رواية حارة جهنم الفصل السابع عشر 17 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf

رواية حارة جهنم الفصل السابع عشر 17 بقلم داليا الكومي
الفصل السابع عشر___________________الشك يقتل دائمًا
“حتى الدماء السيئة يطهرها الندم”
أعطاه الأمان ليتحدث، وعده بأنهم سوف يغادرون للأبد أعطاه الوعد لأنه قرر أن يستخدم كل سلطته ونفوذ أمواله لنقل فرج إلى مستشفًى آخر، لن يموت فرج في مستشفى السجن لن يسمح بذلك أبدًا، إذًا فهو لم يكن يكذب عندما أعطاه وعده “رجل المهام الصعبة”، لكن هل أدرك أشقاؤه خدعته؟ هل سيظنون أنه سوف يتركه مجددًا بعد أن تآكله الذنب واضناه المرض؟
فرج بدء حديثه تكلم بضعف واضح، صوته بالكاد مسموع اقتربوا كثيرًا كي يتمكنوا من سماع ما كان يقوله:
– بعد شهور من سجنى دخل معي إلى العنبر رجل غني جدًّا وله نفوذ، سجن ظلمًا لأنه كان نظيفًا، الحيتان اجتمعوا عليه وسجنوه حتى يستطيعوا التحكم في أمواله كما يريدون بدون الاستماع إلى مواعظه وتعقيداته التي كانت تمنعهم من السرقة، إصراره على سلوك الطريق الصواب فقط دفعهم لتلفيق تهمه له وبنفوذهم تمكنوا من وضعه معنا في عنبر المحكومين المؤبد، عنبرنا كان أسوأ عنبر في السجن، عنبر المؤبد، المساجين الخطر، تجار المخدرات والقتلة، ومع أن محكوميته كانت سنتين فقط إلا أنهم وضعوه معنا، كانوا يدبرون لقتله، في أي مشاجرة بسيطه قد يقتل بيد أي مسجون خدمة لأسياده، وهذا تقريبًا كان يحدث باستمرار، لكنه طلب حمايتي وأنا كنت قد بدأت أندم على الطريق الذي سلكته طوال عمري، وبتحالفنا هداني الله عز وجل إلى طريق الخلاص، كلمة القاضي يوم الحكم على قتلتني مع أنني كنت لا أزال حيًّا أتنفس، كيف سأهرب من عقاب الله عز وجل؟
وقتها أنا كنت فرج الفتوة وأحفظ مكانتي في العنبر لكن محمد بك أنار طريقى، علمني الصلاة وهيأ قلبي للإيمان، وأنا حميته من البلطجية والمساجين، أصبحنا أصدقاء وبفضله ندمت ندمًا حقيقيًّا صادقًا من قلبي، وبفضل الله عز وجل تمكَّنت من حمايته خلال فترة إقامته، وعندما خرج ظل يزورني باستمرار، وكان قد وعدني بأنه سيتقصى عن أخباركم لأجلي، سنوات كانت قد مرت وأنا لا أعلم عنكم أي شيء، والندم يقتلني وأتوقع الأسوأ وأدعو الله أن يحفظكم وأن يسامحني، وأعلم أنكم تكرهونني فلا أقوى على طلبكم، يكفيني احتقاري لنفسي، لم أكن أتحمل أن أراه في عيونكم.
صوته أصبح أضعف:
– منذ ما يقرب من العامين أخيرًا علمت أخباركم، علمت أنكم تركتم حارة جهنم بعد عودة سعد من الخارج، وأنه أخذكم معه يومها إلى مكان مجهول، آخر عهد الحارة بكم كان نجاح ليلى في الثانوية، أخبرونى أن حسنًا وسالمًا عادا للإقامة في المنزل، وأن يوم عودة سعد كانت اليوم الأخير لظهوركم في الحارة.
قطع كلامه وعاد ليمسك رأسه من جديد بأيدي مهزوزة.
ليلى تناولت كوبًا من الماء وساعدته على شرب القليل منه، فنظر إليها بامتنان وقال:
– اسلمي من كل سوء يا ابنتى.
أخيرًا شعرت بأن لها أبًا بعد عشرين عامًا قضتهم في الحرمان، لأول مرة في حياتها يدعوها “يا ابنتي”.
أكمل مجددًا وهو يتحدث على عجل وكأنه يحارب ليختصر وقت حديثه:
– محمد بك أرهق كثيرًا حتى استطاع معرفة أن سعد السناري المليونير هو نفسه سعد فرج ولدي، أخبرني عنكم بالتفصيل، وأخيرًا اطمأننت عليكم وشعرت بالسعادة لأول مرة في حياتي لأنكم نجوتم من مستنقعي ومن دمي القذر، وانتقل إليكم دم عواطف النقي فقط.
أكمل وصوته يتلاشى:
– منذ قرابة الشهر محمد بك أحضر لي هذه الصورة، لشهور أسمع أخباركم فقط ولا أرى ملامحكم.
بعد عدة محاولات استطاع الوصول لتحت وسادته وأخرج صورة بالالوان من جريدة مشهورة، الصورة كانت من زفاف ليلى وكريم، الصورة العائلية ضمت أبناءه الأربعة بالإضافة لكريم وريم، وتحتها تعليق أنيق يقول:
“زفاف الرائد كريم علم الدين ابن اللواء محمود علم الدين رئيس مصلحة السجون وحفيد رستم خالد باشا على مهندسة الديكورالمشهورة ليلى السناري شقيقة رجل الأعمال سعد السناري ورجلي الأعمال حسن وسالم السناري، في حضور لفيف من الوزراء وصفوة من أبناء المجتمع”.
يومها شعرت بالفخر، أردت أن أصرخ وأقول للجميع أنكم أبنائي أنا، لكنني خشيت أن ألوِّثكم بانتسابكم إليَّ، فكتمت فخري داخلي، وجلست أتأمل هيئتكم الجديدة، شعرت بالحنين إليكم وتمنيت أن أضمكم، ثم علمت أن كريمًا قد انتقل إلى سجننا، فأدركت كم أنا حقير، كيف سيواجه الأمر عندما يعلم، راقبته منذ يوم وصوله وأدركت كم هو قوي ونظيف، لأول مرة أرى ضابطًا يعامل المساجين بحنان، هل تدركون أنه ناداني “يا والدي” ، لكنني تأكدت أنه لا يعلم أي شيء عني، وأن كلمة يا والدي كلمة عفوية من ضابط له قلب كبير، كلمته قتلتني ومزقت قلبي، بكيت بكاءً لم أبكِ مثله في حياتي وأنا أتذكر كلمته، كيف لكلمة أن تبدل حال إنسان؟ يومها دخلت زنزانتي وتمنيت الموت، في اليوم التالي اشتبكت مع المساجين في محاولة مني لدفعهم لقتلي لكنهم أدركوا وضعي الصحي، ولم يطاوعني أحد، فبدأت أضرب رأسي في الجدار كي أموت قبل أن يكتشف كريم حقيقتي، والمحزن أنه يومها نادني يا والدي مجددًا، لم أصدق عينيَّ عندما أتى لزيارتي هنا والاطمئنان على, وقتها اطمئننت أن ليلى حظيت بزوج رائع والحمد لله سأموت قريبًا وأنا سعيد لأنني تمكنت من لمسكم.
صوتة أصبح متقطعًا:
– سعد، الفتاة التي في الصورة تحبك جدًّا، نظراتها إليك واضحة.
حتى فرج شعر بنظرات ريم الواضحة التي كانت تنطق بالهوى.
صوته ضعف أكثر وأكثر:
– سامحوني جميعًا، اطلبوا من عواطف أن تسامحني، عواطف سامحينى عواطف، عواطف.
ابتسم أخيرًا وكأنه ارتاح من حمل كان يعذبه ثم أغلق عينيه وذهب في عالم آخر.
ليلى وحسن انهارا من البكاء مجددًا، سالم اتجه إليه وحاول إيقاظه، وسعد تحرك في اتجاه الطبيب.
***************
– لا توجد فائدة لوجودنا هنا حاليًّا، حسن… أوصِل ليلى إلى منزلها، وعُد فورًا، وأنت يا سالم… تعال معي، لدينا الكثير من العمل.
استنكرت بشدة:
– هل سنتركه هنا ونرحل يا سعد؟
– حبيبتي أنا لن أتركه هنا، أنا سأذهب لإحضار أمرٍ من الوزارة بنقله لمستشفًى خاص، حاليًّا لا توجد منه أي خطورة وأحتاج إلى مساعدة حسن وسالم ولن نتركك هنا وحيدة، أيضًا لا يُعقل أن يتفاجئ كريم برؤيتك هنا.
هو معه حق فسعد كعادته نحَّى المشاعر وبدأ في التفكير بطريقة عملية أذعنت وغادرت مع حسن الذي أصر على إيصالها حتى منزلها في سيارته.
– لن تقودي وأنت منهارة هكذا، سأتدبر أمرًا إحضار سيارتك فيما بعد.
الموقف الرهيب اخرسهم جميعا، كيف سيستطيعون الكلام مجددًا، أن يكون فرج تحول هكذا بالكامل لم يكن ليخطر لهم على بال، آه فقط لو كانوا تواصلوا معه من قبل، هو بنى الحاجز منذ البداية وهم لم يحاولوا إزالته أبدًا، بل أضافوا إليه المزيد من السُمك، حسن أنزلها أمام باب منزلها وأنطلق مسرعًا لتنفيذ أوامر سعد.
وهي تسللت للداخل، فلا رغبة لديها في رؤية أي مخلوق الآن، حتى ريم، صعدت لغرفتها وألقت بنفسها على السرير، كانت مستنزفة عاطفيًّا وجسديًّا.
*************
استيقظت فزعةً بعد مرور بعض الوقت على صوت إغلاق باب غرفتها بقوة غاشمة، وكأن قوة غلق الباب سوف تقتلع الجدار من مكانه، في لحظة واحدة كريم كان متواجدًا فوق رأسها ووجهه مغطى بالغضب البالغ، وعيناه ملتهبتان يتطاير منهما الشرر، كان أشبه بثور هائج في حلبة مصارعة يبحث عمن يطرحه أرضًا كي يرتوي بالدم، هجم عليها مباشرة وجرَّها إليه من شعرها بقوة بالغة كادت تقتلعه بعيدًا عن فروة رأسها، سألها بعيون نارية جمَّدت الدماء في عروقها.
– إلى أين ذهبتِ اليوم؟؟
“الوجه الآخر لكريم ظهر، وهي من أظهره بغبائها إذن فلتتحمل النتائج”. شعرت بالرعب، لا بدَّ وأنه علم بزيارتها للسجن، موقفه الآن يدل على ذلك:
– كريم هل علمت؟
إجابته كانت على هيئة صفعة عنيفة رجَّت جسدها كله، ولولا أنه يمسك بشعرها لكانت طارت عبر الغرفة.
ألقاها مجددًا على السرير وقال بتهديد مرعب:
– لو غادرتِ المنزل مجددًا يا ليلى سأقتلك، سترين كريم الحقيقي من اليوم.
عندما كان فرج يصفعها أو يصفع والدتها كانت تشعر بالإهانة تقتلها، أم صفعة كريم التي كدمت وجهها ومزقت شفتها السفلى لم تكن تهينها، كانت تطهرها، حاولت الكلام أو الشرح، أخرسها بصفعة أخرى كانت أشد ضراوة من الصفعة الأولى، وسببت لها الدوار من شدتها، العملاق سمح لقوته بالتحرر وفي أية لحظة سوف يسحقها بالكامل، نظر إليها باحتقار:
– ماذا تبررين؟ الخيانة والخداع؟
نظراته كانت تنذرها بقسوة عقابه القادم إذا ما تجرأت وفتحت فمها للكلام، كلامها كان يستفزه بشكل زائد، فيزيد في ضربها، ومع ذلك حاولت الكلام مجددًا، لكن كريم لم يصفعها مجددًا، بل جذبها من شعرها بقوة لتقف مجددًا على قدميها لتواجهه، نظر إليها مطولًا باحتقار ممزوج بالألم .. استشفت عذابه الخاص عندما نظر إلى جروح شفتها التى تسبب بها .. هل كان يحتقرها أم يحتقر نفسه لضربها.. سألها بعنف: – لماذا يا ليلى؟ لماذا ؟؟
وبدون أن ينتظر إجابتها غادر الغرفة بنفس طريقة دخوله الغاشمة.
على الرغم من آلامها الجسدية وضربه لها ولكنها شعرت بالارتياح، أخيرًا صفت روحها من إثمها الكبير وكريم علم كل شيء، هي تسامحه طالما لم يبعدها عنه، هذا هو ما لا تحتمله أبدًا، حمل ثقيل أُزيح عن كتفيها، على الأقل كريم لم يطردها من حياته، مازالت زوجته على الرغم من كل شيء، على الرغم من غضبه الهادر ولكنها تعشمت أن يهدأ مع مرور الوقت.
ثالث أسوأ يوم في حياتها، لكن فظاعة اليوم كانت مسؤوليتها بالكامل، فاليوم كان يوم دفع الثمن، وهي تقبلت سداد ما عليها من ديون للجميع، دينها لكريم وحتى دينها لفرج.
لم تدرِ كم انقضى من الوقت منذ مغادرته، ولكنها أفاقت على اتصال سعد:
– ليلى، نقلته إلى مستشفى الفتح.
أجابته وسط دموعها:
– كيف حاله؟ هل استرد وعيه؟
– مطلقًا لم يسترد وعيه أبدًا منذ رحيلنا، أنا أشعر بذنب هائل لولا زيارة صديقه لي بالأمس وإخباره لي عن حالته لما كنا استطعنا رؤيته قبل وفاته، أنا كنت قد قررت أن أبحث عنه، لكنني لا أدري متى كنت سأتجرأ وأنفذ.
– يا ليتنا سامحناه منذ زمن بعيد، الآن فات الأوان.
“الآن لا يحتمل عتابها هو أضعف ما يكون” أجابها بلوم:
– هذا يكفي يا ليلى أنا لا أتحمل، هل ستتمكنين من القدوم اليوم؟
تذكرت تهديد كريم، بالطبع لن تخبر سعدًا بتهديده وحبسه لها في المنزل، ارتعبت من فكرة مواجهتهما لأجلها، سعد لا يجب أن يعرف أبدًا أن كريم ضربها، كلاهما قوي ومرعب في غضبه والمواجهة الجسدية بينهما ستكون مدمره:
– لا يا سعد أنا متعبة ولن أستطيع.
ومن منهم ليس متعبًا أو مرهقًا أو مجروحًا؟ تفهم ألمها، ولم يلح عليها، كيف يطلب منها تحمل ما يتحمله هو بصعوبة على الرغم من فارق القوة بينهما:
– هذا أفضل، ارتاحي واستردي قوتك، سأخبرك بأي جديد.
أغلقت الهاتف، كانت تتمنى الذهاب لرؤيته مجددًا، عسى قضاء بعض الوقت بجواره يكفرعن إهمالهم له طوال سنوات، ما أبشع أن يكون الشخص سجينًا وحيدًا وبدون أهله، بدون زياره لسنوات، ويشعر أيضًا بالذنب، تمنت لو كانت علمت كم تغير، لكانت ذهبت لزيارته لم تكن لتتركه وحيدًا وخائفًا طوال تلك السنوات.
فعلًا هو تغير، راقب أحوالهم، احتفظ بصورتهم معه، علم كم أصبح سعد ثريًّا، ولم يحاول الاتصال به أو الاستفادة منه، لقد طلب رؤيتهم اليوم من أجل رؤيتهم فقط، لم يكن يريد أي مكسب سوى طلب غفرانهم، ولكنهم في الحقيقة هم المجبرون على طلب الغفران منه، فهم مذنبون حتى النخاع.
هو دفع ثمن جريمته بالكامل، فلماذا هم أيضًا حاكموه وجعلوه يدفع ذلك الثمن مضاعفًا؟
وضعها المتوتر مع زوجها منعها من الخروج مجددًا، وسعد ظن أنها تهرب، فضلت أن يعتقد سعد ذلك طالما ستتجنب مواجهةً أخرى مع كريم اليوم، ربما غدًا سوف يهدأ وتطلب منه الخروج.
اليوم مر بالكامل ولم يَعُد كريم إلى المنزل، لم تعد تتذكر متى آخر مرة تناولت فيها الطعام، لا شهية أبدًا لديها، موجات من الغثيان ضربتها مجددًا، غلبها القيء فاندفعت مباشرة نحو حمامها الخاص، قلة الطعام منذ أيام مع قيئها المتواصل سببًّا لها الدوران والشعور بالضعف.
رقدت على فراشها ولا قوة لديها للنهوض، بدأت في الشعور بخفقات قلبها المتزايدة وبعض العرق والرعشة الشديدة، ضباب كثيف بدأ في الزحف على عقلها.
باب غرفتها فتح و دخلت منه ريم وهي تحمل صينية عليها بعض الطعام،
وعندما شاهدت حالتها المزرية وضعت الصينية على عجل على الطاولة واتجهت إليها:
– ليلى حبيبتي، تحدثى إليَّ، أنتِ لم تأكلي منذ أيام، ستقتلين نفسك هكذا.
قاومت الدوران وحاولت النهوض لكنها فشلت:
– لا أستطيع، اتقيأ باستمرار ولا شهية لدي أبدًا.
ريم عادت لالتقاط الصينية ووضعتها بجوارها على الفراش، ساعدتها على النهوض برفق.
– من حسن حظك أن أمي وأبي ليسا هنا، سافرا إلى قريتنا أمس من أجل عزاء أحد أقاربنا، وإلا كانا سيبدأن بالتساؤل.
حبيبتي أحضرت لكِ حساء دافئ مع ليمون والخبز المحمص الذي تفضلينه، أنا اعلم أنك تفضلين تلك الوجبة، لاجلي اشربي القليل من الحساء.
حنان ريم أعاد البكاء لعينيها مجددًا:
– لا لا، لا تبكِ أرجوكِ يا ليلى، سأطعمك بنفسي، خذي القليل فقط، جيد ملعقة أخرى لأجل كريم.
أخيرًا توازنت قليلًا وبدأت في الشرب بنفسها، كم كانت تحتاج إلى الطعام.
– أنا سمعت مشاجرتك مع أخي، كان يصرخ بصوتٍ عالٍ، صدقينى لم أتعمد السمع لكنني حرصت على البقاء قريبة كي أتدخل إذا ما تأزمت الأمور أكثر، كي أحمي كريم من غضبه.
خفضت عينيها بأسف وألم:
– وعلمت أنه ضربك، كريم كان كالمجنون عند خروجه بعد مشاجرتكما، حاولت اللحاق به في الأسفل لكنه كان قد غادر المنزل كالإعصار الغاضب، ذهول الخدم أنبأني أن الأمر لم يكن مجرد غضب عادي، لكنه كان يشك بأمر ما، فقد استجوب السائق قبل صعوده إلى غرفتكما، وجن جنونه تمامًا وكاد يقتله عندما علم أنه لم يصحبك في خروجك اليوم وصفوه بوحش ثائر، وهذا بالتأكيد ليس وصف شقيقي.
أكملت شرب الحساء بصعوبة، قالت وهي تبكي في صمت:
– كريم علم الحقيقة عن أبي يا ريم، سعد طلب لقائي اليوم في مستشفى السجن لأن أبي حالته خطيرة ولم أستطع مقاومة رغبتي في رؤيته، وكريم علم عن زيارتي أيضًا فتحول إلى الوحش الذي وصفتيه منذ قليل، أنا استحق الصفعات التي وجهها كريم لوجهي، ولا ألومه أبدًا، لكن ما يؤلمني حقًّا أن يكون قد قرر نبذي عن حياته، مع أنني لا أستطيع لومه أيضًا إن فعل ذلك.
– كلامك يمس قلبي يا ليلى، اسأليني أنا عن ألم الحب لأحكى لكِ عنه مجلدات.
هل تشعرين بأنك أفضل؟ كوني مطيعة وتناولي الخبز المحمص، أنا حمصته لكِ بنفسي بالزبدة، فقط شريحة أخرى.
الطعام جعلها تشعر بحال أفضل جسديًّا، عقلها استطاع التركيز أخيرًا، ريم حملت الصينية استعدادًا لمغادرة الغرفة.
– ارتاحي الآن، عندما اتصلت بكريم بعد مغادرته أخبرنى أنه سيسافر هو أيضًا لتقديم واجب العزاء ولن يعود اليوم ..
إذًا لن يعود اليوم، ربما هذا أفضل لهما معًا، فغدًا يوم جديد عسى أن يحمل معه الخلاص ..
شعرت برغبة شديدة في النوم، قاومت تلك الرغبة وذهبت للحمام أخذت حمامًا سريعًا وتوضأت وخرجت، صلت وأفرغت كل ألمها وحزنها في السجود، “يا رب” ..
صعدت مجددًا للفراش واستغرقت في النوم عساها تهرب من واقعها الأليم.
