع سعد وعواطفه الجياشة أذهلته وتركته مبهوتًا كليًّا..
– أعذرني لكنك لا تعلم ماذا تكون ليلى بالنسبة لي؟ سعادتها هي أهم شيء في حياتى .. إنها ليست مجرد شقيقة .. ليلى وكأنها ابنتي وأنت أول عريس يطلب يدها مني واكتشفت أن الموقف يلمس القلب .. أنا عن نفسي موافق جدًّا .. وأثق أيضًا في اختيار ليلى .. لكن للأسف أنا دوري ثانوي في الموافقة أوالرفض ليلى الوحيدة صاحبة القرار .. سيسعدني جدًّا أن تكون صهري لكن لو هي لها رأي آخر فأنا مضطر لاحترام قرارها .. إنها حياتها وهي حرة فيها..
تنفس بارتياح .. “سعد السناري” .. المزيج العجيب من القوة والضعف سعد السناري بكل سطوته ونفوذه يعطي ليلى كل الحرية ويترك الخيار لليلى.. ليلاه..
لكنه أكمل بتردد واضح:
– لكن لا بدَّ وأن تعرف أننا لسنا من عائلة كبيرة ولها اصول .. أموالي جمعتها قرشًا قرشًا .. الأفضل أن تأخذ وقتًا للتفكير .. من حقك أن تستعلم عنا جيدًا ..
” تفكير؟؟؟ أي تفكير؟؟ ” هز رأسة بقوة..
– لا يوجد داعٍ للتفكير، قراري اتخذته منذ زمن ولا توجد قوة على الأرض ستحملنى على تغيير رأيي .. المهم الآن هو رأي ليلى ..
الاتفاق غير المعلن تم بينهما .. سعد أراد أن يفتح لكريم سكة التحريات وكريم أغلق هذا الباب بقوة .. كلماته لليلى واضحة صادقة .. ذنب واحد فقط لا يمكن غفرانه أما ما دون ذلك فلا أهمية له أبدًا ..
اتفاقهما ختم بمصافحة قوية .. في اللحظة نفسها فتح باب المكتب ودخلت ليلى على عجل وهي تصيح بانهيار:
– سعد أنجدنــ ..
كلماتها ماتت على شفتيها .. رؤيتها لكريم وهو يصافح سعد أوقفت قلبها عن العمل..
اثنان من أحب الذكور إلى قلبها يتصافحان .. كريم وسعد .. يا الله كم هما متماثلان متشابهان .. نفس القوة والتصميم .. نفس العمر.. نفس الطول.. نفس الوسامة والجاذبية .. حتى نفس درجة حبهما في قلبها ..
ترك يد كريم والتفت إليها:
– ليلى حبيبتي .. كريم طلب يدك مني.. ما رأيك؟
الاحمرار الطبيعي الذي يغزو وجه كل فتاة في نفس موقفها تبدل إلى شحوب الموتى .. طلبه جلب رائحة الموت مجددًا لأنفها .. هي أتت تستغيث بسعد بعدما أرهقها التفكير وإذ به يتخلى عنها .. وجهت نظرة ألم له وعيناها الدامعة تلومه كأنها تخبره باستحالة حدوث ذلك .. تلومه لإحياء الأمل في قلبها وهو يعلم استحالة موافقتها على الزواج.. تخبره لماذا لم ترفض بالنيابة عني فأنا لا أملك القوة لذلك .. أنا أضعف من ذلك ..
ليقابل عتابها الصامت بقوله:
– وأنا عن نفسي موافق جدًّا .. كريم شاب ممتاز ويشرف أي عائلة.
أجابه بلهفة:
– الشرف لي أنا .. أنت لا تعرف قيمة ليلى بالنسبة لي.
كريم وسعد اتفقا عليها .. على إجبارها على الاستسلام التام دون قيد أو شرط .. كريم وضعها أمام الأمر الواقع بمقابلته لسعد وسعد فتح لها باب الأمل .. (أنا موافق) .. هكذا قال.
أرادها أن تعلم بموافقته.. أن تغلق باب الماضي .. كريم طلبها والماضي مدفون .. إذن فلندعه في مرقده .. أشباح الماضي احتلت أرواحهم لسنوات ولقد حان وقت التحرر منها ..
فرج مسجون وليس لهم أي علاقة به من جديد.. أموال سعد منحتهم هوية جديدة .. ليلى أصبحت تنسب لسعد وليس لفرج .. “أخوة سعد السناري” هكذا أصبحوا يلقبون .. حارة جهنم لم يعد لها أي وجود في حياتهم عواطف المسكينة ماتت ودفن معها ألمها وللأسف القدر لم يمهلها فرصة كي تفرح بنجاح أبنائها .. فرج الخمورجى القاتل تلقي عقابه المستحق ..
هي أصبحت ليلى السناري مهندسة الديكور حسن وسالم أصبحا رجال أعمال .. وسعد أصبح رأس العائلة .. بالنسبة لعالمهم الحالي.. عائلتهم واجهة مثالية لعائلة طبيعية .. إذًا فلتترك الماء الراكد راكد ولعن الله من حركه .. دعم سعد أمدها بالقوة للموافقة وكريم أعطاها حجة تتحجج بها ولا تكشف له سرها الأعظم..
أخيرًا خفضت رأسها بخجل شديد وتحلت بالجرأة كي تتصرف كأي عروس خجول وجهها يشتعل بالحمرة وقلبها ينبض بجنون .. قالت بصوت هامس جاهدت نفسها لسماعه:
– كما ترى يا أخي..
مجددًا سعد سوف ينقذها من ألمها .. من بؤسها سوف يتحمل بشجاعة عنها القرار ..
على الرغم من أنها تخفض رأسها إلا أنها تكاد تجزم أنها رأت بريق عيني كريم وهما تتوهجان مثل جمرتان مشتعلتان أحرقتا جسدها ..
أما سعد فقال وعيناه دامعتان من السعادة:
– على بركة الله .. حددا سويًّا وقتًا مناسبًا لإعلان الخطبة وأبلغاني به.

