Uncategorized

رواية الوكر الفصل الثالث 3 بقلم مريم محمد – تحميل الرواية pdf


                                              

السلام عليكم يا حبايبي، الفصل الثالث من رواية الوكر، متنسوش الڤوت ورأيكم في الفصل ♡♡♡.

+

“‏وددت أن أعود طفلة،

لأن الرُكب المخدوشة،

تلتئم أسرع من القلوب المنكسرة.”

+

– كلاريس ليسبكتور.

_____________________________________________

جلست دارين أمام معتز في المطعم، تراقبه وهو يحرك كوب العصير أمامه بلا اهتمام، رغم أنه لم يكن اللقاء الأول بينهما، إلا أن الطريقة التي يتحدث بها تشعرها وكأنها تعرفه منذ زمن، لديه حضور قوي وكاريزما تجذب الانتباه، لكنها لم تكن من النوع الذي ينجرف بسهولة وراء شخص لم تعرف عنه الكثير بعد.

+

“يا سُهاد، إنتِ عارفة إنكِ بتحبي تعاندي؟” قالها معتز وهو يميل برأسه قليلًا، ناظرًا إليها بنظرة ماكرة.

رفعت حاجبها مستنكرة:

مين سُهاد إللي بتقول عليها دي؟

ضحك وهو يتكئ على الطاولة ويسند وجهه على كفيه: 

إنتِ.

+

زفرت بضيق مصطنع:

وإنتَ جبت الإسم ده منين؟

أمال رأسه قليلًا وكأنه يتأملها بابتسامة جذابة تناسب ملامحه الرجولية: 

هو إنتِ فاهمة يعني إيه سُهاد؟

+

أبتسمت بسخرية وهي تسند ذقنها على يدها: 

فهمني إنت .

أطلق ضحكة قصيرة، ثم مال للخلف وهو ينظر إليها نظرة ذات مغزى: 

يبقى مش مهم تعرفي معناها.

+

لم تفهم تحديدًا إن كان يقصدها بمديح أم مجرد وصف محايد، لكنها لم تهتم ما يهمها الآن هو شيء آخر تمامًا.

أعتدلت في جلستها ونظرت له بجدية:

أستاذ معتز، عايزة أروح شقة القتيلة.

+

ضيّق عينيه بإستغراب ثم سأل مستفسرًا: 

إشمعنا؟

مالت للأمام قليلًا وسألته بهدوء: 

معاك فيديو المراقبة بتاع اليوم إللي أتقتلت فيه ضُحى؟

أومأ لها بهدوء يحسد عليه، منتظرًا حديثها التالي، حتى قالت بثقة: 

افتحه.

+

ألقى عليها نظرة مستغربة، ثم أخرج هاتفه وفتح الفيديو، بدأ في مشاهدته بتركيز، حيث ظهرت ضُحى وهي تصعد إلى شقتها وحدها، ثم بعدها صعد “علي”، الشاب الذي كُلفت دارين بإثبات براءته، بعد نصف ساعة، صعد شاب آخر يُدعى “كرم”، وبعد مرور ساعتين، هبط “علي” والقلق واضح على جسده، وبعده بساعة نزل “كرم” بحالة مشابهة.

+

نظر معتز إليها مستفهمًا:

ماله؟ مش فاهم.

أبتسمت إبتسامة خبيثة، ثم اتكأت للخلف وقالت بثقة:

ركز في شكل علي وهو طالع… وهو نازل.

+

                

أعاد الفيديو مرة أخرى، وعندما انتهى منه، رفع عينيه إليها بابتسامة معجبة قائلاً:

لا، ذكية، عندك قوة ملاحظة ما شاء الله!

كادت تبتسم بفخر، لكنه أكمل بلا مبالاة:

بس مفهمتش حاجة برضو، ماله؟

أنفجرت في الضحك حتى أدمعت عيناها، ثم سألته بين ضحكاتها:

أومال إنت لاحظت إيه؟

+

ابتسم وهو يراقب ضحكتها، ثم قال بلا وعي وعلى وجهه نفس الابتسامة البلهاء: 

ضحكتك حلوة.

شعرت بالخجل قليلًا، فختمت قهقهاتها قائلة بجدية مصطنعة: 

ركز يا معتز، هتلاقي علي كان طالع وشعره straight، وهو نازل كان شعره curly، فأنا عاوزة أعرف… شقة ضُحى فيها مكواة ولا لأ؟ ده هيكون دليل قوي إنه مكنش عندها أصلاً، وكان عند شمس!

+

أرتشف معتز رشفة من عصيره وهو يتأملها بإبتسامة خفية، ثم تمتم بصوت هادئ: 

عيوني، هوديكي… بس اشربي العصير يا سُهاد.

+

توقفت للحظة عند اسم “سُهاد”، لكنها لم تعترض عليه هذه المرة، بل على العكس، بدا لطيفًا نوعًا ما، رفعت كوب العصير إلى شفتيها وارتشفت منه، بينما التقت عيناها بعينيه في صمت، وكأن أرواحهما تتعارف للمرة الأولى.

+

بعد قليل من الوقت، كانت دارين تسير بجانب معتز داخل الحارة، تنظر حولها باستغراب إلى العمال وسكان المنطقة، والرجال المتواجدين في كل مكان ويحملون أسلحة وكأنهم في حرب، هذه أول مرة تهبط بها إلى منطقة شعبية بهذا الشكل، لكن ما أثار دهشتها أكثر هو إحترام الجميع لمعتز، وتحيتهم المتكررة له:

محتاج حاجة يا معلم معتز؟

توقفت قليلًا عند اللقب… “معلم”؟

+

راقبت الموقف في صمت، بينما كان هو لا يتوقف عن إلقاء تعليقاته الساخرة والمضحكة، مما جعلها تضحك بشدة أحيانًا رغم محاولتها التماسك، ولكن وسط هذا المرح، لم تستطع تجاهل الجانب الآخر منه، ذلك الجانب القوي، الغامض، صاحب الكاريزما التي تجعل حضوره طاغيًا.

+

قطع شرودها عندما التفت إليها بإبتسامة متلاعبة وقال:

أنا معلم الحارة دي، وموجود فيها علطول، لو أحتجتي حاجة، هتلاقيني قاعد في المحل، هوريهولك دلوقتي.

+

أومأت برأسها بلا مبالاة، لكنها قالت داخلها بسخرية:

لية ممكن أحتاجه؟ دي مجرد قضية وهتخلص!

لكنها لم تكن تعلم أن هذه القضية لن تكون مجرد قضية، بل بداية لأحداث كبرى أخرى.

+

أشار على محل كبير في منتصف الحارة وقال بتعريف:

المحل ده بتاعي، ده إللي بقعد فيه علطول وشغال فيه.

سألته بإستغراب:

أنت ميكانيكي؟

أوما لها بلا إهتمام وهو يكمل حديثة:

والعمارة دي بتاعتي، فيها عيلتي وأختي.

+

        

          

                

ضيّقت عينيها باستغراب وسألته:

عندك إخوات؟

أومأ برأسه مجيبًا:

إحنا أربعة، أخويا الكبير متجوز وعايش في كندا، وأنا التاني، وأختي التالتة أتجوزت ومشيت، ومبقاش غيري أنا والكتكوتة الصغيرة في الحضانة.

+

أبتسمت دارين بإعجاب وقالت بلطف:

ما شاء الله، ربنا يخلي الكتكوتة.

+

مرت لحظات، ثم وجدت نفسها تقف وسط شقة ضُحى، تبحث بعينيها عن أي مكواة شعر، لكنها لم تجد شيئًا، أبتسمت بارتياح قبل أن تقول بحماس:

ممكن ننزل بقى شقة شمس، أشوف فيها المكواة؟

+

أومأ لها موافقًا، ثم أشار بيده لتتقدمه نحو الدرج، نزلت معه إلى الطابق السفلي حيث شقة شمس، وما إن دخلت غرفة النوم، وجدت المكواة على الفراش أبتسمت بإمتنان وهي تلقي أنظارها له وتردف:

كدة مسكنا أول دليل لبرأته.

+

بعد قليل…

+

كانت دارين تسير بجوار معتز في الحارة بعد خروجهم من شقة شمس، لكنها لاحظت أن خطواته أبطأت قليلًا وهو ينظر باتجاه مجموعة أطفال يلعبون في زاوية الشارع، فجأة، علت وجهه إبتسامة واسعة وهو ينادي بصوت دافئ:

تعالي يا نغم!

+

أستدارت طفلة صغيرة، لا يزيد عمرها عن ست سنوات، بشعرها الأسود المجدول بعناية، وعينيها الواسعتين الممتلئتين بالبراءة، ما إن رأت معتز حتى ركضت نحوه بسعادة، وهي تصيح:

معتز!

+

حملها بين ذراعيه بسهولة، وجعلها تجلس على ساعده بينما هو يرفعها لأعلى قليلًا فتضحك بسعادة، دارين وقفت تراقب المشهد بدهشة، لم تتخيله من النوع الذي يجيد التعامل مع الأطفال، لكن الطريقة التي احتضن بها أخته الصغيرة كانت مليئة بالدفء الحقيقي، قال بصوت حنون:

كنتِ فين يا بت؟ مش قلتلك متلعبيش بعيد عن باب العمارة؟

+

قالها معتز بلهجة تأنيب خفيفة، بينما الطفلة تبتسم بعفوية وتردّ بمرح:

كنت بلعب شوية بس، مش هبعد تاني، وبعدين أنا كنت نازلة ليك وملقتكش.

ضحك معتز وهز رأسه، ثم نظر لدارين قائلاً بنبرة مسرحية:

شايفة؟ بتضحك عليا بالكلام!

+

ضحكت دارين وهي تهز كتفيها:

طفلة ذكية جدًا، عارفة إزاي تاخد إللي عايزاه.

نظر معتز لأخته بضحك، ثم عاد بإنظارة نحو الواقفة بجانبة وقال بإصرار:

طالما جيتي الحارة يبقى لازم تتغدي عشان تبقي في المستقبل المحامية الخاصة بتاعت العيلة.

+

حركت رأسها بنفي سريع وهي تحاول أن تغادر الحارة، ولكن مع أصرارة الشديد وإصرار الطفلة الصغيرة وافقت بقلة حيلة، بينا الطفلة ووضعت يدها الصغيرة في يده الكبيرة، تبعتهما دارين بصمت وهي تشعر بإحساس غريب… شيء أشبه بالدفء، لكنه مشوب بالحزن، توقف عقلها للحظات عند رؤيتها للرجال الذين حول المنزل وبإيديهم أسلحة كبيرة، يقفون كالصنم، ضاقت عيناها وهي تنظر إلي الأسلحة التي تملئ المكان بأستغراب شديد، لما يحدث.

+

        

          

                

دخلت دارين شقة معتز خلفه، لتنبهر من جمال المنزل ليس كتلك المنازل آلتي في المناطق الشعبية، كان يتكون من ثلاث طوابق ودرج حلزوني فاخر يؤدي للأعلى، كان الطابق الأول،

يضم غرفة معيشة واسعة بأثاث فخم وألوان دافئة، مع نوافذ كبيرة تُطل على حديقة خارجية صغيرة، بجوارها غرفة طعام مصممة بأناقة، تتصل بها دورة مياه للضيوف بتصميم عصري، بالإضافة إلى غرفة مكتب كبيرة تضم رفوفًا مليئة بالكتب ومكتبًا خشبيًا فخمًا.

+

بينما الطابق الثاني يتكون من خمس غرف نوم، لكل منها شرفة خاصة، والطابق الثالث

عبارة عن جناح كامل، يضم غرفة معيشة خاصة بتصميم أنيق، وغرفة أطفال مجهزة بأثاث مريح وألوان زاهية، كما يحتوي الطابق على غرف للنوم ومساحة متكاملة تضم صالة ألعاب رياضية مجهزة بأحدث المعدات، وغرفة للمطبخ وغيرة، كان أثاث كامل ما يوفر بيئة مثالية للراحة والترفيه.

+

ظهرت امرأة خمسينية، بملامح هادئة، كانت تجلس على الكنبة في غرفة المعيشة، وما إن رأت الطفلة حتى فتحت ذراعيها بحنان:

نورتي البيت يا روحي، كنتِ بتلعبي مع العيال تاني، صح؟

+

ركضت الطفلة نحوها واحتضنتها بحب، بينما وقف معتز قائلاً لدارين بابتسامة هادئة:

دي دادا زينب، ست الكل، وهي إللي شايلة البيت على دماغها.

+

أبتسمت دارين لها بأدب، بينما نظرت زينب لمعتز قائلة:

الغدا سخن على البوتاجاز، أجيبلكم الأكل؟

+

أوما لها ثم جلس على الأريكة، بينما دارين جلست بجواره، تراقب أخته الصغيرة وهي تلعب بطرف الطرحة التي ترتديها دادا زينب.

+

مالت نحو معتز وهمست بصوت خافت:

والدك مش هنا ؟

نفى برأسه وهو يجاوب بصوت هامس مماثل، ولكنه ساخر عليها:

لا مش هنا هيجي بليل.

نظرت له بغيظ على محاولة تقليد طريقتها والسخرية تملئ وجهها،

نظرت لصورة كبير معلقة على الحائط وسألت بإستغراب:

هيا دي مامتك، شبهك أوي.

+

لأول مرة، ترى نظرات حزن بسيطة في عيناه وهو يلقي نظرة على هذة الصورة، ولكن قالت الصغيرة مقاطعة الحديث بحماس:

دي ماما، راحت عند ربنا بس دايما معتز بيقولي أني شبها.

+

أبتسمت بإحراج لإظهار الحزن على ملامح وجهة بسببها، حاولت تلطيف الأجواء بصوتها الحماسي المتصنع:

معتز قالي أنك مبتعرفيش تأكلي لوحدك.

أنتفضت الطفلة بسرعة وهي تصيح بغضب طفولي:

كذاب! أنا باكل لوحدي!

+

ضحك معتز وهو ينظر لدارين بتحدٍ:

شايفة؟ بتتكلم عني إزاي، وبتكلم كأنها شخص كبير، وبتكذبني عيني عينك!

+

        

          

                

دارين ضحكت بدورها، وهي ترى الطفلة تجلس في حضنه وتضع ذراعيها على صدره بإصرار، قائلة بجدية مصطنعة:

“نا كبيرة، وأكل لوحدي! أنت بس بتحب تضحك على الناس!

+

رفع معتز حاجبه وهو يقول بمرح:

طب لو أنتي كبيرة، إشرحيلي يعني إيه سهاد؟

عقدت دارين ذراعيها ونظرت له بحدة، بينما الطفلة سألت بحيرة:

سهاد؟ إيه ده؟

ضحك معتز، وأشار لدارين قائلاً:

هي سهاد!

ضحكت الطفلة وهي تنظر لدارين قائلة:

أسمك سهاد؟

+

أجابت دارين بضحكة وهي تهز رأسها:

لا يا نغومة، ده لقب غريب أخترعه معتز وقرر إنه يناديني بيه!

هُنا، ضحكت الطفلة بشدة وقالت ببراءة:

أنا كمان هقولك يا سهاد!

نظر معتز لدارين بغرور وقال:

شوفتِ؟ حتى الأطفال بيصدقوا كلامي!

هزّت دارين رأسها بيأس، لكنها لم تستطع إنكار شيء واحد… هذا الجو كان دافئًا، بطريقة لم تعهدها منذ فترة طويلة جدًا، اليوم الثاني لرؤيتها له، لكنه يتعامل معها كأنه يعلمها منذ زمن، مما جعلها تتعامل معه بنفس الطريقة.

____________________________________________

+

أمام العمارة

+

وقف إليان ورزان أمام المبنى الذي كانت تسكن فيه المرأة الجارة، يراقبان واجهته القديمة بحثًا عن أي مؤشر قد يساعدهما، كان الشارع هادئًا، إلا من بعض المارة القليلين، وبينما كانا يستعدان لدخول العمارة، أعترض طريقهما رجل يبدو في منتصف الخمسينات من عمره، بجسد ممتلئ وملامح حادة، تتجلى في تجاعيد وجهه، كان يرتدي جلبابًا رماديًا وطاقية بيضاء، ونظر إليهما بريبة قبل أن يسأل بصوته الأجش:

طالعين لمين يا باشا؟

+

التفت إليه إليان، متفاجئًا من لهجته الثقيلة، ثم أجابه بجدية:

نحن صاعدين إلى السيدة عائشة.

قطّب الرجل حاجبيه وهو ينظر إليهما بشك، مراقبًا ملامحهما الغريبة ولهجتهما غير المألوفة، قبل أن يعيد السؤال بنبرة أكثر استنكارًا:

بتقول إيه يا بشمهندس؟

+

تقدمت رزان خطوة إلى الأمام، محاولة تهدئة الموقف بإبتسامة صغيرة وهي تقول بلباقة:

معلش يا حاج، هو مش من هنا. كنا بندور على واحدة اسمها عائشة سيد، كانت ساكنة هنا.

+

تأملها الرجل للحظات قبل أن يهز رأسه بتفهم، وأجاب بلهجة خالية من الاهتمام:

آه، عائشة؟ عزلت من هنا من فترة.

+

ارتسمت خيبة الأمل على وجه رزان، وسألته بسرعة:

من إمتى؟

_من أسبوعين بس.

+

        

          

                

مررت يدها على عنقها بضيق، محاولة استجماع أفكارها، ثم سألته بأمل أخير:

متعرفش راحت فين؟

حرك رأسه نفيًا، كمن يقطع عليها آخر خيط من الأمل، وقال بأسف:

لا والله، بس صاحب العمارة هو إللي يعرف، لكنه سافر الشرقية.

+

أحست رزان بالإرهاق يثقل جسدها بعد يوم طويل من البحث دون أي نتيجة تُذكر، بينما وقف إليان بجانبها، غارقًا في التفكير، كان الوقت يمر، والفرص تضيق أمامه، مما زاد من شعوره بالتوتر، لكنه أبى الاستسلام بسهولة، فرفع رأسه وسأل الحارس بصوت هادئ لكنه جاد:

+

ألا يوجد لديك رقم هاتفه؟ يمكننا الاتصال به.

+

هز الرجل رأسه نفيًا، مما جعل إليان يزفر بضيق، شعر للحظة أن المهمة التي كُلف بها ليست بالبساطة التي تصورها، وهذا يفسر الوقت الطويل الذي منح له لإتمامها، لكن إن كان هناك شيء واحد لا يجيده، فهو التراجع لذا، عدّل من وقفته، ثم قال بإصرار:

حسنًا، هل يمكنك إعطائي عنوانًا دقيقًا له في الشرقية؟

+

تردد الرجل قليلًا قبل أن يجيب بقلة حيلة:

أنا مبعرفش أكتب ولا أقرأ، بس لما تروح محافظة الشرقية، انزل في بلبيس، وهناك اسأل عن عيلة الصقر، كلهم هناك يعرفوا بعض.

+

أومأ إليان شكرًا، ثم أشار لرزان بالتحرك، فتبعته إلى السيارة. جلست في مقعدها بجواره، متكئة برأسها على النافذة، ثم سألته بفتور:

إحنا رايحين فين؟

+

أدار محرك السيارة، ونظر للأمام دون أن يلتفت إليها، وقال بنبرة باردة:

إلى الشرقية.

+

التفتت إليه بسرعة، وعيناها تشتعلان بالغضب، ثم صاحت بانفعال:

لا، أنا مش رايحة! روحني دلوقتي!

أوقف السيارة فجأة، واستدار نحوها مستغربًا، قبل أن يسألها بجدية:

ما معنى ذلك؟ يجب أن تأتي معي.

+

ضربت بيدها على لوحة القيادة بانفعال، وقالت بصوت عالٍ:

قلتلك مش رايحة! نزلني حالًا!

+

نظر إليها بتركيز، ثم قال بصوت منخفض لكن حاد:

إذا لم تأتي معي… فستموتين.

تراجعت قليلاً إلى الخلف وهي تحدق فيه بصدمة، ثم رمقته بنظرة متحدية وسألته بحدة:

وأنا إيش عرفني إنك مش بتكدب؟ لحد دلوقتي، مفيش دليل واحد يثبت صحة كلامك إللي مستحيل يصدقه عقل بشري!

+

لم يبعد نظره عنها، وبدا أنه يزن كلماته بعناية قبل أن يسألها بصوت أكثر حذرًا:

وإذا جعلتك ترين الدليل، ستكملين معي، صحيح؟

+

        

          

                

ترددت للحظة، ثم رفعت ذقنها بتحدٍ مماثل وأجابت بثقة:

موافقة، لكن مش هروح الشرقية دلوقتي، الوقت أتاخر، وهياخد وقت كتير.

تأملها للحظات، ثم أومأ بثقة مماثلة وهو يشغل السيارة مجددًا:

اتفقنا، أيتها الصغيرة.

+

تنهدت وهي تراقب الطريق أمامها، متأهبة لما سيحدث لاحقًا، بينما كانت السيارة تتحرك نحو الدليل الذي سيغير كل شيء.

+

_____________________________________________

+

بوابة العالم الآخر

+

مرَّت الساعات ببطء، والسكون يخيِّم على الطريق الذي تسير عليه سيارة إليان، بجواره تجلس رزان، لا تخفي توترها كان الليل قد أسدل ستاره، والهواء البارد ينساب عبر النافذة المفتوحة قليلًا، مما جعلها تشعر بقشعريرة خفيفة، رمقته بطرف عينها، تراقب ملامحه التي لم تكن تعكس أي انفعال.

+

“إحنا رايحين فين؟” 

سألت أخيرًا، محاوِلة كسر الصمت، لمعرفة إلي أين هم ذاهبين في ذلك الطريق الطويل.

+

لم يلتفت إليها، بل اكتفى بالقول بصوت هادئ:

أصمتي.

+

قطبت جبينها، لكن لم تجادله، مضت الدقائق على هذا النحو، حتى توقفت السيارة عند مكان بدا مهجورًا ولكن بعض الأشخاص الجالسين به، أمامهما أمتد بحرٌ هادئ، مياهه تعكس ضوء القمر كمرآة فضية، وصوت الأمواج الخفيف يبعث شعورًا غريبًا بالسكينة.

+

ترجل إليان من السيارة، فاضطرت أن تتبعه بتهجم لمعرفة إلي أين هي ذاهبة، فهو أخبرها بإنها سترى دليل ولكنه يجلبها إلي بحر ومكان غريب أهذا الدليل؟

تسير خلفه بخطوات مترددة كان يتحرك بثقة، وكأنه يعرف طريقه تمامًا.

+

_إليان، إحنا…

+

_قلتُ لكِ، اصمتي.

قاطعها مجددًا، لكن هذه المرة كان صوته أكثر ثباتًا وإنفعال.

+

توغلا داخل المكان حتى وصلا إلى منطقة لا يتواجد بها أي إنسان، الصخور تخبئهم بالداخل، أتجهة إلي صخرة ضخمة، منعزلة عن كل شيء، بدت عادية، مجرد حجر ضخم لا حياة فيه، لكن نظرة إليان إليها كانت مختلفة، رفع يده ببطء، ثم لمسها بأطراف أصابعه وهو يغمض عيناه بهدوء وإتزان.

+

وفي لحظة، اهتز الهواء من حولهما.

+

ضوء غريب انبثق من لا شيء، خطوط ذهبية تشكّلت في الهواء أمام الصخرة، ثم بدأت تتوسع كأنها ترسم دائرة متوهجة، ومع كل ثانية، ازدادت إشراقًا، حتى تكوّنت أمامهما بوابة، تنبعث منها طاقة هائلة، تشبه تموّجات الهواء في يوم شديد الحرارة.

+

        

          

                

شهقت رزان، وضعت يدها على فمها وهي تتراجع خطوات إلى الخلف، قلبها ضرب بقوة، وأصوات غير مفهومة ترددت في أذنها، ما هذا؟ هذا ليس حقيقيًّا… هذا لا يمكن أن يكون حقيقيًّا! أنني في وهم.. سأستيقظ الآن..

+

_ لا… مستحيل.

تمتمت وهي تحدق في البوابة بعينين متسعتين، عقلها يرفض تصديق ما تراه، عقلها يرفض ذلك الدليل.

نظر إليها إليان أخيرًا، إبتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة قال بصوت ساخر:

والآن… هل ما زلتِ تعتقدين أنني أعبث معكِ؟

+

لم تستطع الرد، بل بقيت واقفة في مكانها، أنفاسها تتسارع، وعقلها يغرق في دوامة من الأسئلة التي لا تملك لها إجابة.

بعد لحظات، أغلقت البوابة ببطء، وعاد الظلام يسيطر على المكان، كأن شيئًا لم يكن، أدارت رزان رأسها ببطء نحو إليان، لا تزال ملامح الصدمة منطبعة على وجهها.

+

“إحنا كنا… ده كان… بوابة لعالم تاني؟!”

أخيرًا استطاعت أن تخرج صوتها الرقيق والهادئ، لكنه مهتز بالكاد يخرج من حنجرتها.

أومأ إليان ببساطة، ثم قال بهدوء:

“الآن، صدّقتِ؟”

+

لم تجد ردًّا، عقلها كان يحاول استيعاب ما رأت للتو، كيف يمكن أن يكون كل هذا حقيقيًّا؟ كيف يمكن لعالم آخر أن يكون موجودًا خلف صخرة عادية لا حياة فيها؟

+

_أعتقد أن الوقت قد تأخر.

قال إليان، متجهًا نحو السيارة مجددًا تاركها تتحرك خلفة لا تصدق ما رأته للتو.

ركبت بجانبه بصمت، أفكارها تدور بسرعة، وعقلها يمتلئ بأسئلة لا تنتهي، تشعر بصداع حاد يفتك برأسها مما هي تعرضت له.

+

وصلا أمام منزلها، بعد طريق طويل لا تتحدث بل تراجع ما رأته وكأنه حِلم وستفيق، ولكن لا شيء من ذلك إنه حقيقة واقعية، لم تنزل مباشرة، بقيت مترددة للحظة، وكأنها لا تزال تحاول استيعاب كل شيء.

التفت لها وقال بصوت هادئ، يعكس إنفعاله منذ دقائق:

حسنًا سأتي لكي صباحًا لنكمل ما بدأ إيتها المنقذة الصغيرة.

+

نزلت من السيارة أخيرًا بعد سماعها لحديثه، ولكنها لم تستطيع أن تنطق بحرف فقط أستمعت له وهي لا تصدّق بإنه واقع حقًا، لكنها قبل أن تدخل، سمعته يقول بصوت ثابت:

نامي جيدًا، فغدًا سيكون مختلفًا.

+

ثم انطلق بسيارته، تاركًا إياها غارقة بين الخوف، الدهشة، والفضول الذي يلتهمها ببطء، نظرت نحو الحراس الذين يقفون عند مدخل المنزل ويرقموها ببعض النظرات المستغربة من ملامحها، أقتربت من أحدى الرجال وسألت وكأنها شبة مجنونة:

هوا أنا في حلم يا صلاح؟

+

        

          

                

نظر لها صلاح بإستغراب محاولًا أن يفهم حالتها تلك التي ومأنها فاقدة للوعي قال وهو يحاول أن يسند يداها:

في أي يا هانم ؟

لم تجيبة، مدّت يدها إلى جيب معطفها، قبضت على مفتاح منزلها بقوة، تحاول أن تشعر ببرودته المعدنية تحت أصابعها… شيء ملموس، شيء حقيقي لكنها رغم ذلك، لم تستطع أن تُبعد عن رأسها صورة تلك البوابة المتوهجة… هل كان هذا كله حقيقة؟

_____________________________________________

+

كانت الحارة تضج بالحياة رغم هدوئها الظاهري، تتناثر التحيات هنا وهناك، وصوت نغم الصغيرة يعلو بضحكاتها البريئة وهي تتعلق بعنق معتز، كانت تحاول أن تهدئ أرتباكها ولكن أبتسامته وحديثة لا يساعدها على ذلك ابدا، يمشي بخطوات ثابتة إلى جوار دارين، بدا مظهرهم وكأنه لوحة فنية، كل شيء طبيعيًا.

+

كان معتز يلقي ببعض تعليقاته الساخرة بين الحين والآخر، فيرسم بسمة صغيرة على شفتي دارين، لكنها كانت بسمة باهتة، غير مكتملة، كأنها تخشى أن تتخذ شكل الضحكة الكاملة فتفضح ارتباكها.

+

عندما اقتربوا من السيارة، ظهر أمامهم رجل طويل البنية، يحمل نفس ملامح معتز الصارمة، لكنها أشد قوة، وأشد هيبة. مصطفى، والده، يقف في منتصف الطريق وكأن المكان ملكه، يراقب المشهد أمامه بعينين ثابتتين، حتى التقت عيناه بعيني دارين الذي ظهر توترها في الحين، فتجعد حاجباه قليلًا، وكأنه يحاول فهم وجودها بجوار أبنه وأبنته.

+

هبطت نغم من بين يدي أخيها سريعًا، وهرولت نحو أبيها بإبتسامة سعيدة وكانت قهقهاتها تخرج منها بعفوية والحماس يملأ وجهها على عودة أبيها في نهاية الأسبوع، قابلها مصطفى وهو يحملها بين يداه بحنان خالص لها، ويقبلها في وجهها قائلا بحنان وصوت خافت:

وحشتيني.

عانقته بحب أبوي وطفولي وهي تردّ حديث أغلبيته غير مفهوم.

+

تقدم خطوة من الواقفين ومد يده مصافحًا، قائلاً بصوت جهوري:

أهلا يا آنسة…؟

مدت يداها لتصافحة لمعرفتها الان من حديث الطفلة بإنه والدهم، لكنها شعرت بتوتر غريب ينبعث من معتز، كان كمن يقف على حافة هاوية، لا يريد أن ينزلق لكنه لا يجد سبيلًا آخر. فتحت فمها قائلة بثقة:

أنا المحامية دارين…

+

لكن معتز قطع حديثها فورًا قبل التكمله، كان يقول بصرامة خفية:

المحامية دارين بتاعت علي يا حاج، هوصلها وراجع.

+

نظر إليه مصطفى بنظرة طويلة أستشعر بالتوتر الذي يظهر على ملامح وجهة، والإستغراب الباطني لها، لم يعلق، لكنه أومأ برأسه وقال بنبرة آمرة هادئة:

طيب، وصلها وتعالَ بسرعة، عاوزك في موضوع مهم.

+

ثم استدار ليكمل طريقه، وتكملة حديثة الطفولي مع أبنته الصغرى، بينما تلاحقه أعين الناس في الحارة، يرمون له التحية بإجلال واضح، وكأنه سيد المكان الذي لا يُنازَع.

+

في اللحظة نفسها، كانت رفد تهبط درجات بيت العمل التي باتت تعمل به، تسير بخطوات سريعة للذهاب إلي المنزل الذي أصبح منزلها موخرًا، لكن القدر لعب لعبته… لم ترَ شقيقتها دارين، ولم ترَها دارين أيضًا، لحظة واحدة فقط، لو التفتت إحداهما، لكان المشهد بأكمله تغير وتدمر كل شيء في وجوههم.

+

صعدت السيارة والإستغراب يأكلها حقًا، قالت وهي تحاول أن تقلب الحديث إلي أخر خفيف:

خلاص شكرًا يا معتز هروح أنا.

نظر إليها من نافذة السيارة بتوتر حاول قدر الإمكان أخفاءة وقال بإبتسامة خفيفة شقت وجهة:

تمام خلي بالك من نفسك.

أنهى حديثة وغادرت المنطقة وهي تشعر بمشاعر غريبة تتضارب داخل صدرها، من كل ما حدث وكأن يوجد تغير سيحل عليها قريبًا، وسيكون مصدرة ذلك المعتز وعائلتة.

_____________________________________________

+

أستنوا الفصل الرابع  ياحبايبي، قولوا توقعاتكم في الكومنتات، ومتنسوش الڤوت ورأيكم♡♡.

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى