Uncategorized

رواية حارة جهنم الفصل الثالث عشر 13 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf


رواية حارة جهنم الفصل الثالث عشر 13 بقلم داليا الكومي

الفصل الثالث عشر_______________حادث في العنبر
“القوة التي تضع حبات الرمان واحدة واحدة داخل قشرتها تعلم في أي قلب تضعك, فلا تقلق”، جلال الدين الرومي.
جلست لساعات وساعات ..
لساعات جلست متصلبة على المقعد نفسه حيث تركتها سلمى.. فقدت قدرتها حتى على البكاء .. وهناك أيضًا وجدتها ريم عنما عادت إليها:
– ليلى .. ليلى .. ما بكِ تحدثي إلي.. لماذا جلدك بارد هكذا؟؟
أدارت عينيها بضعف لريم.. ماذا ستخبرها؟
ففي النهاية سلمى ابنة خالتها وأقرب لها منها على أي حال وكريم شقيقها ولن تلومه أمامها أبدًا .. هل فقط الرغبة هو كل ما يجمعها بكريم؟ لا جدال في أنه يرغبها وبشدة، لكن هل الرغبة والحب متلازمان أم كل ما يجذبه إليها هو الشهوة فقط، واستسلامها التام له كما تقول سلمى.
جذبتها بلطف:
– تعالي نهبط للعشاء سويًا.. أنتِ لم تأكلي شيئًا منذ الإفطار.. أنتِ تقتلين نفسك ..
– لا أستطيع.. لا شهية لدي على الإطلاق .
نهرتها بقوة:
– تجويعك لنفسك لن يحل أي شيء .. بحركة مفاجئة وجهتها ريم لمرآة قريبة ..
– تطلعي لنفسك جيِّدًا وأخبريني ماذا ترين؟
هالها ما رأت .. كانت تشبه الأشباح .. شاحبة بلا لون وعيناها حمراوان من البكاء .. جفناها منتفخان .. شعرها في حالة فوضى كاملة.. وملابسها مجعدة كأنها ارتدتها باستمرار ليل نهار لمدة أسبوع كامل ..
أنَّبتها بحدة:
– كيف توصلين نفسك إلى هذه الدرجة من الانهيار؟ هل نسيتِ أنك عروس؟ لا يجب أن يراكِ كريم هكذا..
أجابتها بألم:
– كريم.. لديه خطط أخرى تبدو أهم مني.. أتصدقين أنه سيبيت خارج المنزل دون أن يكلف نفسه عناء إخباري؟
هزت رأسها بيأس:
– هل علمتِ؟
أنا أيضًا صُدمت.. هذا لا يشبه كريم أبدًا..
إجابتها صدمت ليلى..ها هي ريم تعلم هي الأخرى عن مقابلة كريم لسلمى هي فقط آخر من يعلم .. ولولا بخ سلمى لسمها لما كانت علمت أبدًا عنها ..
– تعالي سنهبط للأسفل سويًّا وسنفكر في أمرٍ ما، أرجوكِ يا ليلى أنا لست قوية كما تعتقدين، أنا أضعف مما تتخيلين لكني عندما أجد أحب الناس إلى قلبي ينهارون أمامي فعند ذلك فقط أحاول الصمود لأجلهم، ليلى من أجل كريم وسعد ساعديني كي نتجاوز هذه المحنة، ترابطنا فقط سوف يساعدنا.. أما بمفردي فلن أستطيع فعل أي شيء .. (آه، يا ليلى أنت لا تعلمين كم أعاني ولا تعلمين ما حدث بيني وبين سعد) فكرت بحزن.
وليلي أيضا فكرت بنفس الحزن “إن كان حبها لكريم محكومًا عليه بالإعدام، إذًا فلتساعد ريم عسى أن يكون حظها في الحب أفضل”،
واستسلمت لريم التي هبطت بها الدرج نحو المطبخ.
هى معها حق.. انها تقتل نفسها بإضرابها عن الطعام .. بعد العشاء شعرت أنها أفضل قليلًا فهي بالفعل كانت بحاجة لبعض الطعام.. كانت تعاني من نقص حاد في السكر في الدم والطعام أعاد إليها بعضًا من اتزانها ..
فوجئت بريم تسألها بخجل:
– هل تسمحين لي بسؤالك عن سبب مشاجرتك مع كريم في الصباح؟؟ أنا لا أقصد التدخل لكن ربما لو علمت السبب فسأستطيع المساعدة، فبعد لهفة كريم عليكِ البارحة أرى أنه من المحال أن يبيت ليلته خارجًا ويتركك بمفردك.
أكملت بخجلٍ أكبر:
– أنتِ تفهمين ما أعني أليس كذلك؟
في كلماتٍ موجزة ليلى أخبرتها عن جدالهما في الصباح وعن قرارها المتهور الغبي الذي أغضب كريم للغاية، استمعت بانتباه شديد قبل أن تقول:
– هل تعتقدين أنه كان سيغضب إذا لم يكن يحبك؟
الرجل الذي يحب زوجته فقط هو الذي يرغب بالإنجاب منها، بربطها به إلى الأبد، أنتِ كان لديكِ سبب قوي يدعم قرارك الذي اتخذتِه بمفردك بدون استشارته، لكن في النهاية النتيجة كانت حرمانه من أطفالٍ منك، من تكوين عائلة والمصيبة الأكبر أنه لا يعلم سبب قرارك، أو ما تعرضتِ له من قسوة وضرب في حياتك، ضعي نفسك مكانه، ماذا لو فوجئتِ به يخبرك أنه لا يريد الأطفال أبدًا، ماذا كنتِ ستفعلين وقتها؟
ليلى انسي الماضي، لا تدعيه يدمر الحاضر والمستقبل، اتصلي به واطلبي مسامحته، فأنتِ المخطئة الوحيدة، في نَظَره أنتِ حقَّرتِ من علاقتكما بطلبكِ الغبي لذلك سينتظر منك إثباتًا بأنكِ تحترمين هذه العلاقة، ولا دخل للحب فيما أقول، بالتأكيد سيظل يحبك للأبد ولكن شروط عودته إليكِ قد ترتبط بدرجة حبك أنتِ الأخرى، الحب وحده لا يكفي واسألي سعدًا إذا كنتِ لا تصدقينني، حاربي من أجل حبك كما أحارب..
تحارب ليتها تستطيع؟! أغمضت عينيها لتخفي المزيد من الدموع، أربعتهم داخل دائرة مفرغة، متاهة لا سبيل للخروج منها أبدًا..
في البداية كانت تظن أنها لعنة أولاد علم الدين التي أصابتهما بسهام الحب وتسببت في غسل دماغهما بتأثير سحرها اللعين الذي أذهب عقلها أولًا ثم عقل سعد، لكنها الآن مقتنعة تمامًا أن أولاد السناري هم اللعنة الحقيقية وليس العكس، كريم وريم مثال للنقاء والوضوح، أما هي وسعد فحدِّث ولا حرج، جعبتهما مليئة بالمفاجأت غير السارة على الإطلاق، بل وتصل لحد الخديعة، حياتهما ممتلئة بالعقد والترسبات، أما علاقة كريم بسلمى فهي وحدها المسؤولة عن إحيائها لو كانت فعلًا عادت للحياة .. ولو كان كريم تزوجها من أجل جسدها فقط هل كان ليغضب من طلبها منع الحمل؟
ربتت على كفها بحنان بالغ:
– استمعي إلى نصحيتي واصعدي إلى غرفتك قبل عودة أمي، فلو رأتك هكذا ستبدأ في التساؤل وآخر ما نحتاجه الآن هو فضول سعاد هانم ..
ذكر سعاد هانم كان كلمة السر التي دعتهما للهرب فورًا من المطبخ .. صعدتا الدرج تستندان على بعضهما البعض.. كلتاهما مجروحة .. متألمة تنزف حتى الموت .. وتفكر في طريقة لإنقاذ حبها المستحيل ..
هذا اليوم الكئيب استنزفها تمامًا.. شعرت أنها مرهقة كأنها سارت لأيام في الصحراء بدون ماء .. أبدلت ملابسها بصعوبة ودخلت فراشها فورًا واستغرقت في نوم عميق عوض ليلتها السابقة من النوم المتقطع وأيضًا عوض إرهاق يومٍ جهنميٍ كان يعد ثاني أطول أيام حياتها من بعد يوم وفاة والدتها..
***
لأول مرة منذ أيام تنام وحدها، اعتادت قربه، أنفاسه بجانبها تطمئنها ذراعاه حولها تحميها، آه يا كريم أين أنت؟؟
وعندما نهضت عند الفجر للصلاة، كانت ما تزال مرهقة مستنزفة، أكملت نومها مرة أخرى، حينما استيقظت في المرة الثانية شعرت أنها أفضل قليلًا لديها الوفرة من الملابس الأنيقة إذن لماذا لا تستعملها؟ ارتدت ملابسها وحرصت على التأنق، هي مازالت عروسًا وكما نبهتها ريم لا داعي على الإطلاق لجذب انتباه حماتها، فهي لديها ما يكفيها من الحروب ومواجهة حماتها ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد أن انتهت من تزيين وجهها بنعومة نزلت للطابق السفلي لتجد حماتها تجلس براحة.
وفور رؤيتها رحبت بها بودٍ واضح، فهي بدأت تتقبلها كنَّة لها من بعد عودتهما من شهر العسل، ربما هداياها الفاخرة إليها فعلت المرجو منها وربما فقط كما قال الرسول الكريم: صلى الله عليه وسلم ” تَهَادُوا تَحَابُّوا ربما أحبتها فعليًا من قلبها:
– تعالي لتتناولي الفطور معي .. الآن أفطرهنا يوميًّا وكأنني أجلس في الحديقة .. فعلًا أنتِ فنانة .. أنا أيضًا استيقظت الآن، شاركيني الفطور.
إطراء حماتها وودها الواضح تجاهها حسن من مزاجها، على الأقل هي لديها موهبتها لتهرب إليها عندما يتأزم الوضع مع كريم .
حمدت الله كثيرًا فحماتها لم تلاحظ أي شيء..الفطور مر بسلام والخادمة أحضرت الشاي وبعض الحلويات.
– شقيقتي وأسرتها مدعوون على الغداء اليوم، أردت إبلاغك باكرًا كي تأجلي ارتباطاتك، حضورك ضروري
سلمى سوف تأتى مجددًا، الألم ارتسم على وجهها، جاهدت لإخفائه فضولها وغيرتها..سألتها بتحفظ:
– كريم لديه فكرة؟
– لا .. أنا فقط دعوتهم من ساعة، أو بمعنى أدق هم دعوا أنفسهم.
سلمى تضرب بقوة.
تساءلت في صمت عن موقف سعاد من سلمى وعلاقتها بكريم .. الشك عاد لاحتلال كيانها كله.
لا تجرؤعلى سؤال أي أحد حتى ريم عن سلمى، زيارة سلمى لها البارحة لم تذكر من قِبَل ريم ولا من قبل حماتها، تساءلت عن مدى صدق سلمى؟؟؟ هل من الممكن أن تكون كاذبة؟
أو ربما قابلت كريم بالفعل ولكن لسبب آخر .. شأن عائلي على سبيل المثال
الآن تحارب في أكثر من جبهة لكنه كان اختيارها منذ البداية ولا تستطيع لوم أحدٍ سوى نفسها، فهي غامرت وتزوجت كريم بدون أن تترك له حرية الاختيار.. اختيار حَمَل وصمة عار اسمها من عدمه.. وها هي الآن تدفع الثمن وحدها.. إحساسها بالدونية يمنعها من مواجهة سلمى .. تعرف جيِّدًا أن سلمى تضمر لها الشر وسوف تسعى لاستعادة كريم بكل الطرق حتى غير المشروعة منها .. لن تخوض حربًا نظيفة لاستعادته بالتأكيد وبغبائها مهدت لها الطريق وأهدتها كريم على طبق من فضة ..
أخيرًا اضطرت للرد فسعاد مازالت تنتظر إجابتها..
– إن شاء الله .. سأحاول الحضور في وقت الغذاء.
شعورها بخديعتها لكريم يتركها ضعيفة وينمى لديها الشعور بالدونية والحقارة إن كانت لا تستطيع مواجهة سلمى وجهًا لوجه وتقطيع شعرها إذا ما حاولت الاقتراب من كريم بسبب شعورها بالذنب …. لكنها تستطيع البدء من جديد تستطيع إخباره وترك حرية الاختيار له قررت إخباره هاتفيًا ربما عدم رؤيته مباشرة سوف تسهل عليها الأمور قليلًا.. لن تعيش تحت التهديد بعد الآن .. الآن ستتصل به وتبوح أخيرًا بذنبها عله يتذكر وعده لها حينما أخبرها عن ذنب واحد لا يغفره .. استأذنت من حماتها وصعدت لغرفتها.. حبها لكريم أضعفها للغاية فمن كان له أب مثل فرج وتحمَّل لا بدَّ وأن يكون قويًّا ..
لقرابة الساعتين وهي ممسكة بهاتفها النقال واسم كريم على الشاشة لساعتين تحاول أن تستجمع شجاعتها ..
أخيرًا استطاعت الاتصال به .. قلبها كان يخفق بعنف لدرجة أنها شكَّت أن كريم سوف يسمع دقاته عبرالهاتف .. صوت جرس الاتصال يقطع أمعاءها من الألم .. ولدهشتها رد فورًا مع أول جرس..
– ليلى؟
أجابت بخفوت ..
– كريم ..
– افتقدتك حبيبتي .. لماذا تأخرتِ..؟ كيف استطعتِ أن تحرميني منك لمدة يوم كامل؟ من أين أتيتِ بهذه القسوة؟
دموعها بدأت في النزول ..
– أنا أيضًا افتقدتك كثيرًا يا كريم .. لماذا لم تبلغني بنفسك أنك ستقضي الليل بالخارج؟
– ليلى أنتِ جرحتِني .. صدمتني .. قررتِ قرارًا خطيرًا بمفردك .. لماذا يا ليلى؟ ابتعادي كان فقط كي لا أتهور وأتسبب في خسارتك يا ليلى ..أردت المزيد من الوقت كي أهدأ ويقل غضبي لكني ندمت للأسف .. نعم ندمت .. ندمت أننى ضيعت ليلة ولم آخذك فيها بحضني ..
“أنا أكثر” كانت تشعر بألم غيرمحتمل.. كلامه يعذبها ..
– كريم .. كريم هناك أمر أريد إخبارك إياه.. ربما ستصدم لكن ..
صوتها المرتعش قاطعه ضجة بجوار كريم .. صوت قوي تدخل ووجه الحديث لكريم على عجل .. الصوت كان يتحدث في سرعة وانفعال ..
– كريم أولاد الكلب مساجين عنبر المؤبد يتشاجرون سويًّا ويجب أن نتدخل فورًا لإيقافهم وإلا سيقتلون بعضهم.
فوجئت به يشتم بلفظ قذر لا إراديًّا.. لأول مرة تسمع منه تلك الألفاظ القذرة التي اكتسبها بحكم عمله .. ثم انتبه إلى أنها مازالت على الخط واستمعت إلى ما قاله .. عندما يراها سيغسل آذانها من بشاعة اللفظ.. لكن الآن هو مضطر للذهاب.. أجابها على عجل ..
– ليلى سأذهب الآن حبيبتي .. توجد مشكلة في عنبر ولابد أن أتدخل فورًا.. حبيبتي لا تتصلي مجددًا سأترك هاتفي وعندما أستطيع أنا سأكلمك
كريم في خطر ..؟ شعرت بالخوف.. كأن يدًا أمسكت قلبها بقوة واعتصرته تنفست بصعوبة ..
– كريم أنا أشعر بالخوف؟؟
حاول طمأنتها ..
– لا تخشي شيئًا مجرد مشكلة بسيطة .. سأرى ما يمكنني عمله وسأعود على الفور .. انتظريني حبيبتي ..
– سأنتظرك إلى الأبد حبيبي ..
هو شعر بخوفها وحاول أن يطمئنها ولكنها لمست توتره على الرغم من ذلك.. الضابط الآخر قال المساجين أولاد الكلب هم فعليًّا كذلك .. وهي بنت أحدهم .. خوفها بلغ عنان السماء .. ماذا لو كان الوضع خطيرًا وكريم تعرض للخطر قلبها كاد يتوقف .. فجأة خطرت لها فكرة مرعبة “فرج يحاول إيذاء كريم” يا الله ولكن كريم هو المسلح فماذا لو كريم أصاب فرج؟
أفكارها تصيبها بالجنون .. واصلت الدعاء بسلامة كريم.. يارب استرها ولكنها في الوقت نفسه بدأت في الخوف على فرج فهو والدها على الرغم من كل شيء .. ما هذا الوضع المستحيل؟ دهشت من نفسها .. من كونها تحمل مشاعر لوالدها القاتل ..
.. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. . ..
ركض بسرعة وبكل قوته مع هيثم إلى عنبر 6 .. عنبر المحكومين بالمؤبد هو يعلم جيِّدًا كم يكون بعضهم خطرًا لدرجة كبيرة .. يده تحسست سلاحه المحشو بالرصاص ودعا الله ألا يضطر لاستخدامه.. لكن الأمور قد تسوء فالمضاربة التي تحدث في عنبر مثل ذلك العنبر لن تكون عادية.. عندما وصلا إلى العنبر المنشود العساكر كانت قد بدأت في السيطرة على الوضع وبمجرد دخولهما تكلم الجميع في الوقت نفسه .. تنفس بارتياح وأعاد مسدسه الذي أخرجه عند الباب إلى غمده فهو ليس بحاجة إليه.. كان يوجد أحد المحكومين ملقى على الأرض والدماء تغطى وجهه بغزارة لم يستمع جيِّدًا إلى أحاديثهم المتداخلة .. الأهم بالنسبة إليه كان أن يفحص المصاب أولًا .. ركع على ركبتيه بجواره ليفحصه.. المصاب كان عجوزا جدًّا وضئيل الحجم بدرجة تثير الدهشة.. لكنه مازال حيًّا ويتنفس .. سأله باهتمام:
– هل أنت بخير يا والدي؟ عندما لم يتلق ردًّا منه صاح في الجميع بصرامة..
– ماذا حدث؟
مجددًا تكلم الجميع في الوقت نفسه.. أشار لهم بالصمت ثم أمر أحد العساكر:
– اطلب الإسعاف فورًا ..
ثم أشار إلى باقي العساكر وأكمل:
– أحضروا لي المساجين كلٌ على حدة إلى مكتبي.
************
الدقائق مرت كالساعات.. حوالي ساعة قضتها في العذاب وأخيرًا اتصال منه أعاد الحياة لجسدها .. ردت بلهفة:
– كريم طمئنني عليك؟
أجابها بخبث:
– هل شعرتِ بالخوف علي؟ هل هذا يعني أنكِ تحبينني؟
أجابته بحزن:
– ألا تعلم أني أحبك بجنون؟
صوته كان يقطر بالحيرة وهو يقول:
– أعلم يا ليلى .. وهذا ما يحيرني .. في بعض الأحيان أشعر أنك تسلمين نفسك لي بالكامل .. وأستطيع الوصول إلى روحك وننصهر سويًّا لنكون كيانا واحدًا .. وأحيانًا أخرى وبدون مقدمات تتحولين عني كليًّا وتدخلين محرابك وتصبح تصرفاتك مبهمة بالكامل.. غير مبررة بالنسبة إلي.. كأني تزوجت ثلاث نساء.. إحداهم تعشقني بجنون والثانية تعشقني لكنها دائمًا متوترة وتضع الحواجز بيننا أما الأخيرة فهي أصبحت تسبب لي أنا الجنون وبدأت أكرهها لأنها تهدد حياتي معك أشعر أنها تكره زواجنا وتعاقبني على إجبارها على الزواج .. أريد أن أتخلص من زوجتي الثالثة وأروض الثانية وأتفانى في حب الأولى فهي كل حياتي، وبالوقت ربما أكسر الحاجز الذي تضعه ليلى الثانية بيننا .. وتندمج بداخلي .. أنا على حق يا ليلى.. أليس كذلك؟
إنه على حق تمامًا فهي ممزقة بين الاستسلام والنسيان والشعور بالذنب .. كلما حاولت النسيان وكادت تنجح .. ضميرها يؤلمها وشيطانها يؤرقها فتعاقب نفسها على خديعتها لكريم وتعاقب كريم لأنه اخترق دفاعاتها ولم يترك لها فرصة للرفض.. فهو احتلها كليًّا بالقوة.. قوة الحب ..
وفضولها ما كان ليترك ما حدث في العنبر يمر دون معرفة كافة التفاصي حمدًا لله فهي اطمأنت أن كريم بخير لكنها مازالت تشعربالقلق .. سألته كي تطمئن كليا وأيضًا لتهرب من إجابة سؤاله:
– كريم أخبرني ماذا حدث؟
أجابها بحيرة شديدة وهو يهرش في شعره في حركة لا إرادية .. الكثير من الأحداث الآن غير مبرر بالنسبة إليه:
– أمر غاية في الغرابة .. أحد المساجين جن فجأة وبدأ في ضرب زملائه في العنبر .. بالطبع هم أيضًا ضربوه وسيطروا على ثورته وهياجه .. لكن بعدها بدأ يخبط رأسه في الجدار وأصاب نفسه.. تصرفه لا يترك إلا تفسيرًا واحدًا أنه كان يبحث عن الموت .. يريد أن يقتل نفسه أو يقتله أحد .. المساجين يقولون أن حاله غريب منذ الأمس .. يرفض الكلام والأكل ثم اليوم اهتاج فجأة وقرر قتل نفسه
تجرأت وسألته بخوف .. خوف من الإجابة التي تخشى سماعها ..
– ما اسم هذا السجين؟
أجابها بدهشة واضحة واستنكار ..
– اسمه فرج .. لكن لماذا تسألين؟.. ما شأنك أنت بالسجناء؟





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى