Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل العاشر 10 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

                              

الفصل (10)

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

                              

جلس الى مائدة الطعام الطويلة المذهبة والتي تتسع لاثني عشر فردا، يتناول طعام الافطار برفقة والدته، رفع رأسه ينظر الى والدته قائلا وهو يلوك الطعام بهدوء:

                              

– رشا نايمة أكيد، صح؟..

                              

أومأت والدته وهي تضع فنجان الشاي الخزفي الى صحنه الصغير أمامها بد أن ارتشفت بضة قطرات من الشاي المطعم بالريحان المزروع بحديقة القصر، وقالت بابتسامة صغيرة:

                              

– أنت عارف أنها بتحب السهر..

                              

زفر لؤي بضيق وقال بعدم رضا:

                              

– لكن كدا غلط يا أمي، يومها المقلوب دا والشلة اللي هي اتصحابت عليها من النادي كمان مش مرتاح لها، مش معقول كل يوم سهر لوشّ الصبح، ولما أتكلم تقولي أصحابي.. أنا مش عاجبني حالها دا..

                              

وضعت دولت التي تجلس الى يمينه فيما يترأس هو المائدة يدها فوق ساعده وقالت بابتسامة محاولة استرضائه:

                              

– معلهش يا حبيبي.. انت عارف هي أكتر واحدة أتضايقت أد إيه من مسألة رجوعنا من أمريكا، وما صدقت بصراحة أنه يكون لها أصحاب، وبعدين هي عندها وقت فراغ رهيب، هتعمل إيه يعني؟..

                              

نظر لؤي الى والدته ولم يجبه تبريراتها الواهية لابنتها الأثيرة وقال بجدية:

                              

– أنا أتحايلت عليها أكتر من مرة أنها تنزل معايا الشركة وتشوف الشغل ماشي ازاي، لكن هي اللي مافيش في دماغها غير الخروج والسهر والفُسح مع شلّتها دي.. 

                              

دولت برجاء:

                              

– خلاص يا لؤي، ما تضايقش نفسك انت، طيش بنات يا حبيبي، لكن أنا متأكدة أنها هتزهق وتيجي لغاية عندك بنفسها وتقولك انها عاوزة تشتغل معاك، يعني انت مش عارف اختك؟… بتزهق بسرعة..

                              

زفر لؤي بضيق وأومأ قائلا وهو يمسح فمه بفوطة المائدة الصغيرة:

                              

– OK, يا أمي.. لما نشوف، عن إذنك عشان أتأخرت…

                              

ونهض لتوقفه هاتفة بحماس:

                              

– بقولك يا لؤي، عاوزة أعزم طنط كريمة وندى وعز بيه على الغدا… عشان نرد لهم عزومتهم، الجمعة الجاية باباك هيكون هنا، إيه رأيك؟.. أظن الجمعة أجازة، وما عندكش حجة بقه؟..

                              

هز لؤي رأسه بإذعان وأجاب بيأس:

                              

– حاضر يا أمي… هحاول أفضّي نفسي اليوم دا، ولو أنه صعب، أنتي عارفة أنه الشركة بتجدد نشاطها في السوق ومافيش عندي أجازات لكن عشان خاطرك هحاول… 

                              

ومال عليها مقبلا رأسها قبل أن يتناول حقيبته الجلدية الفاخرة منصرفا حيث ينتظره سائقه أمام سيارة مرسيدس سوداء فاتحا بابها الخلفي، ليناوله الحقيبة ويصعد الى السيارة فيغلق السائق الباب خلفه ويسرع ليصعد بدوره الى مقعد السائق واضعا حقيبة سيده على المقعد بجواره، منطلقا الى الشركة التي تقع في ذلك المبنى الفخم الذي يتعدى الثلاثون طابقا يكاد يقارب السحاب.. 

                

****************

مرّت ثلاثة أيام على الليلة التي سقطت فيها رنا ليأتيها بدلا من الطبيب خمس أطباء من أمهر أطباء البلد، التزمت أمها في هذه الأيام الصمت التام، بينما تطالعها بنظرات صامتة تحمل في طياتها لوم وعتاب و… خيبة أمل واضحة!!!!…

زفرت رنا التي كانت تجلس الى مكتبها، فقد آثرت العودة الى العمل كي تدفن فيها نفسها، محاولة التنفيس عن غضبها من حالة البرود والجمود التي تكتنف أبويها منذ أن فجّرت مفاجأة خطبة شاهين لأمها وموافقتها على الزواج بكريم، هزت برأسها لتنفض عنها شرودها، وتشاغلت بالأوراق أمامها حين تعالى صوت ندى من جهاز الاتصال الداخلي يطلب حضورها، لتنهض وتتجه الى مكتب الأخيرة عبر الواصل بينهما، طرقت الباب ودلفت الى الداخل وتقدمت حيث تقبع ندى خلف مكتبها الخشبي الأملس الكبير، كانت ندى تنظر الى شاشة الحاسوب أمامها، لتقول وعينيها مسلطتان على ما تعرضه الشاشة أمامها:

– عملتي إيه يا رنا في حجز الفندق للديفيليه عشان عرض الأزياء بتاعنا؟.. 

رنا بمهنية صرفة:

– فيه كذا عرض بنحاول نختار الأنسب منهم، مستنية رأي مستر غسّان، أنت عارفة هو اللي هيقرر، دي حاجة في صميم وظيفته هنا..

ندى وهي تبعد وجهها عن شاشة الحاسوب:

– تمام… الأزياء اللي هتتعرض كلها جاهزة تقريبا، عاوزة أكبر حملة دعاية واعلان للديفيليه دا في كل مكان، اذاعة وتلفزيون وفضائيات، عاوزين ننزل بتُقلنا كله..

رنا بهدوء:

– أعتقد أنه مستر غسان اتفاهم في النقطة دي مع وكالة الاعلان اللي بنتعامل معها فعلا..

رفعت ندى رأسها لتنظر الى صديقتها الشاحبة وقد ظهرت الهالات السوداء أسفل عينيها بوضوح دليل على مدى سوء حالتها النفسية التي تمر بها في الوقت الراهن، لتنهض من مكانها وتتجه اليها وتقف أمامها وتقول بابتسامة صغيرة وقد تبدلت نبرتها من الرئيسة الى الصديقة:

– أخبارك إيه؟.. طنط فريدة عاملة إيه دلوقتي؟..

زفرت رنا باختناق ومسحت على وجهها بأصابعها النحيلة وهمست تجيب بيأس:

– لسّه مقاطعاني، مش بتكلمني خالص، تلات أيام من يوم اللي حصل وكأننا اتنين أغراب عايشين تحت سقف واحد..

دفعتها ندى بخفة لتتجها الى جلسة جانبية فجلستا متجاورتين الى الصوفا الجلدية السوداء قبل أن تجيبها بحزن على ما آل اليه حال صديقتها:

– معلهش يا روني، الموضوع كان صعب أوي عليها، وانت عارفة طنط فريدة طيبة أوي، ومش هتقدر تخاصمك كتير.. بس بصراحة يا رنا أنت غلطت جامد، أنا مصدقتش اللي وقفتي تقوليه قودام الكل… إزاي تجرحيها وتحرجيها بالشكل دا؟.. أنا من يومها ومش عاوزة أفتح معاكي الموضوع خصوصا لما لاقيتك نازلة الشغل من تاني يوم، قلت أسيبك لغاية ما تهدي خالص، وبعدين نتكلم، أنت غلطت.. مامتك ما أجرمتش أنها عاوزة تعيش حياتها، ليه تحرميها من حقها دا؟.. في الوقت اللي باباكي عايش وبنى فعلا حياة جديدة له مع واحدة تانية وعنده أطفال منها كمان… طنط فريدة ما تستاهلش منك كدا!!!…

        

          

                

لتهتف رنا ببؤس وعينيها مغرورقتان بدموع ماسيّة:

+

– يعني أنا اللي استاهل يا ندى؟.. ليه كل واحد فيهم بيبص لنفسه وبس وناسيين بنتهم خالص؟!!… أنا عارفة أن كلامك كله صح… لكن أنا من حقي أني أصرخ وأقول لأ وأدبدب برجليا في الأرض كمان!!… تعبت يا ندى، تعبت من كُتر العقل اللي أنا فيه..

+

وانسابت دموعها صامتة تغرق وجنتيها فلم تستطع ندى كبت دموها التي انسابت بدورها تشارك صديقتها بؤسها فيما أردفت الأخيرة وهي تشير الى نفسها:

+

– عارفة أني غلطت، وأنه مش من حقي أني أحجر على حريتها، وأنها من حقها أنها تعيش حياتها، لكن أنا كمان من حقي أني أعيش وسط أبويا وأمي، لمرة واحدة أكون أنانية في حقي دا، لو همّا اتطلقوا عشان خاطري زي ما بيقولوا وعشان ما أكبرش وسط أب وأم فقدوا احترامهم لبعض وأكون معقدة نفسيّا من الحياة اللي كانت كلها خلافات بينهم وأساسا الخلاف سببه واحد كل مرة.. الغيرة الجنونية، لو هما انفصلوا عشاني يبقى يرجعوا عشاني!!!.. محدش فيهم خد رأيي في الأول، مع أني طرف في حياتهم هما الاتنين وطرف مهم أوي كمان، لأنه أي قرار بياخدوا أنا اللي بتحمّل تبعاته أكتر من أي واحد فيهم، أنا قلت لهم يومها، بعد ما أنتم مشيتوا، قلت لهم لو كنتم سيبتوا بعض في الأول عشاني أنا بطلب منكم دلوقتي أنكم ترجعوا عشاني، يا كدا.. يا إما من حقي أنا كمان أني أشوف حياتي حتى لو مع أنسان أنتم مش مقتنعين بيه، لأنه واضح كدا أنه مافيش معيار ثابت لاستمرار الجواز سواء كان عن حُب أو كُره، وسيبتهم ومشيت..

+

ندى بتساؤل:

+

– وقالوا لك إيه؟..

+

هزت رنا رأسها بتعب وهمست:

+

– ما قالوش، دخلت أودتي وسيبتهم يفكروا في كلامي، ومن وقتها وماما مقطعاني خالص، لكن نظراتها ليّا بتدبحني، وكأنها بتعاتبني وتقولي خيّبتي ظنّي فيكي، وبابا كمان بيكلمني يجوب كلمة ونص يطمن ليّا ويقفل، ومش قادرة حتى أعرف حصل إيه بعد ما قلت لهم اللي أنا عاوزاه، كل اللي عرفته من سعدية أنه بابا يومها مشي على طول مقعدش، لكن فكروا، قرروا إيه معرفش..

+

وأطلقت تنهيدة عميقة مردفة وهي تضع يديها على صدغيها:

+

– أنا تعبت خلاص من كتر التفكير..

+

ندى وهي تربت على كتف صديقتها:

+

– معلهش هدِّي نفسك، أنما ما قولتليش… أخبار كريم أيه صحيح؟.. اللي كان يشوفه يومها يقول أنه كسب اليانصيب!!..

+

زفرت رنا باختناق وهتفت بحنق يائس:

+

– ما تفكرنيش يا ندى، أهو كريم دا تكفير للي عملته في ماما، دا يا مؤمنة ما فيش ساعة بتفوت الا وهو مكملني في التليفون..

+

فتحت عينيها مواصلة وهي ترفع سبابتها:

+

– لا… ساعة إيه؟.. كل نص ساعة وانتي الصادقة، وآخر حاجة عاوزينا نخرج مع بعض ما احنا خلاص مخطوبين بقه، ومش بس كدا.. لأ… عاوز الشبكة وكتب الكتاب سوا.. شوفتي الهنا اللي أنا فيه؟…

+

        

          

                

فتحت ندى عينيها هاتفة بذهول:

+

– دا مصدّق بقه!!!!!…

+

ثم تابعت باهتمام تجلّى في عنبر عينيها:

+

– طيب وأنتي ناوية تكملي صحيح معاه للآخر؟..

+

رنا بهزة من كتفيها وتنهيدة من الأعماق:

+

– تصدقيني لو قلت لك أنها ما عادتش فارقة؟!!!…

+

قطبت ندى متسائلة:

+

– يعني ايه يا رنا؟..

+

رنا بلهجة الاستسلام للأمر الواقع:

+

– يعني مش فارقة يا ندى، أنا مش هقدر أقف في وشّ ماما لو صممت على الارتباط بالدكتور شاهين، دي حياتها في الأول والآخر، اللي أنا عملته دا تقدري تقولي أنه كان زي مقامرة، يا صابت يا خابت، لكن في الأول والآخر أنا مقدرش أفرض عليها حاجة هي رافضاها، وبعدين كريم زيّه زي أي راجل، أنا ما فيش حد في دماغي ومن الآخر الحسنة الوحيدة اللي فيه أني مش بحبه، ودا أنا شايفاها ميزة كبييرة جدا بصراحة!!!!…

+

ندى بغير تصديق:

+

– نعم؟.. انتي بتهرّجي صح؟.. يعني إيه أنه ميزته الوحيدة أنك مش بتحبيه؟.. حد يوافق يتجوز حد عشان مش بيحبه؟!!!

+

نظرت اليها رنا وأجابتها بشبح ابتسامة تقطر مرارة وسخرية:

+

– يعني همّا اللي حبُّوا كانوا عملوا إيه ولّا كسبوا إيه يا ندى؟… الحب قدر يخلّي جواز بابا وماما يدوم؟.. وهنروح بعيد ليه؟… أنت يا ندى!!!!

+

فنظرت اليها ندى في اندهاش بالغ وقالت بتعجب:

+

– أنا؟!!!!!..

+

أومأت رنا مؤكدة:

+

– أيوة أنتِ!… حبّك لمعتز نفعك في إيه؟.. بالعكس بقه… يمكن لو كان حبك لمعتز مش بالشكل دا أو لو كان معتز الله يرحمه مجرّد عريس ليكي ما كنتيش رهنت نفسك وعمرك لذكراه!.. أنتي مش واخدة بالك أنه أحلى سنين عمرك بتتسرّب من بين إيديكي وأنتي مش واخدة بالك؟..

+

هتفت ندى باعتراض قوي:

+

– رنا!!!!!.. أنت عارفة أنه معتز خط أحمر، موضوعي أنا وهو مش محل نقاش لأي حد، وعشان أريّحك أنا مش مترهبنة ولا بضيّع أحلى سنيني زي ما أنتي فاهمه، لكن بعد حبّه أنا مش ممكن أقبل بأي حب تاني، خصوصا لو الحب دا ما يوصلش لـ واحد على الألف من حب معتز ليّا، الواحد لما بيكون معاه حاجة حلوة أوي وتروح منه لأي سبب مش بيرضى بأي بديل ليها مهما كان، مش بعد ما وصلت بحبه سابع سما أقبل بحب ممكن ينزل بيّا لسابع أرض!!!

+

رنا بعناد:

+

– وأنت عرفتي منين أنه بقبولك الحب الجديد دا أنك بتقللي من نفسك؟.. مش يمكن يكون حب أقوى وأكبر؟.. ليه مش بتدِّي نفسك الفرصة أنك تتأكدي الأول قبل ما ترفضي؟..

+

سكتت لثوان قبل أن تسترسل مسلطة عينيها على ندى بقوة:

+

– وبعدين كلامك معناه أنك حاسّه انه فعلا فرصة لحب تاني، لكن أنت خايفة يا ندى، خايفة تمرّي بتجربة الحب تاني، فراق معتز كان شيء قدري لا بإيدك ولا بإيده، لكن انفصال بابا وماما كان بايديهم هما وباختيارهم مش مجبورين عليه، يا ريت تفكري كويس أوي في كلامي قبل ما فجأة تلاقي عمرك وراكي وأنت واقفة في مكانك، من غير شريك لحياتك تفرحوا سوا وتزعلوا سوا وتتخانقوا كمان سوا!!!!

+

        

          

                

ضحكت ندى بتعجب ضحكة مضطربة وقالت باستغراب:

+

– غريبة.. احنا دلوقتي بنتكلم عليكي أنتي ولا عليّ أنا؟.. رنا.. متعمليش نفسك مصلحة اجتماعية لأنه للأسف باب النجار مخلّع زي ما بيقولوا، لأنه من باب أولى تقولي الكلام دا لنفسك، ايه المشكلة أنه طنط فريدة وأونكل عبد العزيز اتطلقوا؟.. مش أول ناس ولا آخر ناس، ولا أنت أول واحدة باباها ومامتها ينفصلوا، بالعكس بقه.. طنط وأونكل علاقتهم في منتهى الاحترام سوا، وكل واحد فيهم بيعاملك أحسن من التاني، طنط فريدة حرمت نفسها من حقها في أنها تكمل حياتها مع واحد تاني عشانك أنت، وأونكل عبد العزيز بشهادتك أنت مش بيسمح لطنط عفاف تضايقك بربع كلمة، يبقى بتعاقبيهم على إيه بالظبط؟.. وبفرض أنهم غلطوا فعلا زي ما بتقولي.. خلاص اللي حص حصل، وكل واحد فيهم شاف حياته، وباباكي اتجوز وخلّف وبئالو حياة مستقلة، ومن حق مامتك أنها هي كمان تشوف حياتها، وبدل ما تقفي في وشّها وتحرجيها قودام الكل وتجرحيها بالشكل اللي حصل.. المفروض كنت أنت أول واحدة تقدر تضحيتها عشانك وتحسيسيها أنك فرحانه لها بجد، خصوصا وأنها كانت لسّه بتفكّر ما أخدتش القرار فعلا..

+

صمتت لثوان فيما طالعتها رنا بوجوم لتسحب ندى نفسا عميقا وتردف بابتسامة حزينة:

+

– ما تزعليش مني يا رنا، أنتي عارفة أني بعتبرك أنا بالظبط، وزي ما أنتي واجهتيني باللي بعمله وحاسيت أنه نفسك تمسكيني وتهزيني عشان أفوق من اللي أنا فيه في رأيك، كان لازم أنا كمان أبقى صريحة معاكي وأعرّفك أنك غلطتي يا صاحبة عمري، الصداقة اللي بيننا هي اللي بتفرض عليّا كدا على الأقل، ما تزعليش مني لكن صدقيني أني أواجهك بغلطك هو دا معنى الصداقة الحقيقية، مش الصداقة أني أسف لك وأقولك أنك صح على طول الخط، خلاص.. سماح؟!!!!

+

نظرت اليها رنا في صمت تام بادئ الأمر ثم سرعان ما ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها النديتين وقالت:

+

– أنا عمري ما أزعل منك يا نادو، وعارفة أنه قلبك عليّا وزي ما أنا خايفة عليكي أنتي كمان خايفة عليّا، انتي كمان ما تزعليش مني.. أنا..

+

رفعت ندى يدها لتمنعها عن المتابعة وقالت:

+

– مافيش بيننا اعتذار، أنا عارفة رنا كويس أوي قصدها إيه، وأنتي كمان عارفة ندى قصدها إيه، احنا واحد يا رنا، صديقك من صدقك.. الصديق جاية من الصدق مش من التسقيف ومسح الجوخ!!.. ودلوقتي بقه.. خلينا في المهم… أول ما تروّحي تحاولي تصالحي طنط فريدة بأي طريقة، ولازم تكلمي أونكل عبد العزيز، وواحد تاني كمان أنت أحرجتيه يومها..

+

رنا بهزة رأس موافقة:

+

– عارفة.. الدكتور شاهين..

+

ندى بتأكيد:

+

– بالظبط كدا…

+

تنهدت رنا بعمق قبل أن تقول باستسلام:

+

– هعتذر له أكيد، هو مالوش دعوة باللي حصل، ولغاية آخر لحظة في منتهى الاحترام، حتى بعد ما أحرجت ماما قودامه، كان في منتهى الذوق أنه يقف قودام الكل ويقول أنه يكون من حسن حظه أنه ماما توافق أنها ترتبط بيه، وأنها لغاية دلوقتي ما قالتش ردّها النهائي ويتعشم أنها تكون الموافقة زي ما أنا قلت، وبعدها استأذن ومشي، مع أني كنت حاسّة وقتها أنه بابا كان بيبص له بغيظ جامد لكنه ما علّقش، بجد انسان غاية في الذوق…

+

        

          

                

ندى بابتسامة:

+

– أنا عارفاكي يا روني، قلبك مافيش أطيب منه، يعني بتطلعي تطلعي وتنزلي على ما فيش… ربنا ما يحرمني من القلب الطيب دا ويعينك على ما بالاكي!!،، ولو أنه أنتي اللي جبتيه لنفسك، أي نعم هو ألوان شعر أصفر وعينين خضرا لكن الدم… يا باااااااايْ… تقيل تُقل.. تقوليش ستة طن حديد!!!!

+

ضحكت رنا وقالت:

+

– ربنا يعيني يا أما أخفّهم شوية يا إما أزحزحهم بعيد عني خالص!!..

+

ندى بخبث:

+

– أعتقد تزحزيهم أحسن، لأنه فيه ناس لو بإيدهم كانوا زحزحوه من الدنيا كلها!!..

+

رنا بتقطيبة:

+

– مين الناس دول؟..

+

همّت ندى بالكلام حين قاطعهما طرقات على باب المكتب، فسمحت ندى بصوتها الناعم للطارق بالدخول، لتفاجئ بلؤي وهو يقف على عتبة الباب يقول فقيما نهضت هي ورنا لاستقباله:

+

– مساء الخير…

+

ندى بحيرة نجحت في اخفائها فهي لا تعلم سبب قدومه لزيارتها ولأول مرة منذ زيارته هو وعائلته لهم:

+

– مساء النور… أهلا يا أستاذ لؤي..

+

لتهتف رنا:

+

– حضرتك الأستاذ لؤي صاحب شركة كايرو انترناشيونال ليميتد (Cairo International Limited)؟..

+

أومأ لؤي بالايجاب بابتسامة رصينة فتابعت رنا بلهفة وهي تطالع ندى باعتذار صامت:

+

– معلهش أنا أسفة يا ندى، الأستاذ كان عنده معاد معاكي فعلا انهرده، ودلوقتي تحديدا، السكرتارية عنده هي اللي كلمتني وحددت لهم المعاد دا…

+

ثم سارعت بالاشارة للؤي كي يدخل قائلة:

+

– اتفضل حضرتك… قهوة حضرتك إيه؟..

+

لؤي مبتسما:

+

– على الريحة..

+

هزت رنا برأسها وسارعت بالانصراف لتأمر بتجهيز قهوة الضيف فيما اتخذت ندى مجلسها خلف مكتبها وهي تشير اليه بالجلوس على المقعد أمامها، كانت ندى أول من تكلمت قائلة بابتسامة:

+

– غريبة… ليه السكرتارية عندك تكلم مساعدتي الشخصية عشان تاخد معاد؟.. ليه اللفة الطويلة دي؟.. دا حتى طنط دولت كانت لسّه مكلمة ماما أمبارح، فكنت كلمتني بلغتني أنك عاوز تيجي..

+

لؤي بهزة من رأسه معترضا على قولها:

+

– ماما وطنط كريمة دول حاجة والشغل حاجة تانية، أنا عاوز أشوفك في شغل فلازم أحدد معاد زيي زي غيري تمام..

+

لا تنكر أنها أعجبت بمنطقه فهزت رأسها تأييدا لكلامه بابتسامة ناعمة، ليواصل بعدها:

+

– زي ما أنت عارفة أني لسه راجع مصر من مدة بسيطة أوي، وبحاول أفتح أسواق جديدة للشركة عندي، عرفت أنه المجموعة بتاعتكم بتتعامل في كل حاجة تقريبا، وأنا مستهويني أوي موضوع الأجهزة الاليكترونية اللي أنتم بتستوردوها، أنا من ناحية السيولة عندي سيولة كافية جدا لكن أنا لسّه معرفش آليات السوق هنا ماشية إزاي، ففكرت أننا ندخل شركا في صفقة أو اتنين لغاية ما أفهم كل حاجة، طبعا أنا عندي ناس ممكن توجهني لكن أنا اتعلمت أني ما أثق في حد إلا بعد ما يثبت لي أنه يستحق الثقة دي، وخصوصا الشغل..

+

        

          

                

أومأت ندى بالايجاب بابتسامة وقالت:

+

– مظبوط كلامك، لكن أنا ممكن أرشّح لك واحد عندنا من الادارة كفؤ جدا، يروح عندك كانتداب ويظبط لك الشغل وتعرف منه كل اللي انت عاوزه، من غير شراكة أو أي حاجة تانية..

+

لؤي رافضا بابتسامة ولمعة في عينيه اعجابا بتفكيرها لم يستطع اخفائها:

+

– طبعا هي فكرة ممتازة، لكن أنا هكون صريح معاكي للآخر، اللي أعرفه أنه مجموعة عز الدين مختار الراوي ليها اسم كبير في البلد، عشان كدا لما يتعرف أني شريك لكم هاخد وضعي في السوق بسرعة، أنا كنت صريح معايك وجبت لك من الآخر.. ما فيش حاجة تستدعي أني أخبي عليكي حاجة أو أدعي عكس الحقيقة…

+

نظرت اليه ندى بسكون لوهلة قبل أن تتحدث بهدوء:

+

– طبعا أنا بحييك على صراحتك، وعموما أنا معنديش مانع، فيه صفقة قريبة بنحضر لها، التقديم ليها كمان شهر من انهرده ان شاء الله، لاستيراد أجهزة اليكترونية أحدث موديل نزل السوق، ممكن ندخل فيها شريك، وكمان يومين فيه اجتماع لرجال الأعمال وسيدات الأعمال للغرفة التجارية أنصحك أنك تحضره، عشان الناس تتعرف عليك..

+

لؤي بهزة رأس موافقة:

+

– آه عرفت عنه، وفعلا أنا ناوي أروح بإذن الله..

+

طرقت رنا الباب والتي دلفت تحمل صينية تضع عليها فنجانين من القهوة التركية أحدهما سكر خفيف كما طلب أما الآخر فهو سادة كما تحبها صديقتها منذ وفاة معتز!!!..

+

وضعت الصينية ليشكرها لؤي فيما قالت ندى بابتسامة:

+

– شكرا يا رنا… لو تعبانة وعاوزة تروّحي ما فيش أي مشكلة… عموما الساعة 2 الضهر يعني كلها ساعتين ونمشي كلنا…

+

رنا بابتسامة:

+

– هشوف ماما روّحت ولا لسّه… لو رجعت البيت هروح لها..

+

علمت ندى أن صديقتها تتحرق شوقا لمصالحة والدتها ولذلك أتاحت لها الفرصة في الانصراف مبكرا، فيما طالعها لؤي من تحت رموشه الطويلة وهو يقول في نفسه:

+

– من كُتر كلام ماما عليكي اضطريت أعمل الحكاية دي كلها عشان أقدر أشوفك في جو غير البيت، وفعلا… كان عندي حق، شخصيتك تجذب الواحد أنه يقرب منك أكتر عشان يعرفك أكتر وأكتر!!!!!!!!!!…

+

كانت رنا تقف محاولة أيقاف سيارة أجرة ولكن دون طائل حين سمعت صوت صرير عجلات عالٍ، أتبعه صوتا رخيما يقول من داخلها:

+

– اركبي يا رنا أوصّلك..

+

انحنت تنظر من خلال النافذة إلى المتكلم لتبتسم قائلة:

 – أهلا يا جو، لا معلهش ما تعطلش نفسك أنت، أنا هاخد تاكسي…

 يوسف باصرار:

 – اركبي يا رنا، ما فيش عطلة ولا حاجة، وما تتعبيش نفسك أنا مش هسيبك تاخدي تاكسي..

 هزت رنا كتفيها باستسلام وصعدت الى المقعد بجواره، تلقي السلام، لينطلق بالسيارة، سألها عن وجهتها فأخبرته أنها في طريقها عائدة للمنزل، ليتخذ طريقه إلى هناك وما هي الا دقائق حتى صدح صوت هاتفه المحمول، ليرفعه مختلسا النظر الى اسم المتصل قبل أن يعيد انتباهه الى الطريق فيما ارتسمت ابتسامة مكر خفيفة على شفتيه قبل أن يضغط على زر قبول الاتصال، واضعا الهاتف على أذنه، وهو يقول بصوت مرح:

 – أهلا يا بني.. فينك، تلات أيام مش باين ومش عارف أوصلّك خالص، لا بترد على موبايلك ومامتك متعرفش مكانك، كل اللي قالته أنك قلت لها أنا في شغل كم يوم وراجع، شغل إيه دا بقه يا أبو الأنوار؟..

 استمع قليلا الى محدثه فيما تشاغلت رنا بالنظر الى أصابعها المكورة فوق حجرها، ليعلق يوسف قائلا:

 – ماشي يا صاحبي، على كدا اتبسطت في السخنة؟.. أيه؟.. بترتب أوراقك؟.. بص يا أنور واضح كدا أنك لازم لك قاعده كبيرة أوي، وأنا حاليا مش فاضي.. لا… أنا لسّه ما شوفتش غسّان كنت رايح له فعلا بس ظهر مشوار كدا هخلصه وأحصّلك على هناك، أنت وصلت؟.. أها.. سبحان الله يعني أنت وصلت من هنا واحنا مشينا من هنا….

 أنصت قليلا قبل أن يرتفع طرف شفتاه في خبث قائلا بغموض:

 – آها… أنا ورنا في مشوار..

 وعلى الجانب الآخر ما ان نطق اسم رنا حتى هتف فيه أنور بحنق بينما شدد بأصابعه على مقود سيارته بدوره:

 – أنت ومين؟.. هي رنا معاك؟…

 ليستمع قليلا قبل أن يهتف آمرا:

 – انت وصلت فين بالظبط يا جو؟.. آه عارفه…

 وانطلق كالصاروخ وقد ضغط بقوة على دواسة البنزين لتنطلق السيارة كالقذيفة فيما تابع بحزم:

 – تمام.. لآ انا شوفتك تقريبا… خد يمينك وأدّي فلاشر..

 ليقف بسيارته خلف سيارة يوسف ويسارع بالترجل منها ليهبط يوسف بدوره من السيارة، بينما نظرت رنا بتشكك حولها لترفع كتفيها وتخفضهما بلا مبالاة، بينما بالخارج وقف أنور قائلا بحزم:

 – ممكن أعرف رايح معها فين؟.. ومن أمتى ان شاء الله وأنت بتروح معها في أي مكان؟..

 نظر اليه يوسف بمكر، وقد وسوس له شيطانه التلاعب بأعصاب أنور، فكم من المرات حقد عليه لقربه الشديد من ندى فيما يتحرق هو ليحلّ محلّه، فهو وحده من له الحق بأن يكون معها في كل لحظة، وأن تلجأ إليه وقت شدّتها، ولكنها ترفع الحواجز بينهما دائما ولا أحب إليه من أن يحطمها حاجز وراء الآخر، ليقول بابتسامة متلاعبة:

 – أنا مش فاهم أنت دخلك أيه رايحين فين ولا جايين منين؟.. وعموما أنا هريّحك يا سيدي.. رايح أوصّلها.. ارتحت؟.. اسبقني أنت بقه على غسّان تلاقيه مستنينا دلوقتي عشان موضوع الفندق عشان الديفيليه، وأنا هحصّلك..

 نظر اليه قليلا بغموض قبل أن يقول بهدوء:

 – لا.. أنا عندي حل أحسن..

 يوسف بتقطيبة:

 – حل؟.. إيه هو دا؟..

 ليتجه أنور الى السيارة ويفتح الباب المجاور لرنا مشيرا إليها للخروج:

 – اللي هو دا!!!..

 ثم وجّه حديثه الى رنا دون أن يعيرها التفاتة واحدة:

 – اتفضلي.. انزلي..

 قطبت رنا وطالعته بريبة قبل أن تتوجه بنظراتها الى يوسف المذهول وتتساءل بحيرة:

 – أتفضّل أنزل؟.. 

 أنور بحزم:

 – أيوة..

 ثم انحنى لينظر اليها مردفا بلهجة آمرة لا تقبل النقاش:

 – أنا اللي هوصّلك…

 وسكت مسلّطًا عينيه في بؤبؤي عينيها اللذيْن توسعا في حيرة وذهول، ولم تحر جوابا، كما لم تستطع فك أسر عينيها من نظراته القوية والتي كانت تشعر بها وكأنها.. تعاتبها في صمت لم يخلو من خيبة أمل واضحة!!!!…

 أشار اليها أنور بالترجل، فأطاعت بانصياع غريب عنها لتقف بعدها أمامه تنقل نظراتها بينه وبين يوسف الذي وقف يراقب ما يحدث بينهما بتقطيبة عميقة، وهمست بخفوت:

 – أنا ممكن آخد تاكسي ما فيش مشكلة خالص بالنسبة لي..

 لم يعلق أنور على كلامها وما أن فتح يوسف فمه للكلام حتى سارع أنور بمقاطعته وقد قبض على مرفقها بيده:

 – روح أنت يا جو عشان تلحق وقتك، أنا هوصّل رنا وأحصّلك..

 نظر يوسف الى رنا التي شحب وجهها فجأة وقال بهدوء وهو يلقي بنظرات محذرة الى أنور الذي ارتسمت على وجهه آيات العزم والاصرار:

 – هتروحي مع أنور يا رنا؟.. أنا ما فيش مشكلة بالنسبة لي خالص أني أوصّلك، المهم أنك تكوني موافقة..

 نظر أنور الى رنا بقوة حاولت مجابهتها لتكتشف فشلها في تحدي عيناه، فهربت منها وفتحت فمها تنوي الافصاح عن رغبتها بمرافقة يوسف ليخونها لسانها وهو يقول ببضع كلمات بسيطة أنها موافقة على الذهاب برفقة أنور لتظهر ابتسامة نصر صغيرة على وجه الأخير ثم يسارع بدفعها أمامه بخفة مشيرا ليوسف بتحية الوداع!!!

 فتح أنور لها باب السيارة لتصعد ثم سارع باغلاق الباب قبل أن يتوجه بدوره الى مقعد السائق فيصعد وما أن أغلق الباب خلفه حتى انطلق بالسيارة دون كلمة واحدة، فيما راقب يوسف اختفاء السيارة عن ناظريه ليهتف بعدها بتقطيبة عميقة:

 – هو إيه أصله دا؟.. أنور شكله اتجنن!!!!..

 وزفر بعدها متجها الى مقعده ليصعد بدوره عائدا حيث مجموعة الراوي لمقابلة غسان وان كان قد قرر القيام بزيارة أناس قد اشتاق اليهم قبل الذهاب لموعده المبرم سابقاً..

 **************

 كان يقود مركزا عينيه على الطريق وان كان يسترق النظر اليها بين حين وآخر، ليقرر خرق الصمت السائد بينهما منذ انطلاقهما بالسيارة، فقال بهدوء:

 – أخبارك إيه دلوقتي، كويسة؟.. 

 رنا وهي تتطلع أمامها:

 – الحمد لله..

 أنور وهو يقبض على المقود بيده اليسرى فيما الأخرى يضعها على فخذه الأيمن:

 – الحمد لله، وأخبار دكتورة فريدة إيه؟..

 لتلتفت إليه محاولة رؤية تعبيره وهي تجيبه بريبة من سؤاله فلا بد أن الأسئلة تراوده عمّا أفصحت هي عنه منذ أيام وكان هو من ضمن الحاضرين:

 – بخير الحمد لله…

 أنور ببساطة مصطنعة:

 – على فكرة والدتك في منتهى الطيبة والاحترام، أنا يمكن ما شوفتهاش الا وقت بسيط جدا لكن هي من الاشخاص اللي بتحسي بالراحة أول ما تشوفيها..

 رنا برد مقتضب:

 – ميرسي..

 اختلس أليها أنور النظر قبل أن يردف متسائلا:

 – وأخبار الوالد العزيز إيه؟.. ليا عنده عشرة طاولة… كلمته اليومين اللي فاتوا بس مش عارف أوصل له..

 رنا بهدوء تنظر من خلال النفاذة الامامية:

 – تلاقيه مشغول ولا حاجة، عموما هبلغه..

 أنور وهو يشعر بأعصابه المتوترة كمن يسير على حبل مشدود فوق مرتفع شاهق:

 – امم.. وأخبار.. كريم!!.. اسمه كريم صح؟.. أخباره إيه؟..

 رمقته رنا بطرف عينها قبل أن تجيبه ببرود رغبة منها بانهاء الحوار الى هذا الحد:

 – كويس الحمد لله…

 وسكتت لتضيف بعدها ولا تعلم أيّ شيطان أوحى لها بما قالته آنفا ولكنها أرادت اغاظته لِمَ ولماذا.. لا تعلم؟…، فأضافت وشبح ابتسامة ماكرة يلوح في عينيها:

 – هبلّغه سلامك لما أشوفه!!..

 لم تكد تنتهي من آخر أحرف عبارتها حتى كان رأس أنور يلتفت اليها بقوة وكادت تقسم أنه عيناه كان يخرج منهما شرر مستطير، ولكنها تماسكت ولم تلتفت إليه، فيما أحجم أنور وبصعوبة عن الرد عليها، محاولا التماسك، وأعاد انتباهه الى الطريق أمامه، مقررا أن التهور والاندفاع ليسا في صالحه إطلاقا حاليا، فليصبر وليحاول لجم أعصابه، وبعدها… وحين يحين الوقت… فليعاقبها على كل ما تسببت له به، فالانتقام طبق يفضل أن يؤكل باردا… وهو سينتقم… سيثأر لقلبه الذي وقع أسير هواها، لتنحره هي بكل برود وهي تقف تعلن للجميع أنها قد وافقت على تلك السمكة الهلامية المسماة بـ “كريم”.. كزوج لها، فأنور زيدان لا يترك ثأره أبدا وبالتأكيد لا يتنازل عن حقه فيما هو له مهما كان.. ورنا حقّه هو، وسينالها وإن رغما عنها!!!!!!!!…

 انطلق رنين هاتفها الشخصي يقطع الصمت السائد بينهما، فرفعته لتزفر بحنق لم يغب عن ذلك القابع بجوارها كمن يجلس فوق صفيح ساخن وهو يسمعها تجيب بصوتها الناعم ليفلت منه المقود وتنحرف السايرة عن طريقها وهو يسمعها تنطق في الكلمة التالية باسم ذاك الكائن الهلامي.. “كريم”!!!!…

 ما أن علمت رنا هوية المتصل حتى تعمدت دفع أكبر كمية ممكنة من البرودة في صوتها وهي ترد عليه، فيما تلعن نفسها في سرها عمّا أوصلت نفسها إليه، فأي شيطان قد تلبسّها وقتها وجعلها تعلن موافقتها على الارتباط بذلك السمج المغرور؟.. ولكنها لن تستمر في تلك المهزلة كثيرا فقد قررت طلبت السماح من والديها وتعلن بعدها رغبتها بفكّ هذا الارتباط..

 قالت ببرود:

 – أيوة يا كريم، لا أنا مش في الشغل، مروّحة دلوقتي.. نعم؟.. يعني إيه ليه دي؟.. أنا حرة… لا اطمن مش تعبانة، يا سيدي والله ما تعبانة، لا مش بعربيتي ما انت عارف أني مش بحب أسوق الا في أضيق الحدود، حاضر.. طيب… لا.. بس…

 ليفاجئها أنور بسحب الهاتف من فوق أذنها فلم تستطع منعه ليصتنت لما يقول ليفاجأ به يقول بصوته الناعم اللزج:

 – يا حبيبي أنا بخاف عليكي، لو تعرفي أنا بحبك أد إيه يا رنا، من وقت ماكلمتيني وبلغتيني موافقتك على جوازنا وأنا حاسس أني طاير لفوق… فوق.. فوق…

 لم يتمالك أنور نفسه وهمس بغلظة من بين أسنانه المطبقة بشدة كادت تطحن ضروسه فيما غضب ناري يعصف بين جوانحه وهو يسمع ذلك يغازل امرأته هو:

 – وهتقع تحت.. تحت.. تحت… على رقبتك تتقصف أن شاء الله!!!…

 حدقت رنا بأنور مصعوقة فيما أردف الأخير بصرامة وكان من الجليّ أن الطرف الآخر من الهاتف يصيح حانقا:

 – هشششش… ولا كلمة، صوتك ما يعلاش، ونصيحة مني… بلاش أشوفك قودامي ولو صدفة… لأني بجد ما أضمنش ممكن أعمل فيك إيه وقتها!!!

 وأتبع كلماته الحادة بانهاء المكالمة دون أن يعطيه المجال للرد فيما طالعته رنا بذهول، قبل أن تهتف به وهي تمد يدها اليه لتتناول هاتفها:

 – انت ازاي تسمح لنفسك تاخد التليفون مني بالشكل دا؟.. اتفضل هات تليفوني ومالكش دعوة بأي حاجة تخصني…

 لم يكلف نفسه عناء النظر اليها فكررت طلبها لهاتفها بصيغة آمرة ليفاجئها بايقاف السايرة فجأة حتى كاد رأسها يرتطم بالزجاج الامامي للسيارة ولكن حماها حزام الأمان حولها، وقال بصرامة:

 – كلمة زيادة مش عاوز أسمع، تسكتي خالص لغاية ما نوصل، وخلي بالك أنا لسه ما حاسبتكيش على اللي عملتيه، والحساب يجمع يا رنا!!!

 ثم أعاد تشغيل المحرك منطلقا بسيارته فيما تراقبه رنا بصدمة وتوجّس وسؤال يدور في ذهنها:

 “هل يا ترى اتسمت نبرة أنور بالملكيّة لها أم أن هذا محض توهّم منها؟”…

 **************

 وصل يوسف الى الطابق الذي يحتوي على غرفة مكتب ندى واتجه بخطوات واثقة اليه، كانت الغرفة الخارجية التابعة لرنا خالية بالطبع فاتجه بثقة الى الباب المفضي الى غرفة ندى، ولكن ما أن اقترب حتى سمع صوتها الناعم وهو يتكلم برسمية فتـَاهَ في نغمات صوتها الملائكي الأشبه بالبلبل المغرّد ليقطب بعدها بريبة وهو يسمع الصوت المقابل لها بخشونته الرجولية الظاهرة!!

 ابتعد خطوتين ما أن سمع اقتراب الأصوات، ووقف على مقربة من الباب، يطالعه بترقب، ليُفتح بعدها وقد ظهر على عتبته ندى بطلّـتها التي سلبت لبّه فارتسمت تلقائيّا ابتسامة حانية على وجهه سرعان ما غابت حين طالعه ذاك الجسد العضليّ الرجولي يقف بجوارها تماما بينما يتبادل صاحبه الكلمات معها وقد وشت نظراته باعجابه الصريح بها فيما تلك الغبية تقف تبتسم له بكل بلاهة وغباء، الأمر الذي كاد يفقده صوابه، فهي لم يسبق لها وأن ابتسمت تلك الابتسامة له ولو بالخطأ منذ أن وقعت عيناه عليها، بينما الآن تقف شاقة فمها من الأذن للأذن بابتسامة كمن يقوم بعمل دعاية لمعجون الأسنان، أو كأنها معجبة بلهاء بتلك الكتلة العضلية الواقفة بجوارها تكاد تغطيها، فيما ذلك الوقح يبادلها الابتسامة بكل أريحية فيما ترسلان اليها عيناه نظرات اعجاب رجل بامرأة.. نظرات لا يمكن أن يخطئ يوسف طاهر في فهم معناها!!..

 انتبهت ندى الى الظل المخيم عليهما لترفع عينيها فتصطدم بنظرات نارية فتراجعت الى الخلف خطوتين بدون وعي منها، هاتفة باسمه بدهشة ثم لم تلبث وأن تماسكت وتقدمت فيما قطب لؤي باستفهام ووقف ينقل عيناه بينهما في انتظار تقديمه الى ذلك الذي يقف يرمقه بنظرات كره واضحة، فقطعت ندى الصمت وقالت وهي تقوم بمهمة التعريف بينهما مشيرة ليوسف:

 – الأستاذ يوسف، مخرج الحملة الاعلانية لأزياء الندى..

 ثم أشارت للؤي:

 – الأستاذ لؤي.. رجل أعمال… و…

 قاطعها لؤي قائلا بابتسامة وهو يرد ليوسف نظراته القوية بأخرى باردة:

 – شريك لمجموعة الراوي حاليا!!!

 ليفتح يوسف عينيه على وسعهما قائلا باستفسار:

 – شريك!!!!..

 ندى ببرود وهي تشيح بعينيها بعيدا عنه:

 – أيوة..

 ثم وجهت حديثها الى لؤي بابتسامة ناعمة:

 – عموما زي ما اتفقنا، خلي المحامي بتاعك يقعد مع الاستاذ ناصر المحامي بتاع الشركة عندنا ويوضبوا العقود عشان نمضيها..

 لؤي بابتسامة جعلت يوسف يتمنى لو يمسحها بقبضة يده القوية:

 – تمام يا ندى، عموما هنتغدى سوا بإذن الله يوم الجمعة ونكمّل كلامنا وقتها…

 ندى والتي علمت من والدتها أن والدته قد قامت بدعوتهم لتناول طعام الغذاء يوم الجمعة القادم:

 – أكيد يا لؤي ان شاء الله..

 فابتسم لؤي وقد أحنى رأسه بتحية الوداع لتبتسم بدورها، ثم مد يده لمصافحة يوسف والذي نظر مطوّلا ليده قبل أن يالقى مصافحته بقبضة قوية أدهشت لؤي والذي ارتسمت ابتسامة ساخرة بعدها على وجهه الرجولي الوسيم وقد فطن الى أن هذا الشاب الذي يقف أمامه لا يعتبر ندى مجرد عميل لديه، بل يكاد يقسم أن مكانتها لديه تتعدى ذلك بمراحل!!!

 ما ان غاب لؤي عن الانظار حتى هتفت ندى بحدة تطالع يوسف بغيظ:

 – أفندم؟.. ممكن أعرف جاي ليه؟..

 نظر اليها يوسف بغموض ليباغتها بالقبض على رسغها ثم سحبها ورائه حتى دلفا الى غرفة مكتبها فسارع بغلق الباب خلفهما، لتقف تطالعه بارتياب، فتقدم ناحيتها بضعة خطوات فتراجعت هي أمامه ما يساويهم وهي تشهر سبابتها هاتفة بتحذير وان ارتعش صوتها رغما عنها:

 – أقدر أعرف انت فاكر نفسك بتعمل إيه بالظبط؟.. ازاي تسمح لنفسك تتهجم عليا بالشكل دا؟..

 وقف يوسف مكانه ورفع يديه الى أعلى قائلا ببراءة مصطنعة:

 – أتهجم؟.. هو انا جيت ناحيتك من أساسه؟!!!.. انتي بتتبلي عليّا يا أستاذة؟!!!

 صاحت ندى وقد طغى الاحمرار على وجهها غيظا وحنقا:

 – أومال تسميه إيه وانت بتسحبني وراك لغاية هنا وتقفل الباب وراك بالشكل دا؟.. بقولك إيه.. من الآخر.. أنت مجرد مخرج اعلانات للحملة بتاعتنا، كل كلامك مع غسان، أنا ماليش دعوة.. واتفضل دلوقتي بقه من غير مطرود!!…

 نظر اليها لوهلة في صمت تام ثم ما لبث أن اقترب منها ببطء كالليث الذي يدنو من فريسته، مسلطا عيناه عليها لتصيبها نظراته بالخوف الذي حاولت ابعاد شبحه عنها، وتراجعت خطوة الى الوراء ولكنها لم تستطع الابتعاد أكثر من ذلك إذ سرعان ما قبض على رسغها وشدها ناحيته بقوة جعلتها تطلق شهقة ألم صغيرة ما لبثت أن كتمها في حنايا صدره حيث ارتطم رأسها به، رفعت عينيها تطالعه بغضب لتنطفئ شعلة غضبها وهي تواجه صورتها المنعكسة بين فحم عينيه المشتعل، فيما تشعر بنيران أخرى تندلع في قاعهما، ليست أبدا بنيران كره أو غضب، بل هي نيران أخرى، نيران تكاد تجزم أن حرارتها لا تحرق.. ولكنها تضرم في القلب لتنتشر في سائر الجسد كما النار في الهشيم فتجعلك ترغب بمزيد من لهيبها الذي لا ينطفئ، نيران لا تعلم مسمى لها ولا تريد أن تعلم، ولكنها شعرت بالخوف منها، فحاولت جذب معصمها من يده دون طائل، فيما شعر هو بملمس رسغها بين أصابعه كمن يقبض على جمر من اللهب، فنعومة بشرتها قد أشعلت داخله كمن أضرم النار في الهشيم، ليتحسس ابهامه بدون وعي منه ظاهر يدها فتطالعه بنظرات حائرة دون أن تعي ترجوه في صمت أن يتوقف عمّا يثيره فيها من أحاسيس لا تعلم لها مسمى، فهي وأن كانت قد سبق لها الارتباط ولكنها أبدا لم تشعر بتلك الفوضى التي تداهم سائر حواسها وبكل قوة، فيما غاب عنها ذلك البركان الذي يفور كالمرجل بداخل هذا الذي يقف أمامها يطالعها بنظرات ترتشف جمالها أنشاً أنشاً.. مهدد بلفظ حممه البركانية لتحرق أحشائه التي تتلوى رغبة في الشعور بدفئها ثانية بين ذراعيه، واستنشاق أنفاسها العبقة التي تضاهي أفخم العطور وأثمنها، كانت هي أول من تحدث لتقطع لغة العيون التي تفصح عما بداخل كل منهما فيما جَبُنَ أصحابها عن التصريح علانية بكل ما يعتمل بداخل كلٍّ منهما هامسة بنعومة لم تقصدها:

 – يوسف.. ممكن تسيب إيدي!!..

 ليغمض عينيه متلذذا باسمه التي نطقته شفتيها، قبل لأن يفتحهما لينظر الى رسغها الذي طغى عليه اللون الأحمر من أثر قبضته، ليفاجئها وهو يرفع يدها مقبلا رسغها برقة وحنان فيما خدشت نعومة بشرتها ذقنه الغير مشذبة، لتشهق بنعومة جعلته يخفض يدها ويغمض عينيه يسحب أنفاسا عميقة قبل أن يفتحهما ناظرا اليها بعينين أشاعت الاضطراب بداخلها بينما تحدث بصوت خشن أجش:

 – عمري ما كنت أتصور أنه اسمي يبقى حلو أوي كدا…

 ابتلعت ريقها بصعوبة ثم قالت وهي تشيح بعينيها جانبا:

 – يوسف أرجوك.. أنا مش بحب كدا…

 فمال عليها يهمس في أذنها:

 – ما تحاوليش يا ندى، لقائنا دا شيء قدري، مش هتقدر تقفي في وشّه، وصدقيني هتتعبي أوي لو صممت انك تصدّيه… القدر مش بيتعاند يا ندى…. وأنت قدري… تمام زي ما أنا قدرك… 

 رفعت ندى عينيها تطالعه في ذهول تهمس بوجل فيما شعرت بخوف يمسك بتلابيب صدرها:

 – قصدك إيه؟.. أنا.. أنا مش فاهمه أنت عاوز تقول إيه، لكن اللي أنا فاهماه حاجة واحدة… أني مش عاوزة دا… أنا عجبني حياتي كدا، ومش عاوزاها تتغيّر.. أنا راضية بحياتي.. فياريت ما تحاولش تضغط عليا، أنا مش عارفة ليه أنا بالذات، أنت عندك بدل البنت ألف، ومتأكدة أنهم هيكونوا أكتر من مرحبين بك، لكن أنا.. لأ، أنا خلاص يا يوسف، تأقلمت مع الفراق، وحبيت وحدتي، دا غير أنه فيه أنسان مستنيني، أنسان أنا وعدته أني عمري ما هكون لغيره ولو حتى بالتفكير، وأنا عمري ما نقضت وعد ولا خنت، عيش حياتك وابعد عني، أنا مش لك ولا لأي حد تاني…

 طالعها يوسف في صمت دام لثوان خالتهم دقائق طويلة قبل أن يتحدث وهو يزرع عيناه في عينيها فيما اصطبغ صوته بجدية تامة وعزيمة لا تنضب:

 – اسمعي بقه عشان أنا مش هكرر كلامي تاني… أنا مـ ش هـ بـ عـِ دْ – مشددا على حروف كلمته – ومش هسمح لك انك تبعدي، اللي حصل بيننا محدش يقدر يقف قودامه، وعشان أكون واضح معاكي وصريح.. افهمي كلامي اللي هقوله دا كويس أوي.. أنت مش نزوة، ومافيش بنات بعدك، أنا ناوي أكمل معاكي للآخر… وحطي تحت كلمة آخر دي ألف خط بالأحمر… عارفة يعني إيه آخر؟.. يعني آخر الآخر كمان!!!..

 قطبت ندى وتعالت دقات قلبها تطرق بين جنباتها بخوف فيما شعرت بجفاف ريقها وهمست بشحوب بالغ:

 – يعني إيه؟..

 يوسف بهدوء وثقة تامة:

 – اللي فهمتيه، أنا… يوسف طاهر… مش هبعد عن قطر الندى الراوي… احنا الاتنين مصيرنا بقه واحد، طرقنا اتلاقيت ومش هتفترق ولا هسمح لحد أنه يفرقها حتى لو كان الحد دا أسم كان موجود بيننا في يوم من الأيام، أو كان الشبح دا أنت شخصيّاً!!!!…

 نظرت اليه في ذهول صامت ليرفع يدها لاثما ظهرها في قبلة خفيفة ولكنها تركت أثرا لديها فشعرت كمن لسعته نارا محرقة، ثم أخفض يدها ونظر اليها تدغدغها عيناه وأردف بصوت أجش:

 – هشوفك تاني أكيد، خلِّي بالك من نفسك….

 وتركها وابتعد متجها للخروج فيما راقبته هي حتى فتح الباب ووقف أمامه ينظر اليها بابتسامة مهلكة ورفع يده مشيرا لها بتحية الوداع قبل أن يلقي إليها بقبلة في الهواء كانت ككوب من الماء المثلج ألقي في وجهها ليوقظها من شرودها الواضح، فاحمر وجهها خجلا وغيظا فيما غمزها هو بمكر وخرج مغلقا الباب خلفه بهدوء بينما هتفت هي بدهشة من جرأته اللا متناهية:

 – مجنون…. الراجل دا أكيد مجنون!!!!!!!! 

 – يتبع-

+

   





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى