رواية حارة جهنم الفصل التاسع عشر 19 والاخير بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf

رواية حارة جهنم الفصل التاسع عشر 19 والاخير بقلم داليا الكومي
ولرب نازلة يضيق لها الفتى ….. ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ….. فرجت وكنت أظنها لا تفرج
الشافعي
حتى الأحزان لا تدوم وسيأتي وقت وتنقشع الغيوم وتصفى السماء بعد العواصف، فيخف صوت الأنين ومن يصبر ينل البشارة، سبحان من قا {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
كل ما يمرعلينا يصقلنا، حتى الأحزان تجعلنا أقوى وأنضج .. وبالحب نتجاوز الصعاب فالحياة بدونه صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء..
” عريس..؟”
نظرت إليه بدهشة ورددت ببلاهة ..
– عريس؟
ابتسم لها بحنان طاغٍ، أحاط كتفيها بذراعيه بحماية، وقال بنفس الغموض: – اصبري فقط لدقائق وستعلمين كل شيء، كالمسحورة صعدت معه وهي مذهوله كليًّا إلى قاعة فخمة صغيرة معدة لاستقبال احتفال فاخر ولكن خاص في الوقت نفسه، على طاولة دائرية في منتصف القاعة شاهدت مأذونًا يحضر سجلاته كأنه سوف يقوم بعقد قران، أما المفاجأة المذهلة كانت في اكتشافها لشخصية المدعوين، الحاضرين كانوا عائلة علم الدين بأكملها، بحثت عيناها في لهفة لعلها تجد كريمًا، أهم أفراد العائلة بالنسبة إليها ولكنها لم تره، شاهدت سعاد، محمود، سلمى وعائلتها، نزار السوري شريك سعد وزوجته الإيطالية الجميلة، اللذان كانت تعرفت إليهما في شهر عسلها، شاهدت شقيقاها في كامل أناقتهما فقط ريم وكريم لم تشاهدهما..
وجهت نظرة تساؤل مذهول إلى سعد ولكنه لم يجِبها وهو مازال يحتفظ بابتسامة الغموض التي تملأ وجهه..
وكأنه أشار لشخص ما يقف بجوار باب صغير ، ولتأكيد شكها ذلك الغريب اتجه إلى الباب وقال شيئًا ما جعل الباب يفُتح ولذهولها شاهدت ريم الملائكية ترتدي فستانَ زفاف أبيض أضاف إلى جمالها ورقتها مسحه من الخيال، وعلى رأسها طرحة من الستان الأبيض .. كانت أشبه بحورية من الجنة ..لكن المفاجأة الأكبر التي أفقدتها صوابها وجعلتها تشعر بانسحاب روحها كانت جلوس ريم على مقعد متحرك وكريم يدفعها برفق لداخل القاعة..
من شدة الصدمة هوت جالسه على أقرب مقعد استطاعت الوصول إليه، سعد شعر بدوارها فاتجه إليها على الفور، وسألها بقلق: – ليلى هل أنتِ بخير؟
هزت رأسها بالنفي وعجزت عن النطق، كيف يمكن أن تكون بخير وسط ذلك الكم الهائل من المفاجأت والتي لا يمكن استيعابها بسهولة؟ أرادت الصراخ من منظر ريم الجالسة على المقعد الكئيب، لكن وجه كريم الوسيم وازن من صدمتها وأعاد إليها الحياة، مازال كما هو يملأ حياتها وقلبها بحضوره المميز بمجرد النظر إليه تعود إليها الحياة وتبث فيها الروح، عيناها تعلقت بوجهه تدرس تعابيره علها تفهم .. همت بالاختباء تحت الطاولة كي لا تغضبه لكن لدهشتها لم يكن غاضبًا أبدًا …
ثم ليكمل طريقه حتى سعد الواقف بجوارها وهي مذهولة كليًّا وقال بندم واضح:
– الآن أسلمك شقيقتي كما سلمتني أنت شقيقتك، وأنا اعلم جيِّدًا أنك ستحافظ عليها، وستعاملها بطريقة أفضل من طريقة معاملتي لشقيقتك، لكني الآن أتوسل إليك أن تعطيني فرصة أخرى معها ولن أخذلها مجددًا..
بدون أي كلمة سعد أخذ يد ليلى المرتعشة ووضعها في يد كريم الذي أغلق عليها بقوة، قلبها كاد يتوقف من سرعة خفقانه المجنونة، لمسته أرسلت موجات من السعادة إليها افتقدتها لشهور ..
عندما دققت النظر في وجه كريم لتتأكد أنها لا تحلم، لاحظت كدمة منتفخه تحت عينه، رفعت يدها لتلمسها بحنان، أخذ يدها ورفعها لفمه وقبلها بشغف، قال بهيام:
– لا تخافي حبيبتي ستفهمين عما قريب، دعينا فقط نعقد القران وسأعود إليك لأخطفك من هنا ..
“واستلم أمانته الغالية” سعد استلم مقعد ريم بحنان بالغ، قادها برفق وأوصلها لطاولة والدتها المنهاره من البكاء، محمود أيضًا قاوم بكاءه ونهض بعد أن قبل وجنتي ابنته بحنان واتجه مع سعد للطاولة التي يجلس عليها المأذون ..
كريم أيضًا أوصل ليلى لنفس الطاولة وهو يتملك خصرها بذراعه القوي .. ذهولها المرتسم على وجهها جعل ريم تربت على كفها وتقول بتفاؤل وهي تبتسم بسعادة:
– استمتعى يا ليلى لقد كشفت الغمة، الحمد لله الأمور الآن بخير ..
يا الله! ريم القعيدة حاليًّا والجالسة على المقعد المتحرك هي من تطمئنها وتعطيها الأمل، أكملت بمرح:
– إياكِ أن تسمحي لدموعك التي أراها بالنزول، اليوم فرح فقط، الحزن ولت أيامه، هل تريدين إفساد زينة وجهك، وكريم يستلم باندا مكان زوجته الجميلة التي ينتظرها بشوق؟
ضحكت على الرغم من دموعها، روح ريم الرائعة طغت على المكان ملأته بهجةً وتفاؤلًا كعادتها، سلمت على حماتها ولاحظت كم تغيرت.. نظرات التكبر لديها تحولت لامتنان، لاحظت أيضًا أنها ارتدت حجابًا ووجها مليء بسعادة ممزوجة بحزن، حماتها أخذت يدها بلطف واحتوتها بين كفيها ..
– لقد افتقدناكِ يا ليلى، مبارك عليكما الحمل يا ابنتى، إن شاء الله ستكونين بخير وسيأتى حفيدي لينير أيامنا.. لا تعلمين كم أنتظره.. أحبه من قبل أن يولد.
أسعد أحلامها لم يكن ليقارن بواقعها الحالي، كل أمورها عولجت في لمح البصر، قرصت نفسها بقوة لتتأكد أنها لا تحلم، راقبت سعدًا وكريمًا، الموقف الآن تبدل سعد مكان كريم أمام المأذون، لكن في النهاية كلاهما رجل قوي ورائع، وخصوصا سعد الذي يعرف جيِّدًا كيف يحمي من يحب ،
عقد القران انتهى أخيرًا، الجميع ارتسم على وجوههم مظاهر السعادة الخالصة فيما عدا سلمى وعائلتها، نظرات الحقد التي وجهتها سلمى لليلى وخصوصًا إلى بطنها المنتفخة أخافتها جدًّا، وجعلت حتى حسن يلاحظ نظراتها المسمومة ويسألها بقلق عن السبب وراء تلك النظرات من قريبة لكريم من المفترض ان تكون سعيدة بزفاف ابنة خالتها.
الضيفة الوحيدة الغريبة كانت أقرب صديقه لريم “روان” ..
العروس الحالمة فضلت الزفاف المحدود نظرًا لظروفها الصحية الراهنة وربما لأنها لا يهمها أحد آخر بخلاف الموجودين بالفعل، ريم تعطيها المزيد من الدروس عن القناعة والإصرار، كانت تعلم جيِّدًا ماذا تريد، ولم تكن تريد غير سعد..
المصور بدأ في التقاط الصور لهم، كان يوثق مجددًا لحظات السعادة التي تتمنى أن تدوم إلى الأبد هذه المرة.
سعد قام بسند ريم وأخذها بين ذراعيه في حنان غامر كي تتمكن من الوقوف والمصور يستطيع التقاط صورة لها ولفستانها الجميل، وهي بين أحضان حبيبها وزوجها، أخيرًا نالت ما سعت إليه جاهده “حضن زوجها”.
انتهى التصوير أخيرًا، حملها سعد بين ذراعيه برقة بالغة واجلسها في “الكوشة” المخصصة لهما وأمر بإخفاء المقعد المتحرك ..
ريم الآن عروس، غاية في الجمال والسعادة، سعد يحيطها بذراعيه بحنان بحماية، كم هو فخور بحبها، كريم راقبهما بعينين دامعتين ثم اتجه لزوجته ومد لها ذراعه ..
والتي تعلقت بها بقوة، أخيرًا عاد إليها، نظر إلى بطنها المنتفخة بألم وقال: – لماذا لم تخبريني؟
أغمضت عينيها:
– كي لا تشعر أني أضغط عليك وأعيدك إليَّ رغما عنك.
ضحك بمرارة:
– هل تصدقينى إذا ما أخبرتك أننى اردت وقتها أي حجه كي أبقيكِ معي دون أن أضطر إلى التضحيه بكرامتي ورجولتي؟ أردت أية حجة تبقيكِ بقربي بدون أن أتمرمغ في التراب أكثر من ذلك
تسألت بدهشة شديدة:
– كرامتك، رجولتك؟ أنا لا أفهم، ما دخل كذبي عليك بخصوص أبي وكرامتك أو رجولتك، في الحقيقه إنه فقط يمس موقعك.
احتواها بين ذراعيه في حنان:
– أممم افتقدت رائحتك وحضنك تعالي معي وستفهمين كل شيء .
قادها بحنان واتجه بها إلى خارج القاعة، وعندما وصلا إلى الدرج المؤدي للطابق السفلي قال بحب:
– انتظريني هنا..
وهبط الدرج للطابق السفلي قفزًا وهو يبتسم، وهي انتظرت عودته حيث تركها، لن تتحرك خطوة بعد الآن بدون إذنه، فجأة فتح باب القاعة وخرجت منه سلمى والشرر يتطاير من عينيها ..
منظرها المخيف أرعبها بشدة فشعرت بالخوف، نظرات سلمى تركزت على بطنها المنتفخة مجددًا، بدون وعي منها وضعت يديها على بطنها في حركة حماية لجنينها ..
وتظاهرت بالهدوء فلن تجعلها تشعر برعبها:
– مرحبا يا سلمى، كيف حالك؟
اكملت طريقها بآلية، ومازالت نظراتها ترتكز على بطنها،
خوفها وصل لأقصى حد، أين أنت يا كريم؟
مع اقتراب سلمى منها شعورها بالخطر ارتفع إلى حد الاختناق .. قد لا تخاف المرأة من شيء، لكن حينما تحمل طفلًا في أحشائها تدافع عنه بكل قوتها .. قررت الذهاب للبحث عنه والاختفاء خلف حمايته، مع استدراتها السريعة تعثرت في ذيل فستانها الطويل وفقدت اتزانها، لم تتأكد إذا ما كانت سلمى دفعتها أم هي التي فقدت اتزانها من سرعة استدارتها ولكن النتيجة أنها اختل اتزانها ورأسها اصطدمت بالجدار بقوة وغابت تمامًا عن الوعي..
****
فتحت عينيها ببطء وضعت يدها على بطنها بذعر وصرخت، طفلي؟
ياله من شعور رائع بالأمان أن تستيقظ وكريم بجوارها … احتواها بين ذراعيه وطمأنها بلطف:
– اطمئني حبيبتي .. طبيب ولادة مقيم في الفندق عاينك مبدئيًّا وقال أنكما بخير، وسعد تدبر أمر إحضار فريق طبي مجهز للكشف عليكِ هنا فورًا في الجناح كي نتأكد، تحسس كدمة جبهتها البارزة وقال بعذاب :
– ماذا حدث يا عمري؟
أنتبهت إلى أنهما الآن في جناح شهر العسل، نفس الجناح الذي قضيا فيه أولى لياليهما كزوجين ..
أجابته بتردد: – أنا لا أعلم بالتحديد .
تجنبت ذكر سلمى، هي فعلًا غير متأكدة إن كانت قد دفعتها أم لا، فما الفائدة من إثارة المشاكل وخصوصًا بعدما عاشت للحظات ثمينة بدون أحقاد، ستأخذ حذرها منها في المستقبل وستفوض أمرها إلى الله ثم في النهاية أنها بخير وبعون الله جنينها أيضًا سيكون بخير، شعرت به ينتفض بداخلها وكأنه يطمئنها، أرادت أخيرًا أن تحقق أمنيتها التي تمنتها لشهور أن يشاركها كريم لفرحتها، دون تفكير تناولت كفه ووضعتها على بطنها المتحركة، فشهق بانبهار:
– ليلى، ليلى وكأنني شعرت بقدم ترتطم بيدي.
هزت رأسها بحبور، قبَّل كفها وقال بامتنان بالغ:
– شكرًا يا ليلى.
– لماذا تشكرني؟
– أشكرك على كل شيء، على جعلي أشعر بتلك اللحظة المميزة، بل على أنك دخلتِ حياتي، أو ربما أشكرك لأنك مازلتِ تحبيني على الرغم من كل ما فعلته لكِ..
– أنت لم تؤذيني مطلقًا يا كريم، بل على العكس حتى في غضبك كنت حليمًا معى، يكفيني أني ما زلت زوجتك إلى الآن، وفي الحقيقة أنا هي من يجب عليها شكرك لأنك صفحت عني، أنا مخطئة حتى النخاع لأني أخفيت عنك الماضي لكني كنت أخشى أن تتركني، لم يكن لدي أي دافع سوى حبك والرغبة في العيش بقربك، و ..
طرقات خفيفة على الباب قطعت كلامها:
– أمامنا العمر كله للتحدث، أما الآن فبالتأكيد الأجهزه التي طلبها سعد قد وصلت، طبع قبله حانية على جبينها المكدوم واتجه لفتح الباب, نادته بلطف قبل أن يفتحه:
– كريم لماذا نحن هنا؟
أجابها بخبث:
– لإعطائك شهر عسل حقيقي هذه المرة .. لأعوض غياب الشهور واستنشق رائحتك حتى أسكر، الحمد لله أنك بخير، أنتِ فقط صدمتِ رأسك بالجدار ومع ذلك أعطينا دقائق فقط نتأكد فيها أنك بخير تمامًا ومن ثم سأريكِ حبي غجريتي الغبية.
سوف يريها حبه وحنانه ويهبها الأمان .. وسوف يعوضها عن قسوته وهجره ..ألم تكتفِ من حقارة الرجال من قبل ومن تعنيفهم؟ إنه يفتح الآن باب الأمل، وليس باب الغرفة .. وبكل أمل فتح الباب للفريق الطبي، فغرت فاها من الدهشة كريم وسعد حولا غرفتها لمستشفًى صغير، طبيبة من مستشفى مجاورة للفندق قامت بعمل موجات صوتية للجنين واطمأنت عليه، طبيب آخر قام بفحص رأسها من أثر اصطدامها بالجدار ..
أخيرًا اطمأن كريم وسعد أيضًا الذي ترك زفافه ولازمها من شدة قلقه عليها:
– سعد اذهب إلى عروسك، لا يجوز تركها بمفردها، أنا بخير.
أجابها بتردد:
– هل أنت أكيدة؟؟
كريم هو من أجابه:
– بالتأكيد، أنا أريدها بمفردها من فضلك، وأنت اذهب إلى زوجتك، اذهب وإلا استدعيت ريم، فهي الوحيدة التي تستطيع السيطرة عليك ..
ابتسم لهما في حنان، ربت على كتف كريم بقوة وخرج وأغلق الباب.
سألته بفضول:
– هل لديك فكرة عمَّا حدث لي؟
هز رأسه بحيرة:
– لا، وأنتِ ألا تتذكرين مطلقا ماذا حدث؟ عندما حصلت على مفتاح هذا الجناح الذي كنت قد حجزته لنا وعدت وأنا أنوى أن احتجزك فيه بعض الوقت فوجئت بك ملقاة على الأرض وسلمى منحنية فوقك وعندما سألتها أخبرتني أنك استدرتِ بـسرعة وتعثرتِ في فستانك الطويل وصدمتِ رأسك بالجدار .. الحمد لله .. أنتما بخير.
هي فعليًّا بخير ولم تكن أفضل أبدًا في حياتها مثل الآن ..حمدت الله كثيرًا فجنينها بخير، والواقعة مرت بسلام ولم تترك سوى كدمة صغيرة تزين جبهتها, هي غير أكيدة من حقيقة ما حدث، لذلك لن تتهم سلمى ولكنها لم تستطيع أن تمحي الشك.
– حبيبتي هل تستطعين النهوض؟ إذا كنتِ تستطعين فتعالي نودع سعد وريم قبل سفرهما، هما سيرحلان قريبًا.
صرخت بدهشة:
– يسافران؟
– نعم، سعد حجز لريم في أفضل مركز في إنجلترا مختص بعلاج حالات شبيهة بحالتها، وقررا جعله شهر عسل وعلاج في الوقت نفسه ..
– ماذا حدث لريم؟
ضحك بحنان وقال:
– حبيبتي الفضولية، أنا كنت أعلم أنك لن تستطيعي الصبر إلى بعد رحيلهما، حسنًا سأعود إلى البداية وهما عليهما انتظارنا ..
جلست على الفراش وانتظرته ليكمل، جلس بجوارها واخذها بين ذراعيه بحنان.
– إلى البداية إذًا، حسنًا أنت تعلمين أن ريم تحب سعد منذ أن رأته، أنا أيضًا كنت أعلم ولكني كنت أكيدًا من أن سعد لا يتلاعب بها بل لا يلتفت إليها على الإطلاق، كنت أعتقد أنه يرانا أقل منكم ولذلك لم يلتفت إليها ويعاملها ببرود، لم أستطع لومه أو عتاب ريم فالحب من عند الله سبحانه وتعالى، وسعد على الأقل كان شهمًا ولم يستغل حبها أبدًا ..
بعد فراقنا كنت أشعر بغضب شديد، غضب مدمر، غضب من ضعفي الخاص لأسباب سأشرحها لك لاحقًا، سافرت فرنسا كحارس شخصي لأمير عربي، شركتنا ذاع صيتها في الحماية في الوطن العربي كله، كان في استطاعتي أن أرسل أيًّا من رجالي لكنني أردت الهروب إلى أبعد مكان، قدمت استقالتي وسافرت معه، منعت أهلي بصرامة من إخباري بأي خبر عنك، اتنقلت معه من دولة لدولة ومن شهر تقريبًا أبي اتصل يخبرني أن ريم تعرضت لحادث وأن حالتها خطيرة ..
بالطبع عدت على الفور وفي اليوم نفسه كنت بجوارها في المشفى .. كانت في غيبوبة تامة، ولا تشعر بأي أحد وحالتها خطيرة جدًّا بين الحياة والموت، كانت ترتدي الفستان الذي أحضرناه لها من روما وكان مغطى تمامًا بالدماء
طبعا أمي كانت منهارة، ابنتها الوحيدة تموت أمام عينيها، ريم قبل الحادث تركت ملاحظة تخبرهم فيها أنها تركت المنزل وستذهب لسعد ترجوه أن يتزوجها وإن وافق فسوف يتزوجا فورًا ..
طبعا اتهمته أمي أنه السبب، وفورًا تركت المشفى وهجمت على شركته وسألته عن ريم، في البداية لم يخبرني أي شيء ظنًّا منه أنه يحميها مني ويحفظ أسرارهما ولكن عندما علم عن حادثتها انهار مثل الأطفال وبدأ في البكاء، أخبرني أن ريم ذهبت إلى منزله في الصباح الباكر وطلبت منه أن يتزوجها وهو رفض وأخبرها أنه ليس حقيرًا ليتزوجها سرًّا ولا يمكن أن يعرضها لموقف مثل هذا، وأنه لن يأخذها إلا في النور بعدما يطمئن عليكِ ويصلح الأمور بيننا..
ربما اعتقدت أنه يرفضها مجددًا أو أنه يتعلل بنا، لكني علمت من الشهود على الحادث أنها كانت منهارة وتبكي وهي تقود سيارتي ثم اصدمت بحاجز الطريق وانقلبت بها السيارة عدة مرات، فعلًا حالتها كانت خطيرة والأمل في شفائها كان شبه معدوم، وعندما انتهى من إخباري تركني في شركته وهرع إليها كالمجنون وظل معها ليومين كاملين يتحدث إليها دون ملل ويخبرها عن حبه لها منذ أول لحظه لمحها فيها في حفل شركة المجوهرات، حتى فتحت عينيها أخيرًا واستيقظت من غيبوبتها بسبب كلامه الحاني إليها، تذكرت اختفاء سعد لعدة أيام منذ شهر وأخبرهم وقتها أنه في عمل خارج مصر.
– بعدما خرجت من غيبوبتها اكتشفنا أنها غير قادرة على الحركة، الأطباء احتاروا لأنه لا يوجد سبب واضح لعجزها عن الحركة، وأخبرونا عن مركز في إنجلترا لعلاج حالات مثل حالتها التي اعتبروها غامضة، ربما شلل ما بعد الصدمة، هكذا شخصوها مبدئيًا، ليلى انهارت من البكاء، مسكينة ريم ومسكين سعد، ربما قصة حبهما أعمق بكثير من حبها هي وكريم، قالت بألم:
– حبيبتي المسكينة.
أكمل بإعجاب واضح:
– سعد فورًا طلبها للزواج وقرر أن يذهبا إلى إنجلترا لعلاجها فور إتمام الإجراءات.
الأمور كانت على أشدها بين العائلتين، والداي لا يفهمان ماذا حدث بيننا أو لماذا ريم تركت المنزل وذهبت لسعد بتلك الطريقة، فريم عاقلة دائمًا ولم تكن طائشة يومًا لكن تمسكهما بالأمل جعلهما يؤجلان أسئلتهما ويوافقان على الزواج، فيكفي أنه أخرجها من غيبوبتها وسيتزوجها على الرغم من شللها، بل وسوف يعالجها في الخارج بميزانية مفتوحة كما وعد، ربما نحن أغنياء لكن ليس مثل سعد بأي حال من الأحوال أو لنا ربع نفوذه وأيضًا حب ريم الواضح له كان سيساعدها لتجاوز أزمتها، فحالتها النفسية كانت السبب الوحيد المعروف لشللها ..
فكرت بحزن، الجميع عانى وربما أكثر منها، ريم المسكينة تعرضت لحادث بشع بسبب حبها الميؤس منه لسعد، وسعد أشفق عليها من رؤيتها لكريم مجددًا وهو يكرهها وضحى لأجلها مجددًا.. استمعت في صمت إليه وهو يلخص معاناة شهر:
– تحدد ميعاد الزفاف ولم يذكر أحد علاقتنا أبدًا، حتى سعد نفسه تجنب ذكر اسمك، لكنني كنت أشعر بتوتره، فهو يريد إخبارك ولا يعرف كيف يخبرك، وأنا كنت أنتظر زفافهما حتى أستعيدك وأعاقبك .. حتى فقط من يومين تبدلت كل الأحوال، ريم كانت قد تحسنت بشكل كبير لكن سعد قرر مع الأطباء بقاءها في المشفى وأن تغادرها على الزفاف، ومنه على الطائرة الخاصة التي استأجرها وجهزها بممرضة لتقلهم إلى إنجلترا مباشرة بعد عقد القران، ربما قرر ذلك كي يتمكن من زيارتها بحرية، فهو لن يدخل أبدًا إلى المنزل الذي طردتِ أنتِ منه، فيكفيه شعوره بالذنب لوضع يده في يدى وهو يحتقرني بسبب ما فعلته لك، أما ريم فكانت سعيدة ولم ترد الذهاب إلى المنزل فيكفيها أن سعدًا إلى جوارها أخيرًا.
منذ يومين ذهبت لرؤيتها وسعد كان كعادته معها ويتمسك بيديها بحنان وملامح وجهه تفضح حبه الجارف لها، رغمًا عنى تعصبت ووجدتني أقول: – إلى متى ستظل مخلصًا لها؟ هل ستظل مخلصًا إلى الأبد أم ستكون حقيرًا مثل شقيقتك، فالحقارة في دمائكما؟
لمس الكدمة المنتفخة بجوار عينه:
– بالطبع عندما أهنتك سعد تحول إلى ثور هائج ولكمني بعنف، ولكنني أنا أيضًا أفرغت كل غضبي فيه بدلًا منك، ضربته الضرب الذي تمنيت أن أضربك إياه .. ولكن لحسن حظه لكماتي لم تعلم وإلا كان مشوهًا يوم زفافه، وبقت الذكرى في الصور للأبد، ربما كسرت له ضلع أو أكثر خلال عراكنا لكنه قوى كالجدار ولم يتأثر ..وريم بدأت في الصراخ بهستيرية عندما علمت أننا لن ننتهي إلا واحدنا ميت، وعلى صراخها انضم إلينا أمي وأبي اللذان استطاعا أخيرًا الفصل بيننا.
في وسط الكلام والسباب وصراخ ريم سمعتها تتهمني بالوضاعة .. قالت: “أنت قاسي وحقير ولا قلب لديك، ما ذنب ليلى إن كان والدها سجين؟ غلطتها الحقيقية أنها احبتك وعرفتك على حقيقتك وعلمت أنك خنزير وستتركها كما توقعت عندما تعلم أن والدها سجين، ولذلك أخفت الأمر عنك ورفضت نصحيتى كثيرًا ورفضت إخبارك بنفسها”.
أنا بالطبع صدمت، في السابق كنت قد سمعت ريم تطلب منك الاعتراف لي بالحقيقة، الشيطان صوَّر لي أنك تخونينني مع رجل آخر، كلامها الذي سمعته مع كلام وصلني أنك تختفين لوقت طويل بدون سائقك بل وتعودين في سيارة رجل غريب جنني تمامًا، الغيرة قتلتني وللأسف الشديد لم أستطع أن أبتعد عنك بل كنت أريدك أكثر وأكثر، ولن تتخيلي كيف قتل الشك كرامتي ورجولتي ودمرني ضعفي أمام حبك والرغبة فيكِ، كنت على استعداد لن أقول للصفح عنك فقط بل بقبول أي شيء تقدميه إليَّ، أي شيء تجودين عليَّ به، وكل ما استطعت فعله هو حبسك في المنزل كي تكوني تحت سلطتي، وتسافلت للغاية عندما ضربتك، ولكني كنت أموت من الشك، سامحيني أميرتي لقد ندمت على ضربك ندمًا يكفينى كي أعيش لباقي عمري وأنا أطلب منك المغفرة.
والآن أخشي ألا تسامحيني أبدًا لكن حبيبتي استمعى فقط إلى قلبي وستعلمين أننى صادق في ندمي، فأنا سأموت بين يديكِ الآن إذا ما قد كان فات الوقت على طلب المغفرة منك.
رفعت يداها مجددًا واحتوت وجه بين يديها:
– حبيبي
أسكتها مجددًا:
– رجاء ليلى، اسمعينى حتى أنتهي ..
في اللحظة التي أدركت فيها أنك اختفيتِ مجددًا على الرغم من منعي لك من الخروج، وأدركت أيضًا أني مستعد للركوع عند قدميكِ والتذلل لكِ كي تحبينني ولا تتركينني، احتقرت نفسي فكيف حولنى حبك لذلك الضعيف المثير للشفقة، وكان الخلاص الوحيد أمامي أن أطردك من حياتي وأتحرر من لعنتك، لكن حتى الطلاق لم أكن سأطلقك أبدًا، لن تعيشي يومًا وأنتِ لست زوجتي يا ليلى فحبك كان قد تسلل تحت جلدي، ولكن وجودك في حياتى سيكون اختياري أنا وأنا اخترت طردك من حياتي لا من قلبي .. مع كلامه صاحت بعدم فهم:
– كريم عندما خرجت تركت لك رسالة تشرح وضع أبي بالكامل ..كل ما أخفيته عنك كتبته في رسالتي.
هز رأسه بأسي : – للأسف يا ليلى دموعك محت الكلمات ولم تترك سوى جملة: “سامحني لأني وصمتك بالعار”.
وأخيرًا بكت من السعادة، هي أيضًا حبه قد تسلل تحت جلدها واحتلها بالكامل، دموعها الآن مختلفة عن أي دموع بكتها من قبل حتى كان لها طعم السكر لا الملح ..المأساة التي تعيشها منذ سنوات انتهت أخيرًا دفنت نفسها في صدره ودموعها بللت قميصه، ها هي الآن تتحول للباندا التي حدثتها عنها ريم، كريم أبعدها قليلا وجفف دموعها بحنان ..
– لم يخلق على وجه الأرض من يبكيكِ حبيبتي، هذه الدموع لن تغادر عيونك أبدًا بعد اليوم، أنا أعطيكِ كلمتي، ستكون دموع سعادة فقط.
– أنها دموع السعادة.
نظر مطولًا إلى عيونها الجميلة وعندما تأكد أنها تبكي من السعادة أكمل: – عندما صرخت ريم وقالت ما قالته صمت الجميع حتى أنا، فقط أبي تكلم على الفور وقال أنه يعرف عنكم كل شيء منذ البداية فهو تحري جيِّدًا عن سعد، وعندما لم يجد ما يشين سعد شخصيًّا أو يشينك تغاضى عن الموضوع، قال أن سعدًا رجل أعمال عصامي واسمه نظيف ومشهور بنظافة اليد وحسن الخلق، والأهم تأكد من أني احبك وأنه يؤمن بأن الإنسان محاسب على أفعاله هو فقط وأن الظروف التي تلوننا بالسواد لا يمكن أن نحاسب عليها مجددًا ألا يكفينا ما نلناه منها من أذى ..
شكوكها كانت في محلها حماها المحنك كان يعلم كل شيء بحكم منصبه الاستخبارات في دمه، تاريخ حارة جهنم الأسود لا يمكن أن يخفى عليه:
– أنا كنت أشك أنه يعلم لكني لم أجرؤ على سؤاله ..
عاتبها بلوم:
– لماذا يا حبيبة عمري أخفيتِ عني وجعلتيني أعيش في الجحيم؟ ألم أخبرك من قبل عن الذنب الوحيد الذي يمكن غفرانه، ليلى أنا كنت أعنى كل حرف نطقته يومها، ألم أثبت لك أني أحبك بما يكفي يا ليلى؟
– مطلقًا، المشكلة كانت بداخلي وحدى، تأنيب الضمير كان يقتلني، حساسية موقعك أرعبتني وأنا أعلم كم أنت فخور ..
أكمل بلوم أكبر:
– فخور بحبك فقط، ليلى حبك أهم من الدنيا كلها، أنتِ تجرين في دمي، أي عمل أو منصب كان سيهمني أكثر منك؟ ليلى أنا لن ادَّعى المثالية وأقول أنه أمرٌ عاديٌّ كونك ابنة سجين، ربما لو فعلتها أخرى لشطبتها ببساطة من حياتي وبحثت عن غيرها أما أنت فمختلفة .. أنت حب العمر كله، حب لمرة واحدة فقط في العمر ولن يتكرر أبدًا ..
لقد تركت عملي بدون ندم لمجرد أن أهرب من سيطرتك عليَّ، هل تعتقدين أنني كنت سأهتم له وأنتِ بقربي، وفي حضني؟
– كريم، لكنك أخبرتنى أن أنسى أنك تحدثت سابقًا عن ذنبٍ واحدٍ لا يمكن غفرانه، يومها ظننت أنك علمت عن أبي وأن هذا الذنب أيضًا لن تغفره.
أجابها بضعف صدمها:
– لا يا ليلى، أنا كنت أعنى أن حتى الذنب هذا سأغفره بشرط أن تبقي معي.
يا الله، كريم أحبها فعلًا، أحبها لدرجة استعداده للمغفرة على الرغم من شكه فيها، عاد إليها هذه المرة بدون حواجز، بدون أسرار مع جنين ينمو في أحشائها.. الحمد لله.
حتى سعد أخيرًا سمح لنفسه بالحياة والسعادة وكف عن معاقبة نفسه، هي كانت أكيده من أن الله سيقف معهم مجددًا وستشفى ريم، معجزة أخيرة تضاف للمعجزات السابقة، أضاف بارتياح واضح:
– الحمد لله لما آلت إليه الأمور، فحتى أمي تغيرت وغادرت برجها العاجي، فيكفيها أن تعلم مقدار حب سعد لريم لتحمله في عينيها، ولكن في الحقيقة، هي لم تتنازل كثيرًا، فاسم سعد السناري له مكانته في البلد، وأنتِ ليلى السناري أيضًا لك مكانتك واسمك، بالإضافة إلى حالة ريم الصحية وتمسك سعد بها، أنه فعلًا يحبها كما أحبك.
– وأنا أيضًا أحبك، ولو توجد كلمة تعبرعن الحب أكبر منها سأبحث عنها لأهديها لك.
ابتسم بخبث: – يوجد فعل، وأنا منتظر.
ضمها إليه مجددًا، الغمة كشفت أخيرًا والأمور الآن جيدة بشكل لا يصدق، ففرج توفي خارج أسوار السجن، ولم يعلم أحدٌ أبدًا عن ماضي سعد وليلى، ووالده لغى استقالته وبسلطته اعتبروا الشهور الماضية إجازة مرضية بدون راتب، هو لم يكن يكذب أو يتمارض، فالله وحده يعلم أنه كان ” فعلًا” مريضًا، مريض بالحب الذي لا شفاء منه، همس في أذنها بنبرة جعلتها تشعر بالوخز:
– منذ أن علمت الحقيقة وأنا أمنع نفسي عنك بصعوبة، كنت أخشى أن تكونى قد كرهتِني بعد معاملتي القاسية لك، أردت وقتًا لأفكر في الوسيلة التي أطلب بها غفرانك كي لا أقضي على آخر أمل، ربما يكون مازال موجودًا، لجأت إلى سعد، وعندما تأكد أنني أحبك فعلًا أخبرني عن حملك، كان شهمًا جدًّا، ولم يؤنبني، فهو أشفق عليَّ، فأنا كنت أؤنب نفسي بالنيابة عن الجميع، لكنه طلب منى أن أترك الأمر له وهو سيعالجه، صبرت يومين وأنا أتلوى في الجحيم، كنت أريد أن أحتجزك في شقتك لنفس عدد الشهور التي قضيتها بعيدًا عنك لأعوض ما فاتني من حب فيهم، سعد اقترح مفاجأتك في الزفاف، وأنا انتظرت بلهفة، وعندما وقعت عيني عليكِ ورأيت في عينيكِ نفس اللهفة الممزوجة بالخجل، والتي لم تتغير أبدًا، تأكدت أنك ستغفرين لي غبائي ..
ابتسمت في فرح هكذا هو سعد، المايسترو المسيطر والمنظم لكل حياتهم: – حبيبي أنت أيضًا اغفر لي غبائي، كنت أظن أن ابتعادى عنك لصالحك، ولذلك لم أتذلل لك لتبقيني بجانبك، نهرها بصرامة: – ملكتي لن تتذلل أبدًا، إنها فقط تشير كي أركع راضيًا تحت قدميها فأنا عبدًا أسيرًا لهواها، ليلى أنا أحبك بطريقة لن تفهميها أبدًا هل تعلمين؟ أنا معجب بسعد جدًّا وأحترمه، لكني سأخبرك بسرٍّ، أنا أغار عليك حتى من سعد، عيناها المتسعه بالصدمة جعلته يكمل:
– نعم أغار حتى الجنون من سعد وحسن وسالم، ليلى أنا أغار حتى من ملابسك التي تلمسك، فهل تستنكرين غيرتي حتى الجنون من أشقائك؟ قد تظنين أننى أبالغ لكن الغيرة نار تحرقني وتسبب لي ألمًا لا يُطاق، لكن الله لطف بي لأنه أعلم بحالتي، أنا مريض بحبك يا ليلى مرضًا لا يبرأ أبدًا، أجابته بهيام:
– إذًا فلنمرض سويًّا حتى نكون متعادلين على الأقل، هز رأسه بقوة: – لا يمكن أبدًا أن نكون متعادلين، انتظري وسترين كم أحبك وأخبريني عن رأيك بعد خمسين عامًا من الآن ، ألم أخبرك من قبل أننى أحب النهايات السعيدة، ونحن يا ليلى قدرنا نهاية سعيدة هل تعلمين لماذا؟
هزت رأسها بالنفي فأجابها: – لأني بدونك لا أستطيع الحياة، لقد افتقدتك كثيرًا وكنت أنوي حبسك هنا، فلربما تفهمين، لكن إصابة رأسك قضت على كل مخططاتي التي خططت لها لتعويض شهور الفراق ..
ابتسمت في خجل، حبيبها القوي الجامح عاد إليها بجراءته ووقاحته وجنونه وجموحه، بطلها المغوار سيحطم الحصون ويحررها من أسرها،
جذبها من يدها بلطف:
– تعالي نذهب لتوديع ريم وسعد وعندما نعود لا أريد سوى أن أضمك إلى الأبد.
*********
انتهى الزفاف أخيرًا بعد البوفيه الفاخر الذي أعقب الحفل، أخيرًا الجميع أكل بشهية بعد شهور، بل ربما سنوات من الحزن، كريم وسعد كانا أكثر من ملهوفين على إنهاء الليلة بسرعة.
رؤيتها لكريم وسعد يتحدثان ويبتسمان ملأت قلبها بالأمل، وهمست ريم إليها بصوت منخفض، جعلها تكاد تقفز من الفرحة: – ليلى سأخبرك سرًّا، لكن عديني ألا تخبري أحدًا حتى أخبر سعدًا بنفسي، ليلى أنا أستطيع المشي، أنا أتصنع العجز، هي فقط كانت وسيلة للضغط وحل المشاكل العالقة، سعد تزوجني، وأنت وكريم تصالحتما، وأمي الآن تراه بطلًا لأنه تزوجني على الرغم من عجزي بل ووعد بعلاجي، وأنا علمت أنني كنت على صواب في حبه، فهو تزوجنى على الرغم من شللي، هل يوجد حب أقوى من حبنا؟
إنه كان الحل الوحيد أمامي والحمد لله نجح بامتياز، أنا كنت يائسة ومكتئبة لشهور، لم أجرؤ على التحدث إليك، فأنا كنت أشعر بالخجل من موقف كريم، ماذا كنت سأخبرك؟ طبعًا لم أكن أتخيل غباء كريم وظنونة المجنونة وانتظرته يراجع نفسه ويعود، كنت فقط أظن أن الموضوع يتعلق بسجن والدك وعندما غلبني اشتياقي لسعد وقتلني شوقي إليه تركت المنزل عند الفجر وذهبت إليه طواعية متمنية أن يأخذني، وهو اعتقدني حلمًا، هل تصدقين؟ سعد اعتقد أنه يحلم عندما رآني في مكتبه حتى أنه سمح لنفسه وضمني إليه لكن عندما تأكد من أني حقيقية، رفض عرضي له وأخبرني أنه لن يقلل من شأني أبدًا، ولن يأخذنى إلا في النور كما أستحق، وأنا غادرت غاضبة، فهو نبذني بعد أن أذاقنى نعيم حضنه، وأنتِ تعلمين الباقي الحادث ثم ادعائي الشلل، وها هي نتيجة حيلتي الصغيرة. فجأة أطلقت ضحكة كبيرة:
– تخيلي حيلتي نجحت لدرجة أنني نهضت عندما بدء كل منهما في قتال الآخر ولم يلتفت أحد إلي وأكملا عراكهما القاتل، همس سعد لي وأنا في الغيبوبة وصلني وسمعته وخرجت منها لأجله، آه لو تعلمين ماذا كان يخبرني؟ كلامه لي لن أنساه أبدًا في حياتي، أنا أردت أن أخبرك لأني أعلم أنك رقيقة وحساسة للغاية ولم أرد أن أنغص عليكِ سعادتك اليوم، أنا أعتبرها ليلة زفافك أنتِ أيضًا، اخبري كريم أيضًا واحتفلا بحرية كما سنحتفل نحن أيضًا، أنتما تستحقان السعادة، جميعًا نستحق السعادة فنحن لا نحمل في قلوبنا إلا الخير.
ابتسمت لها في سعادة حقيقية وحضنتها برفق:
– وأنا لن أنسى مطلقًا ما فعلتِه لأجلنا أنا وسعد.
أجابتها بحب جارف:
– أنتِ نفسك يا ليلى ألا تشعرين بالحب، ألن تفعلي كل ما تستطيعين عمله لأجل من تحبين؟ ألن تفعلي المثل لأجلي ولأجل كريم؟ أنا أحب سعدًا وسأفعل لأجله أي شيء.
ظهر سعد فجأة وأخذها بين ذراعيه في حنان: – من المسكين الذي تقطعون فروته؟
الفتاتان انفجرتا في الضحك وقالتا في نفس واحد: – أنت.
ابتسم لريم في خبث وهمس لها بحب:
– قريبا سأجعلك تدفعين ثمن كلامك هذا؟ مستعدة للرحيل زوجتي؟ الطائرة تنتظر، يا الله زوجتي، أخيرًا قالها وفعلها، عاد ليكمل بلهجة خدرتها، همس في أذنها بصوت خافت سمعته هي فقط:
– اليوم يا ريم ستكونين لي بالكامل، سأدمغك بدمغتي حتى تظلي ملكي للأبد، بعد اليوم لن أسمح لكِ أن تتركيني أبدًا.
جميل هو الحب، راقبت بريق عيونه وهو يهمس لريم وابتسمت بسعادة ورضا، لكن عندما شعرت أنها على وشك الإغماء من كلامه أو الأسوأ أن تفر راكضه وتتناسى من الصدمة أنها تتصنع الشلل, تدخلت بلطف لإنقاذها من يديه:
– سأساعدها على إبدال ملابسها.
أمام نظراته المغتاظة، اصطحبتها للجناح المخصص لها من قبل حفلة الزفاف وهناك ريم حركت ساقيها بفرح ..
– أحيانًا أشعر بأني نسيت المشي، شكرًا لأنك جعلتيني أحرك ساقي قليلًا.
– اجهزي سريعًا، فسعد ينتظر على نار، شعرت أنه سيخنقني عندما خطفتك منه، كان يريد مساعدتك بنفسه.
ابتسمت بخجل:
– اشكرك مجددًا يا ليلى، إن شاء الله سأفاجئه عندما نصل إنجلترا، أريد أن أجعله يشعر بالسعادة.
حضنتها بقوة:
– انتبهي لسعد فهو يحبك جدًّا.
– أنتِ أيضًا أنتبهي لكريم، هو أيضًا يحبك جدًّا.
سعد!! أغمضت عيناها وتذكرت أسعد لحظات حياتها، كانت مستلقية في فراشها في المشفى تبكى في ألم، بالفعل تأكدت من حب سعد لها، لكن ما زال زواج كريم وليلى المنهار يقف حائلًا دون سعادتها الكاملة، زفافها بعد يومين لكن الأمور متوترة لدرجة أن سعدًا يخشي أن يخبر ليلى عنها كي لا يفتح جراحها، كيف ستتصرف ليلى إذا ما قابلت كريم صدفة، دخل إلى غرفتها التي كان يلازمها طوال الوقت، فقط كان يغادر للتحدث في الهاتف أو لتغيير ملابسه في الغرفة التي حجزها لنفسه طوال مدة إقامتها في المستشفى، عندما رآها تبكي احتوى كفها الصغير في كفه بحنان: – صغيرتى، لا تخافي، أنا لن أتركك أبدًا، أنا أحبك يا ريم، أحبك بكل ما تحمل الكلمة من معنى، أنت جزء منى، أحب ضعفك وأحب قوتك، وأعشق سيطرتك عليَّ، سيدتي القويه لن تبكي الآن، وإلا دمرت العالم أمام عينيك، ستشفين بإذن الله، حبي لكِ سيشفيكِ، حتى وإن لم تستطيعي المشي مجددًا أعدك أنكِ لن تشعري بأي فارق وأنت لا تعلمي ما يعنيه الوعد بالنسبة إليَّ،
يا الله أخيرًا سمعت منه الكلمات التي عاشت لشهور تتمنى سماعها، وقبل أن تجيبه بأي رد، كريم دخل إلى غرفتها كالإعصار وبدأ في إهانة ليلى بغباء، لولا الكلمات القاسية التي نطقها كريم في حق ليلى لظل يعتقد أنها تخونه.
************
وتفتحت زهور الحب أخيرًا بعدما روت بدموع الفرح، واصطحبها كريم مجددًا لجناح شهر العسل بعد مغادرة سعد وريم للمطار في طريقهما لحياة جديده سعيدة إن شاء الله.
– كريم أحمل إليك مفاجأه سعيدة جدًّا جدًّا جدًّا.
“مفاجأة سعيدة أخرى؟” رد في تعجب:
– هل من المعقول أن توجد سعادة أكثر من ذلك؟
هزت رأسها بتأكيد:
– نعم، المفاجأة التي أخبرتنى بها ريم، مفاجأة من العيار الثقيل ولا يعلم أي أحد عنها حتى سعد نفسه، ابتسمت بشقاوة وهي تخبره:
– أخبرتني أنها تستطيع المشي وتتصنع العجز كي تجبر سعد على الزواج ..
الفرح أيضًا يبكي، عيناه دمعت من الفرح ثم انفجر في الضحك وقال بسرور:
– الجنية العبقرية، كيف أتتها تلك الفكرة؟
إنها السعادة الخالصة الآن، ريم معافاة وحبيبته بريئة من ظنونه التي كانت تقتله، لكن يتبقى أمرًا واحدًا وبعدها يغلقون صفحة الماضي إلى الأبد، تنحنح في حرج ثم أكمل:
– ليلى آخر شيء يجب عليكِ معرفته، “سلمى”، لا أريد المزيد من الأسرار ” لماذا الحديث عنها الآن؟” حاولت إيقافه فهي علمت الآن ما يكفيها، يكفيها أنه يحبها هي، لكنه أصر:
– اليوم سلمى حاولت آخر محاولة قبل الزفاف، حاولت أن تقلل من شأنك وأخبرتني عن المخبر الخاص الذي أجَّرته والذي بصعوبة تمكن من معرفة صلتكم بفرج، علم
الفصل التاسع عشر ج2 والاخير.
– اليوم سلمى حاولت آخر محاولة قبل الزفاف، حاولت أن تقلل من شأنك وأخبرتني عن المخبر الخاص الذي أجَّرته والذي بصعوبة تمكن من معرفة صلتكم بفرج، علم بصعوبة لأن سعدًا كان يخفي الأمر جيدًا، لكن عندما علمت أننا جميعًا نعلم أظن أنها أدركت أنه لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع التفرقة بيننا، هي تتحول لتصبح خطيرة، ولذلك يجب أن تعلمي كل شيء اتقاءً لشرها، أما ما حدث في غرفتي فــ .. حاولت منعه من الكلام, قاطعته:
– كريم لا أريد أن أعلم، هزَّ رأسه ورفض اقتراحها:
– لا مزيد من الأسرار، نحن كالكيان الواحد، ألم تري نتيجه الأسرار، افترقنا بسببها لخمس شهور كالجحيم، في كلمات موجزة أخبرها بما حدث في غرفته، ثم أكمل بعتاب:
– آه يا ليلى لو فقط كنتِ وثقتِ في حبي لكِ؟ كيف لم تعلمي أنك تجرين في دمائي، وأني لم أكن لأحاسبك مطلقًا على شيء لم يكن لكِ أي ذنب فيه؟ ألم تعلمي أن بُعدك عني يجعلني جثةً بلا روح، إني أتنفس عشقك.
“إذًا أرِنِي حبيبي” بدأت في خلع ملابسها، أغمض عينيه وحاول إيقافها: – ليلى، ارحميني، أنا أفتقدك كثيرًا، وأريدك بصورة لن تتخيلها، لكني أخاف أن أؤذيكِ، سأنتظر حتى أطمئن عليكِ حيببتي، ارتدي ملابسك، فأنا أسيطر على نفسي بصعوبة.
تجاهلت كلامه وأكملت خلع ملابسها حتى أصبحت ترتدي فقط سلسلتها الماسية التي أهداها إياها، والتي لم تخلعها من عنقها يومًا..
عندما اصطدمت نظراته بالسلسلة قال بفرح غامر:
– ليلى السلسلة، أنتِ مازلتِ ترتدينها، لم تخلعيها على الرغم من فراقنا؟
هزت رأسها بالإيجاب:
– لم أخلعها ولو لثانية واحدة منذ أن وضعتها أنت في عنقي. “الآن حبك لعنة لذيذة” نظر إليها بحرمان شديد، كلمات قصيدة نزار قباني يتردد في أذنيه.
كم صار رقيقًا قلبي حين تعلم بين يديكِ
كم كان كبيرًا حظي حين عثرت يا عمري عليك
يا نارًا تجتاح كياني .. يا فرحًا يطرد أحزاني
يا جسدًا يقطع مثل السيف ويضرب مثل البركان
يا وجهًا يعبق مثل حقول الورد ويركض نحوي كحصان
قولي لي كيف سأنقذ نفسي من أشواقي وأحزاني؟!
قولي لي ماذا أفعل فيكِ؟! .. أنا في حالة إدمان
قولي ما الحل؟! .. فأشواقي وصلت لحدود الهذيان
قاتلتي ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني
من أين أتيت؟
وكيف أتيت؟
وكيف عصفت بوجداني؟!
أخيرًا استسلم:
– ليلى أنا لن أستطيع السيطرة على نفسي أكثر من ذلك تحت نظراته المشتعله قالت بإغراء:
– ولماذا تسيطرعلى نفسك؟ أنا أيضًا أريد تعويض غياب خمسة أشهر طويلة.
تمت بحمد الله
