Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل الثامن 8 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

+

                              

الفصل (8)

+

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

+

                              

رقدت ندى فوق فراشها الوثير تتطلع الى نقوش السقف فوقها بينما تسيل دمعات صامتة تجري فوق وجنتيها المرمريتين، صوت دقات على باب غرفتها أخرجها من شرودها الحزين، أعقبه دخول الطارق ليعلو صوتا ناعما يقول:

+

                              

– حمد لله على السلامة يا نادو، كدا بردو تخضينا عليكي..

+

                              

لفّت ندى وجهها ليطالعها وجه صديقتها الباسم، والتي قطبت ما إن شاهدت آثار الدموع فوق وجهها، لتدنو منها وهي تردف بقلق:

+

                              

– مالك حبيبتي؟.. في حاجة بتوجعّك؟.. أقول لطنط كريمة؟…

+

                              

ندى بتعب:

+

                              

– لا يا رنا، ما تقوليش لماما.. شوية تعب وهبقى كويسة إن شاء الله..

+

                              

نظرت اليها رنا بتشكك قبل أن تجلس على طرف الفراش بجوارها وتقول باهتمام تجلى في نبرتها وفي نظرات عينيها الكهرمانيتين:

+

                              

– أومال ليه الدموع اللي أنا شايفاها دي؟..

+

                              

تطلعت اليها رنا في سكون قبل أن تحيد بوجهها الى الناحية الأخرى، فزفرت رنا بأسى وتابعت:

+

                              

– ندى يا حبيبتي، أنتي عارفة كويس أنك أختي مش صاحبتي وبس، عشان خاطري لو حاجة ضايقتك قوليلي، انتي ما تتصوريش أنا كنت هتجنن من القلق عليكي إزاي لما وقعت من طولك قودامي، وأنور.. أنور خوفه عليكي كان هيموّته، والحمد لله أنه كان بيركن عربيته قودام الشركة وقت ما حصل اللي حصل وعشان كدا جالنا بسرعة، والحمد لله ما صدقنا فوقتي والدكتور طمنّا أنه ضغطك نوعا ما بقه كويّس وجبناكي وجينا على البيت وأنور قال لطنط وأونكل أنك تعبتي شوية عشان ما بتكليش كويس وأنه كان عندنا في الشركة وعشان كدا هو اللي جابنا هنا، ما رضيناش نقولهم حكاية الاغماء والدكتور عشان عارفين كويس هيقلقوا عليكي إزاي، فعشان خاطري يا ندى.. أوعي تسيبي نفسك للحزن، كفاية المرة اللي فاتت، طنط كريمة وعمو عز مش هيقدروا يستحملوا زي الأول، فضفضي يا ندى، أنا صاحبتك، وتأكدي اللي هتقوليه مش هيخرج منه حرف لأي مخلوق مهما كان… بس اتكلمي.. قولي.

+

                              

طالعتها ندى وزفرت بتعب قبل أن تهمس بضعف:

+

                              

– عاوزاني أقول إيه بالظبط يا رنا؟..

+

                              

رنا بيأس:

+

                              

– قولي كل اللي جواكي، عرفيني سبب اللي حصل لك دا إيه؟.. يوسف قالك إيه وصّلك للحالة اللي أنتي فيها دي؟…

+

                              

ما أن نطقت رنا باسمه حتى اكفهر وجه ندى وغامت عيناها بنظرة كره وحقد واضحة، ولكن هناك… في أعماقها.. كانت جذوة صغيرة من النيران تشتعل ببطء، رويداً رويداً.. فكان اسمه كفيلاً بإرسال رجفة صغيرة في داخلها، وتحديدا بداخل تجويفها الصدري حيث يكمن ذاك القلب الذي نذرته هي لحبيبها الراحل، لتفسر تلك الرجفة بأنها من شدة غضبها منه ذلك الصفيق، لتهجمّه الوقح عليها، مخرسة وبكل قوة صوتا ضعيفا يئن من قلبها المغلوب على أمره بأنه أبدا لم يكن ارتجاف كره، بل…. رعشة ترقّب و.. خوف!!!!!..

+

       

                

أرغمت هذا الصوت بداخلها على السكوت وهي تنهره هاتفة بشدة أنها ما هي إلا رعشة… كره واشمئزاز تاااام ليس إلّا!!!… وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها حينما سكت هذا الصوت المتخاذل حتى وإن كان سكوته ذاك قسرا ولكنه رضخ لارادتها هي… فيوسف طاهر ما هو سوى وقح مغرور متعجرف، وهي ستعمل على الابتعاد عنه تماما ونهائيا في المستقبل، لا لشيء سوى احتراما لخاتم الرجل الذي يزين بنصرها ولذكرى حبيبها الراحل الذي تنتظر موعد رحيلها إليه، كي يجتمعان إلى الأبد حيث لا فراق بعد ذلك!!..

+

لاحظت رنا ابتسامة صديقتها فقالت بابتسامة مترددة:

+

– خير إن شاء الله، طالما ابتسمت يبقى أكيد مزاجك بقه أحسن.. ممكن بقه تقوليلي إيه اللي حصل؟..

+

التفتت اليها ندى وقالت وقد نفضت عنها ضعفها وحزنها:

+

– اللي فيّا أنا السبب فيه مش أي حد تاني، انا اللي ما احترمتش غياب معتز، ونسيت نفسي ومشيت ورا استفزاز واحد متهور ومغرور، سمحت له أنه يستفزني ويطلع أسوأ ما فيّا، لكن خلاص، من هنا ورايح هعرف أخليه يلزم حدوده كويّس أوي، كان غلطي أني ما بعدتش عنه من الأول وأنا عارفة أنه شخصيته جريئة وبجحة كمان!!…

+

رنا بتساؤل:

+

– عارفة؟.. عارفة منين يا ندى؟..

+

ندى بشبح ابتسامة ساخرة:

+

– انتي ناسية أنه أنتيم أنور ابن خالتي؟.. وقبلها كان تقريبا شبه مقيم عندهم وكان معتز تقريبا محتضنه، أنور كتير كان بيتكلم عنه ولو على السريع كدا، ولما كنت بزور طنط فاطيما ما كان لها كلام غير عليه، أيامها أنا كنت لسه في ثانوي، وبعدين كبرت واتخطبت لمعتز الله يرحمه، وكتير كان يتكلم معايا عن الظلم وإزاي يقدر يغير حياة انسان 180 درجة ولما كنت أسأله اللي يسمعه يقول أنه فيه حد يعرفه اتظلم، كان يتنهد ويقول لي للأسف آه.. صاحب أنور، وأنا بعتبره أكتر من أخ ليا، لكن عمره ما شرح لي تفاصيل، وما كنش صعب أني أجمع 1+1=2، عشان أعرف أنه هو دا صاحبهم اللي ياما كلموني عنه، النهاية أني مش عاوزة أتعامل معه خالص بعد كدا، أنا واحدة شايله اسم راجل بحبه جدا، وعمري ما هخون الاسم دا ولو بالتفكير حتى!!..

+

نهضت رنا عن الفراش وقالت بتردد وخوف من ردة فعل ندى فيما رسمت ابتسامة خفيفة على وجهها:

+

– خيانة!!!… خيانة إيه بس يا نادو؟. وبعدين يا حبيبتي معتز الله يرحمه اتوفى، يبقى اسم إيه اللي انتي شايلاه بس؟!!!

+

فتحت ندى عينيها على وسعهما وهتفت بسخط بينما تحاول النهوض من الفراش:

+

– رنا!!!!!!!!!… انت بتقولي إيه؟… انتي اللي بتتكلمي كدا يا رنا؟..

+

قامت ندى واقتربت من رنا بخطوات ضعيفة متعثرة ولكنها حاولت التماسك فيما دنت منها رنا ووقفت أمامها ومدت يدها تحاول التربيت على كتفها وهي تقول:

+

        

          

                

– يا حبيبتي مش قصدي، أنا بس مش عاوزاكي تشيلي ذنب حاجة ما حصلتش، كلمة خيانة صعبة أوي يا ندى ما توصلش انك تقولي كدا!!!

+

نفضت ندى يدها من عليها وهتفت بلوم وعتاب بينما الدموع تترقرق في عينيها العنبريتين:

+

– حتى أنت يا رنا!!!!… من يومين ماما تتخانق معايا خناقة طويلة عريضة عشان نفس الموضوع وانت دلوقتي بتعيدي نفس كلامها ولو بطرقة تانية، افهميني.. افهموني كلكم… أنا مش مجنونة… أنا واحدة حبيت إنسان حبني هو حب ما أقدرش أتخيّله…

+

سكتت قليلا تبتلع دموعها قبل أن تواصل وقد أغرقت مآساتها التي تهطل من عينيها وجهها:

+

– عارفة يعني إيه واحد يفضّلك حتى على نفسه؟.. أي حاجة كنت عاوزاها كان بيعملها لي، حتى لما كان بيبقى فيه حاجة وأنا رأيي غير رأيه كان بيوافق على رأيي ويقولي لي بضحك “أعمل إيه أنا اللي قعدت أدلّع فيكي لغاية ما بوظتك على رأي خالتي!!”..

+

استدارت توليها ظهرها وتابعت بشرود وقد تداعت ذكرياتها معه أمامها لتختلط ابتسامتها بدموعها:

+

– عارفة يعني إيه تكوني شايله مشاعرك كلها جوّاكي للانسان اللي ربنا يجمعك بيه في الحلال، حتى لو كنتِ بينك وبين نفسك بتحبيه، ومبهورة بيه، ولما دا يتحقق وربنا يرزقكم ببعض، تكتشفي أنه مشاعره بِكْر زيّك!!!.. أنه بردو كان شايل كل كلام الحب لحبيبته اللي ربنا هيجمعه بيها في الحلال..

+

لفّت تواجه رنا وهي تردف مشيرة الى نفسها بسبابتها اليمنى:

+

– أنا كنت أول حب وآخر حب في حياة معتز، عمره ما قال كلمة بحبك لواحدة غيري، عمر ما ابتسم لغيري، عمره ما شاف غيري تنفع تكون مراته وحبيبته، أنا كنت بنته وحبيبته وصاحبته ومراته وأحيانا كمان أمه!!.. وهو كان كل شيء بالنسبة لي، كان صاحبي اللي مش بتكسف منه، وكان أخويا اللي بتحامى فيه، وكان أبويا سندي وضهري وعزوتي، وكان حبيبي.. اللي بيدفي أيامي وقلبي بحبه ليّا.. واحد زي دا عاوزاني أنساه وأقول الحي أبقى من الميّت وأعيش حياتي عادي كدا؟.. انتي بتقولي أنه كلمة خيانه صعبة أوي بس دا اللي هيحصل لو ارتبطت بشخص تاني غير معتز، لأني في كل مرة هقارن بينهم، وأنا متأكدة أنه نتيجة المقارنة مش هتبقى في صالح الشخص التاني أبدا، وهبقى طبعا خاينة ما أنا بفكّر في واحد تاني وأنا خلاص ارتبطت بإنسان تاني فعلا، حتى لو كان التاني اللي بفكر فيه دا…. مات!!!!!..

1

وأغمضت عينيها في تعب ما إن أنهت حديثها المشبع بحزنها، لتشعر بذراعي رنا تلتف حولها فرمت بنفسها بين أحضان صاحبتها تبكي لوعة فراق الحبيب، وحزنا على حالها، و…. خوفا مما تحمله لها الأيام… لأنها وفي قرار نفسها تعلم أنها قد دفعت بنفسها الى بحر هائج متلاطم الأمواج، ولا تعلم إن كانت ستنجو وترسو على برّ الأمان أم أن أمواجه الهادرة ستبتلعها لتغرقها في دواماته العنيفة!!!..

+

        

          

                

كانت رنا أول من تحدثت بعد انفجار ندى القوي، حيث انتظرت الى أن هدأت ثم همست تمزح متعمدة راغبة في تغيير مزاج صاحبتها:

+

– طب إيه بقه؟.. ناوية تأكليني النجرسكو ولّا كل الفيلم دا عشان تاكليه عليّا؟..

+

ضحكت ندى ضحكة مشروخة من وسط دموعها وابتعدت عن رنا وأجابتها وهى تخبطها بخفة بيدها على كتفها:

+

– لا يا ختي، ما تخافيش، هتتغدي وتتعشي كمان نجرسكو، إيه رأيك بقه؟..

+

رنا باعتراض:

+

– معلهش يا نادو، انتى عارفة أنه ماما راجعه بكرة ان شاء الله الصبح من السفر، وأنا اتفقت مع بابا أنى أروح أشوف الشقة، سعدية راحت نضفتها انهرده، بعد ما كلمتها امبارح وقلت لها، لكن الشقة مقفولة بقالها أكتر من أسبوعين فناقصها طلبات كتير، وأنا مروّحة من عندك هفوت أشتريهم ان شاء الله، وعشان كدا جيت الشغل انهرده بالعربية، ما انتي عارفة انى ما بحبش السواقة.. الشوارع تخنق والسواقة بقيت صعبة أوي..

+

ندى بهزة رأس موافقة:

+

– آه، ما انتى رفضت تركبي معنا أنا وأنور وهو جايبني من الشركة وجيتي بعربيتك، طيب بصي يا ستي نتغدى ونخرج سوا أنا زهقانه وعاوزة أغير مودي، نشتري طلباتك ونروح نتعشى في المكان اللي تختاريه..

+

قطعت حديثها لتلمع عينيها بحماس هاتفة:

+

– إيه رأيك يا روني نروح الحسين؟.. بقالي زماااان ما روحتوش، المكان هناك بجد بينسيني كل همومي، ونصلي هناك في المسجد، وناكل حب العزيز، إيه رأيك؟..

4

رنا بضحك وقد فرحت لحماس صديقتها وتغير مزاجها الى الأفضل:

+

– يا سلاااااام… 100 100 يا نادو، هو دا الكلام، طيب ياللا حضرتك ادخلي اغسلي وشّك وغيري أحسن ابن خالتك زمانه حِمِضْ برّه دلوقتي…

+

شهقت ندى وهتفت متعجبة:

+

– أنور لسّه برّه؟!!

+

رنا ساخرة:

+

– طبعا، ما هو قالي انه حضرتك عزمتيه ع الغدا، وأنه قتيل صينية النجرسكو انهرده، دا مستحلف لها، هتتاكل يعني هتتاكل..

+

انطلقت ضحكة ندى والتي نفضت عنها الباقي من حزنها قبل أن تقول وهي تتجه الى غرفة تبديل الثياب:

+

– طيب ثواني هاخد شاور ونروح نتغدى على طول، تلاقيه مستني على نار!!..

+

انتهت ندى من اغتسالها ثم دلفت الى غرفة تبديل الثياب فيما كانت رنا تجلس تتصفح في هاتفها حينما نادتها ندى بعد انتهائها من ارتداء ثيابها فرفعت الأخيرة رأسها لتفاجأ بما تراه أمامها، نهضت ببطء عن مقعدها وقالت بابتسامة شاحبة لم تنتبه اليها ندى بينما  تقترب من الأخيرة بخطوات بطيئة:

+

– ياااه.. لسّه الفستان دا عندك؟..

+

ندى وهي تسير حتى وقفت أمام مرآة الزينة تطالع نفسها وتضبط وضع وشاحها الرمادي المطعّم بورود بنفسجية اللون:

+

        

          

                

– طبعا يا بنتي، وبعدين موديله حلو أوي، لو لبسته في أي وقت عمره ما يبقى موضة قديمة!!..

+

طالعت رنا صورة صديقتها المنعكسة في المرآة أمامها، بفستانها من الحرير الطبيعي بلونه البنفسجي الغامق والذي يصل الى كاحلها، فيما يضيق من جزئه العلوي حتى الخصر لينسدل على اتساع بعدها، بينما يطعمّه من الأسفل اللون الورديّ والرماديّ الفاتح والأبيض، وبدون أكمام لتعلوه سترة قصيرة تصل الى ما تحت الصدر بلونها الرمادي الذي يماثل نفس اللون في أسفل الفستان، بأكمام طويلة ومحكمة على جذعها العلوي، وتركت السترة مفتوحة ليظهر شكل الفستان وسلسلتها الطويلة من الذهب الأبيض التي تتدلى منها حلية على هيئة قلب مجوف مطعم بفصوص من الألماس، يحمل هذا القلب بداخله صورة لها هي ومعتز في حفل عقد قرآنهما، وغطت شعرها بوشاح حريري باللون الرمادي الفاتح مطرز بورود بنفسجية اللون، وبالطبع لم تنس ارتداء دبلتها الماسية، وقد انتعلت في قدمها حذاءا فضيّ اللون ذو كعب متوسط، ولم تضع أي زينة، فكانت عيناها تلمعان وان كان لا يزال وجهها يحمل أثر شحوبا واضح..

+

رنا بابتسامة مهزوزة:

+

– أصلي ما شوفتش الفستان دا عليكي من زمان..

+

ندى وهي تلتفت اليها تحاول الهروب من نظرات صديقتها المتسائلة وببراءة مزيفة:

+

– عادي يعني، ياللا بينا بقه، عشان عاوزة أنور يوديني مشوار قبل ما أنزل معاكي نشتري الطلبات ونروح الحسين، بس الأول كلمتي عمي عبد العزيز؟..

+

رنا بشرود:

+

– آه طبعا، وبيسلم عليكي..

+

ندى بابتسامة وهي تتجه الى باب الغرفة:

+

– الله يسلمه، ياللا بقه أحسن زمان أنور هيبعت لنا فرقة تفتيش.. أنا عارفاه لما بيجوع ما بيصبرش..

+

وانصرفت لتلحق بها رنا والتي وقفت لثوان تنظر الى الباب حيث اختفت ندى وهمست بصوت منخفض:

+

– أنا متأكدة أنهم لما هيشوفوكي دلوقتي هيحصلهم ذهول تمام زي اللي حصل لي، وهيفهموا  اللي بتحاولي تعمليه، واضح جدا انك بتحاولي تحاوطي نفسك بمعتز وذكرياتكم سوا، الفستان دا كان آخر فستان معتز جابهولك في آخر عيد ميلاد ليكي حضره معاكي، قبل ما يموت بشهور تقريبا، دي ألوانه المفضلة، البنفسجي والرمادي، كنتِ دايما بتلبسيه بعد ما طنط صممت وخليتك قلعتي الأسود بالعافية، كنت بتقوليلي أنك بتحسي بيه أنه معاكي لأنه كان بيحب الفستان دا أوي، وبقالك مدة طويلة جدا ما لبستهوش، كون أنك ترجعي تلبسيه انهرده يبقى دا معنى شيء واحد بس.. انك خايفة يا ندى، وان يوسف قدر يحرك جوّاكي حاجات مسببة لك القلق والخوف حتى لو كانت الحاجات دي العنِد والكره.. لكن ابتديتي تطلعي من الشرنقة اللي غلفتي نفسك بيها وتحسي بالحياة، تتغاظي وتغيظي، تتنرفزي وتفكري إزاي تردي له اللي بيعمله فيكي، كون أنه شغل تفكيرك حتى لو عشان تنتقمي منه دا في حد ذاته انجاز… يبقى أنا كنت صح!.. جُو هو الحل الوحيد عشان تخرجي للدنيا تاني، لكن واضح جدا أنه الموضوع مش هيكون سهل أبداً، خصوصا وأنتى محاوطة نفسك بمعتز وبذكرياته كلها، بس المهم يوسف نفسه دلوقتي!!.. يا ترى هيشوف أنه المقابل يستحق اللي هيمر بيه، ولّا هيكبّر دماغه ويطنّش!!!

 ضربت رنا بسبابتها على ذقنها في شرود وهمست:

+

        

          

                

– هو دا السؤال… يوسف!!.. بس نعرف إزاي؟… 

+

لتبتسم هامسة ببريق في عينيها:

+

– نراقبه!!.. وما فيش مانع من كم اختبار صغيرين كدا عشان نشوف نظراته ليها شكلها إيه؟.. ونعرف بالظبط ندى عنده إيه؟.. هما مش بيقولوا العينين متعرفش تكدب؟.. 

+

ثم ضحكت هاتفة بحماس:

+

– هي عينيك يا جُو اللي هتعرّفني إيه اللي في دماغك بالظبط بالنسبة لندى!!…

+

 *****************************

+

تعالى صوت رنين جرس الباب بالحاح شديد وكأن من بالخارج قد التصق اصبعه به، بينما سمع صوت خطوات تقترب من الباب وصوتا ينادي عاليا:

+

– خلاص يا أنور جاي، اصبر ثواني…

+

وأردف يوسف وهو يدير مقبض الباب لفتحه:

+

– أنا عارف إيه اللي خلّاني أقولك على مكاني لما كلمتني في التليفون، مش عارف إيه الصداع اللي…..

+

وبتر عبارته وقد فوجئ بهذا الاعصار الذي هبّ في وجهه ما إن أدار مقبض الباب، فقد دفع أنور الباب بقوة ودلف صافقا الباب خلفه بعنف، نظر اليه يوسف بدهشة غاضبة وهتف به حانقا:

+

– إيه يا بني آدم أنت؟.. فيه حد يدخل بالشكل دا.. أنت….

+

ولكنه لم يستطع إكمال عبارته فقد عاجلته لكمة قوية من أنور جعلته يرتد الى الوراء بضعة خطوات حتى كاد أن يقع ولكنه ولضخامة جسمه فقد ثبّت قديمه في الأرض جيدا، مسح يوسف خيطا رفيعا من الدماء سال من زاوية فمه، وهو ينظر الى أنور في صدمة، في حين وقف أمامه أنور وهو يلهث من شدة الغضب ورفع سبابته يهمس له مهددا:

+

– قلت لك قبل كدا يا جو… ندى.. لأ!!!!…

+

لتتوسع حدقتا الأخير في ذهول ودهشة ممتزجان بغضب عاصف ما إن سمع اسم ندى، لتحمر عيناه غيظا وكمدا، ويقبض على يديه في قوة شديدة، ويشتد فكه في خيط رفيع أبيض دليلا على قوة غضبه الذي يكاد يفتك بمن يعترض طريقه، ثم دنا منه على مهل ووقف أمامه وتحدث بهدوء يشبه ذاك الذي يسبق العاصفة بينما صدره يعلو وينخفض دليلا على مدى كبته لنيران غضبه الوحشي:

+

– وأنا بقولك يا أنور…. إلّا…. ندى!!!… ندى خط أحمر بالنسبة لي… اوعى تفكّر تتخطاه!!!..

+

حدق فيه أنور بدهشة فائقة قبل أن يهتف به في حنق وهو يدفعه في صدره بقوة:

+

– يا بني آدم افهم… ندى مش حمل صدمة تانية، كفاية اللي أنت عملته فيها واللي أنا لسّه معرفش هوّ إيه ووصّلها لكدا… أنا مش هستنى لما أشوفها بتنهار قودامي تاني!!!

+

قطب يوسف وقد انتفض داخله في قلق رهيب عصف به، شعور لم يختبره منذ أمد بعيد، وتحديدا منذ سماعه خبر مقتل عائلته، فتطلع الى أنور وقد هرب الدم من وجهه وسأله بتوجس وعقدة جبينه تتعمق راسمة خطوط كثيرة بين حاجبيه الكثّين:

+

        

          

                

– وهي إيه كدا دي اللي وصلت لها؟..

+

لم يجبه أنور بل اكتفى بالنظر اليه في صمت فهدر يوسف والذي وصل قلقه مداه هاتفا بغضب:

+

– ما تنطق يا بني آدم!!… إيه اللي حصل لندى؟..

+

نظر أنور إليه ببرود شديد وإن كان عقله يعمل كالمكوك محاولا تحليل حالة صديقه الغريبة والتي ربما يراه عليها لأول مرة، فذلك الرعب الذي يشعر به تكاد تهتف به عيناه لم يسبق له وأن رآه على يوسف طاهر من قبل، ولكن ما يراه عليه الآن يثبت أن نظرية رنا صحيحة، وأن يوسف هو الحل الأمثل لخروج ندى من شرنقتها، ومع أنه كان قد وافقها وإن بتحفظ في وقت سابق اليوم، ولكن ما حدث بعدها ورؤيته لندى في ذلك الثوب ثم المكان الذي اصطحبها إليه كل هذه الأمور مجتمعة جعلته يصرف نظر عن الموضوع برمّته، ويبلغ رنا بهذا ولكن الأخيرة لا تزال تتشبث برأيها وأخبرته أنه السبيل الوحيد، فها هي ندى تشحذ أسلحتها وتتقوقع أكثر من ذي قبل، فقط لاحساسها بخطورة تواجدها بالقرب من يوسف حتى وإن أنكرت، المهم الآن التأكد من يوسف نفسه، وطلبت منه أن يراقب تعبيرات يوسف جيدا إذا ما شاهد ندى أو أتى هو على ذِكرها أمامه، وعندما علمت منه أنه سيذهب إليه أخبرته أن يرمي إليه عدة كلمات تشي بحالة ندى الراهنة ويراقب جيدا ردود أفعاله، فهو كاختبار بسيط لهم، ولا تزال الاختبارات تتوالى، فهما لن يدعا ندى لتتأذى، فهما يريدان علاجها لا انتكاستها، ويوسف طاهر هو العلاج ولكن…. لا بد من التأكد من مدى صلاحية وفاعلية ذلك العلاج!!..

+

أيقظه من شروده صوت يوسف الساخط وهو يهتف به:

+

– انتي يا بني آدم ما بتردش عليّا ليه؟.. ندى جرى لها إيه؟…

+

أنور بجمود:

+

– أنت عارف أنا جاي منين دلوقتي؟..

+

هز يوسف رأسه بنفي وهو يطالعه بريبة وشك، في حين أردف أنور بجموده ذاك:

+

– من المقابر يا يوسف!.. عارف ندى من أمتى ما زارتهاش؟…

+

حركة بطيئة في حلق يوسف وهو يبتلع ريقه أوشت بتوتره الفائق في حين واصل أنور:

+

– ندى مش بتروح إلا في مناسبات معينة، وآخر مرة كان يوم الحادثة!.. يوم ما عربيتها خبطت في عربيتك.. أظن فاكر؟.. ندى لما بتمر بانفعال نفسي معين بتجري على هناك، ومن يومها وهي ما راحتش، إيه اللي خلّاها تروح انهرده؟.. ومش بس كدا… ندى رجعت زي أيام المرحوم… وبالتحديد بعد شفاها من انهيارها النفسي ورجوع صوتها ليها تاني، كانت محاوطة نفسها بذكرياتها مع معتز الله يرحمه، لدرجة لِبسها نفسه.. وانهرده أنا شوفت ندى دي!!.. شوفتها وهي بتهرب داخل ذكرياتها مع أخويا الله يرحمه، تقدر تقولي ليه؟.. إيه اللي حصل بينكم بالظبط يا يوسف؟…

+

لم يحر يوسف جوابا في البداية ومكث يطالعه بغموض حتى إذا ما تحدث قال ببرود صقيعي:

+

– الضربة اللي أخدتها منك أول ما فتحت الباب ما فكرتش أني أردهالك، كل اللي شغلني هو إيه سببها.. لكن دلوقتي…..

+

        

          

                

وترك باقي عبارته معلقة لدقيقة قبل أن تنطلق قبضة يده اليمنى في قذيفة أطاحت بأنور إلى الخلف وهو يتأوه بألم شديد، ووضع يده مكان اللكمة بعد ذلك، معتدلا في وقفته وهو يهتف بذهول وصدمة:

+

– انت اتجننت يا يوسف؟!!!!…

+

وكأن الأخير لم يسمع سؤاله ذلك فقد أردف بحزم شديد:

+

– دي عشان خاطر ندى، عشان غباءك..

+

ثم رفع سبابته مهددا متابعا:

+

– ومن اللحظة دي.. مالكش دعوه بندى خالص، واضح جدا أنك مش بتعرف تشغّل عقلك في أي شيء تكون هي طرف فيه، والنتيجة اللي أنت شوفتها وجاي بكل بجاحة تسألني إيه اللي حصل، متعرفش يا أستاذ أنه بعملتك المهببة دي خليتها تتعب بزيادة؟.. خلِّيت حالتها تبقى أصعب من الأول؟!!.. هي كلمة واحدة يا أنور… من انهرده، لا.. من دلوقتي… شيل إيدك خالص منها، مش هقولك طبعا تتهرب منها، لكن أي حاجة تخصّ ندى فهي تخصني أنا بالمقام الأول، يعني ما تتحركش خطوة واحدة في أي أمر يتعلق بيها إلا بعد ما أعرف أنا وأقول آه أو لأ… مفهوم؟!!!!!!!

+

لو كان يوسف في حالته الطبيعية لكان أغشي عليه من فرط الضحك لمرأى صديقه في حالته تلك!!.. فقد ارتسم على وجه أنور تعبيرا يجمع بين البلاهة والغباء وقد نسي ألمه من لكمة يوسف القوية ووقف فاغرا فاه في ذهول شديد وكأنه يرى أمامه كائن خرافي قد نبت له سبعة أرجل وثمانية رؤوس!!!!!!..

+

هزّ أنور برأسه عدة مرات الى اليمين واليسار وكأنه يريد الاستيقاظ مما هو فيه، قبل أن يقول بذهول:

+

– أنت قلت إيه تاني كدا؟.. أنا.. – مشيرا الى نفسه بسبابته – ابن خالتها، أبعد عنها خالص، ومش بس كدا.. لأ… أي حاجة تخصّها آخد رأيك أنت – مشيرا إلى يوسف بذات السبابة – الأول!!!!…

+

ليضحك بعدها أنور بغير تصديق هاتفا:

+

– عجبت لك يا زمن!!!… 

+

ثم أردف باهتمام متسائل:

+

– يوسف انت اتهبلت؟.. مالك أنت ومال ندى؟.. وعشان تكون عارف.. ندى مش بس بنت خالتي.. لأ.. ندى وصيّة المرحوم معتز ليّا، وصّاني عليها قبل الحادثة اللي راح فيها، وكأنه كان حاسس، عشان كدا ندى عمرها ما هتكون خط أحمر بالنسبة لي، لكن بالنسبة لك أنت مش بس خط أحمر.. لأ.. دي منطقة خطر كمان!!!!!!!..

+

لم يكن أنور مستعدا لردة فعل يوسف والتي تمثلت في يديه اللتان قبضتا على تلابيبه بقوة وشدّه ناحيته وهو يهمس بغضب وحشي من بين هدير أسنانه المطبقة:

+

– آخر مرة.. سامعني.. آخر مرة تربط اسم ندى باسم واحد تاني، حتى لو كان – وازدرد ريقه بصعوبة وهو يجبر نفسه على لفظها – معتز الله يرحمه (ولم يستطع أن ينطق بـ. خطيبها، فقد شعر بالنار تسري في سائر أنحاء جسده ما إن فكّر أن ندى كانت لغيره في وقت من الأوقات حتى وإن كان بصفة شرعية).. أنت أكتر واحد عارف معتز كان غالي عندي أد إيه، لكن ندى… هي أغلى من إني أفرّط فيها، لو ندى عندك خط أحمر فهي عندي أنا خطوط حمرا، ولو عندك منطقة خطر… عندي أنا منطقة موت للي يفكّر بس أنه يقرب منها!!!…

+

        

          

                

ثم تركه دافعا له بقوة، واستدار يوليه ظهره وهو يحاول سحب أنفاسه بعمق، وقد أخرج علبة سجائره بيد ترتعش من فرط انفعاله من جيب قميصه العلوي محاولا اشعال سيجاره ليفشل عدة مرات لشدة ارتعاش يده، وما ان نجح وبصعوبة في اشعالها حتى سحب عدة أنفاس عميقة مغمضا عينيه، في حين هال أنور اعترافات يوسف التي انهالت فوق رأسه تباعا، فهو لا ينكر أنه قد تعمّد استفزاز يوسف بل والضغط عليه ليصل معه إلى آخر مداه بالنسبة لندى، وقد أيقن أن شكوك رنا تجاهه بمحلّها، كما وجد أن الفرصة سانحة لمعرفة ما يضمر يوسف بالنسبة لها، تنفيذا لفكرة رنا بأنه لا ضير من بعض الاختبارات الصغيرة كي نعلم تماما ما هي نوايا يوسف بالفعل ناحية ندى، ولكنه لم يتوقع أن ما مارسه من ضغط عليه يؤدي الى هذا الانفجار المدوّي!!!..

+

تقدم أنور من يوسف الذي لا يزال على وضعيته أمامه، ووقف وراءه قائلا بهدوء وقد نوى أن يسمعها صريحة واضحة من صاحبه مهما كان الأمر:

+

– جو… أنا مش متأكد من اللي فهمته من كلامك، اللي يسمعك يقول واحد بيدافع عن حبيبته، لكن اللي أنا فاهمه وعارفه كويّس أوي أنه ندى بالنسبة لك مش أكتر من تحدي!!.. أنت ولأول مرة يا جو تلاقي اللي تقف قودامك وتقولك.. لأ!!.. أول مرة تتعرض للرفض من الجنس الناعم، طول عمرك تؤمر تطاع، وصدقني.. أنا لما بقول لك تبعد عنها مش بفرض رأيي وخلاص، لكن أنا خايف عليكم أنتم الاتنين، هي مش حِمل صدمة تانية، وأنت… أنت قلبك قاسي أوي يا جو، جامد، وندى مش بتاعت يومين وخلاص، حتى لو ارتبطت بيها بشكل رسمي، الحاجة اللي انت رفضتها مع الباقيين، لكن انت عارف أنه ما فيش سبيل قودامك غيرها عشان توصل لندى، ومع ان الموضوع دا أنا متأكد أنه ندى شبه مستحيل أنها توافق عليه، لكن فرضنا أنه المستحيل دا حصل فعلا ووافقت.. أنت هتزهق بعد ما ندى تبقى ملكك فعلا، هتفقد بهجتها بالنسبة لك، وتبتدي تدور على تحدي تاني، وتملّ منها، وقتها مش هتكون صدمة وبس بالنسبة لها.. لأ.. دا هيكون انهيااااااار تاااااام، وبالنسبة لك أنت عمري ما هسامحك، وهتخسرني وتخسرها وتخسر آخر خيط بيربطك بعالم الإنسانية، عشان كدا بقولك.. احنا لسه في الأول، ابعد عنها يا جو، لو صداقتنا ليها معزة عندك، انساها خالص، شيلها من حساباتك نهائيّاً!!!!!!!…

+

لم ينطق يوسف بحرف ردًّا على كلام صديقه، فزفر أنور بيأس واستدار ناويا الانصراف حين تيبست قدماه وفتح عينيه في ذهول صاعق وهو يسمع ما جعله أشبه بالتمثال، فقد همس يوسف بكلمة واحدة، ولكنها أتت نابعة من أعمق أعماقه، قالها بكل حرارة غزته ما أن سمع أنور وهو يتكلم عن ارتباطه بندى بصورة رسمية، ليكتشف أنه لا يريد سوى هذا!!!.. علاقته بندى لن تكون سوى… بشكل رسمية وفي إطار شرعي، وارتسمت أمام عينيه صورتها في فستان زفاف أبيض تتأبط ذراعه وهي تطالعه بتلك الابتسامة التي ابتسمتها في نومتها والتي أعقبت همسها بلفظة “حبيبي”… ليعلم أن تلك الابتسامة مع تلك الكلمة كانتا المعول الذي هدم تماما مقاومته الواهية لها، وإن كان قد عاند في تسمية هذا الإحساس وقتذاك، ولكن مواجهته مع أنور الآن، والكلمات التي انطلقت من فم صديقه، جعلته يعلم ماهية شعوره تماما، بل جعلته يقف أمام نفسه ولأول مرة يواجهها بما تخشى الاعتراف به، لتهمس بها شفتاه بكل صدق وحرارة:

+

        

          

                

– بحبّها!!!!!!!..

+

قطب أنور متشككا مما سمع، ليستدير بعدها نصف استدارة ناظرا الى ظهر يوسف من فوق كتفه والذي يواجهه، قائلا بتشكك:

+

– إيه؟.. قلت إيه؟…

+

ألقى يوسف ببقايا سيجارته المشتعلة على الأرض وداسها بحذائه قبل أن يلتفت الى أنور  كليّة ويقف أمامه ثم سحب نفسا عميقا قبل أن يجيبه بهدوء وكأنه لم يلق أمامه الآن بما أصابه بالجمود التام:

+

– أنا.. بحبها !!!!…

+

ليلتفت أنور إليه بدوره مواجها له ثم يدنو منه بخطوات بطيئة، وهو يتحدث بعدم تصديق قبل أن يقف أمامه وصوته مغلف بدهشة شديدة:

+

– أنت يا جو؟.. بتحب!!!!.. أنا عمرك ما سمعت بتقول الكلمة دي أبدا، ولا كانت في قاموسك من أساسه!!!..

+

يوسف بتنهيدة عميقة وهو يمرر أصابعه في خصلات شعره الليلي وهو يحني رأسه إلى الأسفل:

+

– وأهي بقيت أهم كلمة في قاموسي…

+

ثم رفع رأسه يطالعه بقوة مردفا بيأس:

+

– بحبها يا أنور، وما تسألنيش إمتى وإزاي وليه، لأني معرفش، أنا كنت بهرب من احساسي بيها من أول يوم شوفتها فيه، لأ.. بالظبط من لحظة ما عملنا الحادثة وجريت أشوفها حصل لها حاجة ولا لأ، وقتها كانت مغمى عليها وأول ما فتحت عينيها وبصِّيت لي، حاسيت أني اتشلِّيت وأنا واقف في مكاني، وكل ما كنت بشوفها كنت بحس أني مش مرتاح، عشان كدا كانت بتطلع أسوأ ما فيّا، برودي اللي كنت بتباهى بيه كان بينصهر قودامها ويتحوّل لنار قايدة، كم مرة اتمنيت أضربك وأنت بتتكلم معها بكل بساطة وتضحك، يوم ما شوفتها مع غسان كنت عاوز أضربها وبعدين أخدها في حضني، ويوم ما سمعتها بتمدح في اللي اسمه كريم دا كان نفسي أمحيه من على وش الأرض، كنت هتجنن.. عاوزها ما تشوفش أي راجل غيري، لما بتيجي سيرة معتز الله يرحمه بتقيد فيا النار، رافض أنه اسمها يرتبط بأي حد، ندى خلاص… بقيت ليّا أنا وبس، وما حاولتش أسأل نفسي “ليه؟”.. اتهرّبت من الاجابة اللي كانت واضحة زي الشمس، لغاية ما حصلت المواجهة بيننا انهرده!!..

+

همّ أنور بسؤاله عمّا حدث بينهما بالتفصيل عندما رفع يوسف يده يأمره بالصمت في حين أردف يوسف بحزم:

+

– مش لازم تعرف التفاصيل، مش هتهمّك في حاجة، اللي عاوزك تعرفه كويّس أوي.. أني من وقتها وأنا عرفت أنا كنت بهرب من إيه، وواجهت نفسي باسمه، وعرفت بالظبط أنا عاوز إيه؟…

+

أنور مقطبا بتساؤل:

+

– عاوز إيه يا جو؟..

+

يوسف ببساطة:

+

– عاوزها!!!… 

+

أنور بريبة:

+

– يعني إيه عاوزها؟!!..

+

يوسف بشرود وقد ارتسم أمامه وجهها الملائكي الفاتن:

+

– عاوزها تكون ليّا، ومش ليوم أو يومين.. لأ… للباقي من عمري، أنور… أنا عمري ما آمنت بشيء اسمه الحب، وأنت أكتر واحد عارف سبب جوازاتي العرفي الكتير، أنا كنت واخد مبدأ في حياتي أني مش عاوز أسيب ورايا حد يتعذب بسبب فراقي، اللي مريت فيه في حياتي بعد وفاة عيلتي كلها الله يرحمهم وظلم عمي ليا هو اللي خلّاني أقرر دا، عرفت أنه الحياة قصيرة، فكنت بحاول أعيشها بالطول والعرض، يمكن كنت بحلل لنفسي جوازي، لكن أنا ما غشيتش حد ولا خدعت حد، لكن دلوقتي بقولك أني عاوز اللي كنت بهرب منه قبل كدا، عاوز أحط إيدي في إيد أبوها، عاوز أقف جنبها والناس كلها تعرف أني أنا اللي فُزت بقطر الندى، عاوز أسرة وحياة مستقرة، عاوز أعيش معها الحب اللي عمري ما عرفته، عاوز بنت تكون شبهها بالظبط، عاوزها تكون مراتي اللي شايلة اسمي وأم أولادي، ولما أموت تصون ذكرايا وتترحم عليّا، عاوزها عكازي في شيخوختي، عاوزها تنوّر ظلام أيامي، عاوزها تساعدني أرجّع يوسف الانسان تاني مش الآلة!!.. عاوزها يا أنور… عرفت يعني إيه عاوزها!!!!!!!!!.. 

2

        

          

                

تنهد أنور بعمق وهمس وهو يغمض عينيه:

+

– عرفت يا جو.. عرفت..

+

ثم فتح عينيه وتطلع إليه مستدركا بجدية:

+

– لكن الطريق قودامك صعب أوي يا جو، وطويل، وندى عنيدة جدا، ومش بسهولة هتسلّم، عندك طولة بال وصبر والأهم من دا نفسك طويل عشان تستحمل اللي هتعمله فيك؟!!!

+

يوسف بشبح ابتسامة:

+

– لو على العناد أنت عارف أني دماغي حديد مسلّح، يعني أنشف منها، ولو على الصبر أنت أكتر واحد عارف كمية البرود اللي عندي شكلها إزاي، وطالما في الآخر هوصل للي عاوزه يبقى معنديش أي مانع أني أستحمل منها أي حاجة، لأني عارف ومتأكد أني أنا اللي هفوز في الآخر….

+

اقترب أنور من يوسف ورفع يده مربتا على كتفه وهو يقول بابتسامة:

+

– عارف يا جو.. لو أنا مش عارف معدنك الأصلي، ومتأكد منك، ما كنت سمحت أنك تقرب منها ولو متر واحد، لكن أنا عارف ومتأكد أنك تقدر تعوّضها عن اللي قاسيته.. ربنا معاك يا صاحبي..

+

ضحك يوسف وسارع لاحتواء أنور في حضن أخوي وقد اطمئن لمساندة صديقه له فهو لم يكن يريد أن يعرض صداقتهما لأي خطر ولكن ندى تستحق أن يبذل الغالي والنفيس في سبيل الفوز بها، في حين ارتسمت صورة عينان كهرمانيتين أمام أنور بابتسامة واسعة تنير هذا الوجه الفتّان ليهتف بحرارة في داخله:

+

– وأنا كمان عاوزها يا جو… عاوزها!!… 

+

وسرعان ما ارتسمت ابتسامة عابثة على وجهه وهو يردف مقسماً:

+

– مش هسيبك يا رنا… وزي ما يوسف باله طويل أنا بالي أطول، وأنا بقه اللي هقطع نَفَسِك، وهتسلّمي يا بنت عبد العزيز وقريب أوي!!!!!!!..

1

*************************

+

وقفت بجوار صديقتها تراقب المسافرين الذي يغادرون صالة الوصول بلهفة وشوق، فقد افتقدت والدتها للغاية هذه المرة، لاحظت اقتراب قامة تعرفها جيدا، لتقفز الى الأعلى منادية بصوت عال، فالتفتت صاحبة القامة الهيفاء والتي بالرغم من تخطي صاحبتها الخمسين عاما فإنها لا تزال في كامل لياقتها البدنية ولم يخبو جمالها، ابتسمت تلك السيدة ورفعت يدها لابنتها، قبل أن تلتفت الى شخص بجوارها فقطبت رنا وهي تشاهد أمها تتحدث مع رجل ممشوق القامة يسير بالقرب منها، أخرجتها ندى من شرودها وهي تهتف بابتسامة:

+

– حمد لله على سلامة طنط يا روني..

+

رنا بشرود وهي تتساءل عمّن يكون هذا الشخص الذي تتحدث معه أمها وابتسامة عريضة تلون وجهها، ولكنها نفضت عنها أفكارها الغريبة تلك، فلا بد أنه أحد زملائها في ذلك المؤتمر العلمي الذي كانت فيه، دلفت أمها خارجا وهي تسحب خلفها حقيبتها ذات العجلات، لتندفع إليها رنا تعانقها بشوق قوي، فبادلتها أمها العناق بحب وحنان أمومي، تقدمت ندى بعدها للترحيب بفريدة، وما أن هدأت حمى السلام بينهن حتى  أشارت فريدة الى الرجل الذي كان يتابع ترحيب ابنتها بها بابتسامة عريضة وقالت مبتسمة:

+

        

          

                

– الدكتور شاهين، زميلي في المؤتمر، عميد جامعة(….)..

+

ثم التفتت الى شاهين متابعة:

+

– دي بقه رنا يا سيدي، ودي ندى صاحبتها وأكتر من أختها، ندى بعتبرها في مقام رنا بنتي بالظبط..

+

شاهين بهزة ترحيب خفيفة برأسه وابتسامة مرسومة:

+

– أهلا وسهلا.. تشرفنا..

+

لتهز كلا من رنا وندى رأسيهما بالتحية بدورهما، فقال شاهين بابتسامة أضاءت وجهه الأسمر بلحيته السمراء الخفيفة التي يتخللها شعيرات بيضاء عدة:

+

– طبعا عارف رنا، ماما كل كلامها كان عليكي يا رنا..

+

رنا بهمس ساخط لم يسمعه إلا ندى:

+

– وماما تكلمك عليّا بتاع إيه إن شاء الله؟..

+

وكزتها ندى بمرفقها في غفلة عن أمها وزميلها اللذان انخرطا في حديث جانبي، ثم مالت عليها تنهرها بخفوت:

+

– هششش، هيسمعوكي!!!..

+

  اتجهوا بعد ذلك الى الموقف الخاص بالسيارات، وقفت فريدة تتساءل:

+

– أومال فين عربيتك يا رنا؟..

+

رنا بهدوء وهي تختلس النظر لشاهين بطرف عينها:

+

– أنا راكنة هناك….

+

مشيرة الى سيارتها الرياضية الصغيرة، بينما قالت ندى بابتسامة:

+

– حمد لله على سلامتك يا طنط..

+

فريدة بابتسامة زادتها فتنة:

+

– الله يسلمك حبيبتي…

+

شاهين بابتسامة صغيرة:

+

– طيب هستأذن أنا بقه، وهشوفك أكيد تاني يا د. فريدة..

+

قاطعته فريدة مقطبة:

+

– استني يا د.شاهين، هتروّح إزاي؟..

+

شاهين ببساطة:

+

– مش مشكلة بليموزين عادي، ما تشغليش بالك أنت..

+

فريدة بنفي قاطع:

+

– لا طبعا ما ينفعش، احنا هنوصّلك معانا، مش كدا يا رنا؟..

+

كانت رنا شاردة في البعيد فنادتها والدتها عدة مرات قبل أن تنتبه إليها، فهمست قائلة:

+

– ها؟.. آه.. آه… طبعا…

+

شاهين باعتراض:

+

– أنا فعلا مش عاوز أتعبكم معايا، ثم أنا مش ساكن بعيد، أنا في القاهرة الجديدة فالموضوع سهل وبسيط…

+

فريدة بابتسامة مماثلة:

+

– واحنا ساكنين في القاهرة الجديدة بردو، يعني قريبين من بعض… ياللا اتفضل يا دكتور..

+

تدخلت ندى وهي تتنحنح قائلة:

+

– أنا ممكن أقول حاجة؟..

+

أشارت لها فريدة بالايجاب مرحبة فتابعت ندى:

+

        

          

                

– أنا ممكن أوصّل الدكتور شاهين في طريقي، وحضرتك ورنا تروحوا البيت، أنا مش مروّحة أنا هطلع على الشركة عشان ما روحتش امبارح، وانتي يا رنا اشبعي من طنط فيري انهرده، وأنا هكلمك لما أروح الشركة ان شاء الله..

+

هتفت رنا:

+

– لا يا حبيبتي.. انتي هتتغدي معنا انهرده ان شاء الله، أنا بقولك أهو…

+

ابتسمت فريدة وقالت لشاهين الذي كان يتابع ما يدور حوله بابتسامة هادئة:

+

– وانت يا د. شاهين لازم تتغدى معنا انهرده ان شاء الله، دي رنا اللي طابخه ودا حدث مش بيتكرر كتير!!!!

+

نظرت اليها رنا مبهوتة قبل أن تهمس بصوت منخفض:

+

– آه.. حدث تاريخي!!

+

كتم شاهين ابتسامة من تلك الجميلة الخفيفة الظل وقال بهدوء:

+

– لا معلهش يا د. فريدة.. اعفيني أنا..

+

فريدة بإصرار:

+

– لا لا أبدا، خلاص يا دكتور، ثم اننا جيران، يعني في بيتها زي ما بيقولوا…

+

تبادلت ندى ورنا نظرات الدهشة، ليقاطعهما صوت شاهين يقول مستسلما:

+

– خلاص.. اللي تشوفيه يا فريدة… أنا مقدرش أقولك لأ.. انتى عارفة…

+

قطبت رنا عندما سمعت اسم والدتها ينطلق مجردا من فم ذلك الـ.. شاهين بل وبأريحية مطلقة، وكأنه معتاد على ذلك، اعتذرت ندى بعدها منهما واتجهت برفقة شاهين الى سيارتها حيث صعدا اليها ثم انطلقت في طريقها وحذت حذوها رنا والتي كانت طوال الطريق شاردة تتذكر تلك النظرة التي لمحتها على وجه ذلك الرجل وهو يودع والدتها ظنّاً منه أنه لم ينتبه إليه أحد، ولكنها انتبهت وبشدة، فالنظرة التي ارتسمت على وجهه ليست نظرة عادية، أو نظرة احترام من زميل لزميلته، بل هي نظرة إعجاب خالص من رجل لامرأة.. امرأة  أثارت اعجابه بل وافتتانه….. وبقوة!!!!…

+

تكلمت فريدة كثيرا عن رحلتها والأماكن التي زارتها والهدايا التي ابتاعتها لابنتها وصديقتها كما أوصتها رنا، ولكن رنا كانت ساهمة تفكر، حتى نطقت فجأة قائلة وهي تركز على الطريق أمامها:

+

– ماما… انما حضرتك تعرفي الدكتور شاهين من زمان؟..

+

فريدة بابتسامة بعد تلكؤ بسيط لا يكاد يُلاحظ ولكنه لم يفت رنا:

+

– كنا زمايل في نفس الكلية، لكن هو كان أكبر مني بسنتين، ويعني كنت بشوفه قليل أوي، في مؤتمر، في مناسبة علمية، كدا يعني…

+

رنا بعفوية زائفة:

+

– ومراته بردو دكتورة زيّه كدا؟!!

 وجمت فريدة وأجابت بهدوء وهي تتطلع الى الخارج من النافذة المجاورة لها:

+

– لا.. مراته الله يرحمها كانت دفعته بس ما اشتغلتش، اتجوزوا وهي لسه بتدرس، وانشغلت في بيتها وابنها وجوزها بعد اتخرّجت من الكلية..

+

        

          

                

رنا بصدمة:

+

– الله يرحمها!!!.. هي مراته…

+

أكملت فريدة بتنهيدة عميقة فهي تحفظ رنا عن ظهر قلب وتعلم جيدا كيف يعمل عقلها وإلى أين تريد الوصول بأسئلتها الكثيرة هذه:

+

– أيوة يا حبيبتي.. مراته طنط أنعام اتوفت من أكتر من خمس سنين، وابنه الوحيد ياسر مهاجر أستراليا ومتجوز هناك ومستقر من قبل والدته ما تتوفى كمان، وشاهين بيسافر له كل ما يقدر!!..

+

كررت رنا بوجوم:

+

– شاهين!!!!!

+

زفرت فريدة بتعب ثم قالت تنهي هذا الحوار الذي يسير لمواجهة ليست على استعداد لها بعد:

+

– رنا… أرجوك.. أي تعليقات أو أسئلة ممكن تستنى لما نروّح؟.. أنا راجعه تعبانه من السفر وعاوزة آخد شاور وأرتاح شوية وبعد كدا هجاوبك على كل أسئلتك.. ممكن؟..

+

رنا بامتعاض لم تفصح عنه وإن وشت به عيناها:

+

– حاضر يا ماما، ممكن طبعا…

+

فسكتت فريدة واستندت برأسها على النافذة وسرعان ما غلبها النوم الذي خاصم جفونها منذ أن صارحها شاهين برغبته في الزواج منها منذ يومين حينما كانا يتناولان طعام العشاء مع سائر الوفد العلمي، وكيف أنه حاصرها من كل الاتجاهات، ولم يقبل بسماع كلمة لآ والتي كانت تُبعد غيره وبقوه ممن كانوا يحاولون التلميح برغبتهم في خطبتها، ولكن شاهين كان مصرّ على الارتباط بها، ولم يكن إصراره وحده الذي جعلها تعيد التفكير في أمر الارتباط به، بل سؤاله الذي طلب منها أن تفكر فيه مليًّا قبل أن تجيبه “ماذا بعد أن تتزوج رنا وتتركها؟”.. حياة قاحلة باردة وهي لا تزال في كامل صحتها ولياقتها، وعلى الجانب الآخر فطليقها قد اختار بالفعل حياة أخرى بل وأنجب أولادا آخرين بالفعل، أي أن حياته قد استقرت على ذلك الشاطئ الآخر، فلا داعي من انتظارها لوهم لن يحدث، فهو يعلم بقصة الحب التي ربطت بينهما جيدا، فقد كانت حكاية حبهما أشبه بقصة قيس وليلى، كانت حديث القاصي والداني في الجامعة في ذاك الوقت، طالب كلية الحقوق الذي كان شبه مقيم في كلية الآداب، ظاهريا.. فهو يهتم بابنة صديق أبيه، ولكن في الحقيقة فهو يحرس حبيبته، لا يريدها أن تغيب عن عينيه لحظة واحدة، وها هي السنون تمر ويتزوجان ويعيشان قصة حب ملتهبة ولكن تخبو نيران ذلك الحب مع اندلاع نيران أخرى جعلت حبهما رمادا، ألا وهي نيران الغيرة الفظيعة، فيلفظ حبهما أنفاسه الأخيرة مع كلمته التي نطقها بوجود المأذون الشرعي والشهود.. “أنت.. طالق”!!!…

+

زفرت فريدة بيأس، هي تعلم جيّدا أن شاهين على حق في كل ما قاله، ولكن كيف لها أن تتزوج وابنتها عروس على وشك الزواج؟.. ثم.. أتتزوج قبل صغيرتها؟.. ماذا يقول الناس؟!!.. كما أنها لن تستطيع الإنكار أنها في داخلها كانت تأمل بأن عبد العزيز سيعود إليها محاولا إعادة المياه الى مجاريها بينهما، لا تُنكر أنه حاول كثيرا في بداية انفصالهما ولكن جرحها منه كان لا يزال مفتوحا، ملتهباً، تطلب وقتا طويلا حتى تعود اليها ثقتها في نفسها، وكلما مرت الأيام وعبد العزيز لم يتزوج كان ذلك سببا في سرعة إستعادتها لحالتها الطبيعية، ومن المضحك المبكي أنها في الوقت الذي كانت قد استعادت فيه كامل ثقتها بنفسها وقد تخطت أزمتها وعلى استعداد لفتح صفحة جديدة معه كان هو الوقت الذي عرفت فيه ببدئه لحياة جديدة مع.. أخرى، وتمر الشهور وينجب من غيرها، لترسّخ الأخرى قدميها في حياته، معلنة أنها من ستكمل معه مشوار حياته بطفليها التوأم واللذان لم تستطع فريدة إلا الشعور بالحب لهما كيف لا وهما قطعة من حبيب الأمس وأخوات لوحيدتها.. رنا!!..

+

        

          

                

كتمت فريدة زفرة ضيق وأغمضت عينيها تستند برأسها الى زجاج النافذة بجوارها، فهي تريد النوم لتهرب من كثرة التفكير في ذلك الأمر الذي فاتحها فيه شاهين والذي قض مضجعها كثيرا!!..

+

*******************************

+

وقف يوسف يقبض على هاتفه الشخصي بقوة، يطالع شاشته، فلم ينتبه الى سعادات التي تقف بجواره تحدثه حتى إذا يئست من عدم انصاته لها هتفت بصوت عال:

+

– جوووووووووو……

+

وحيث أنها كانت تقف بالقرب منه، وتحديدا أسفل أذنه اليمنى فقد شعر بصاروخ ينطلق خارقا طبلة أذنه، فانتفض صارخا، ثم قطب ينظر اليها بغضب لاعنا بشتيمة نابية من بين أسنانه، فعضت سعادات على شفتيها ونظرت اليه في لوم قبل أن تقول بعفويتها البسيطة:

+

– اللاه.. ما أنا عمّالة أنادي عليك يا Boss ولا هنا حد، وبعدين الناس حِمضت من الوقفة، مش هنصور الاعلان بقه؟.. هو أي نعم أنا فرحانه في الغندورة المتغندرة ولطعتها دي، لكن بردو.. احنا كمان ملطوعين واقفين مستنيين زي ما نكون حريم السلطان مستنيين تشريف السلطان سليمان عشان……

+

نهرها يوسف بقوة:

+

– هشششششش!!!.. بس يا عملي السيء في حياتي، أبوس ايدك يا سعادات ارحميني، والله ما فايق لك..

+

سعادات بتذمر:

+

– عيب أوي كدا، لالا ما يصحش يا Boss!!!

+

يوسف مقطبا بريبة:

+

– هو إيه دا اللي عيب وما يصحش؟..

+

سعادات بتأنيب وهي تطالعه بطرف عينها:

+

– إيه تبوس إيدي دي؟.. هي حصّلت!!!.. 

+

فتح يوسف عينيه على وسعهما وهتف بذهول:

+

– نعم!!!!!!!

+

سعادات متابعة بزفرة عميقة:

+

– خلاص خلاص، حصل خير، أنما ما حصلتش يعني أنك تبوس أيدي، ليه بشحّتك حاجة لله عشان تبوس إيدي؟!!!!!!!!!!

2

في لمح البصر كان يوسف قد أطبق براحته الكبيرة على فمها فيما يده الأخرى تمسك بعنقها من الخلف بينما هدر بها من بين أسنانه المطبقة بشدة:

+

– كلمة زيادة وهقطعهولك خالص!!.. عشان أريّح نفسي وأريّح البشرية من لسانك الطويل دا يا سعادات… مفهوم؟!!!!!!

+

هزّت رأسها بقوة الى الأعلى والأسفل حتى أن منظارها الطبي قد ارتفع قليلا عن وجهها، فزفر يوسف بيأس وأزاح يده وهو يقول بحزم:

+

– خمس دقايق بالظبط ونبدأ التصوير!!

+

دمدمت سعادات بسخط ووجهها يظهر استيائها الشديد:

+

– خمس دقايق، خمس دقايق!!.. بقالك ساعتين بتقول خمس دقايق!!!… على كدا اليوم انهرده هيخلص خمسة x خمسة من غير ما نعمل حاجة!!!!!..

+

        

          

                

اقترب يوسف منها ببطء وهي توليه ظهرها ليميل على أذنها هامسا بغتة:

+

– انتي بتقولي حاجة؟..

+

لتنتفض بفزع عاليا ثم تنفخ في صدر بلوزتها ثلاثا قبل أن تهتف فيه بنزق:

+

– مش تبقى تتنحنح ولا تنوّر قبل ما تدخل زي العربية اللي من غير فرامل كدا!!!!!!

+

جزّ يوسف على أسنانه وقبض على أصابعه بقوة قبل أن ينفخ عميقا رافعا رأسه إلى الأعلى وهو يهتف بتضرّع:

+

– الصبر من عندك يارب…..

+

قاطعه اقتراب أنور الذي سأله لما التأخير في تصوير الاعلان، لتقفز سعادات هاتفة بلهفة:

+

– والله يا أستاذ أنور ذات نفس السؤال سألتهوله وما جاوبنيش، وزعل مني وقعد يشتم ويبرطم ويقول حاجات غريبة، أبوس وإيدي ومعرفش إيه!!!!!!!!

+

حدق فيها يوسف بذهول غاضب فيما طالعها أنور بدهشة، ليصرخ فيها يوسف بقوة جعلتها تقفز من مكانها:

+

– سعاداااااااااات… روحي شوفي مايسة عشان هنصور حالا!!!

+

تبرمت سعادات وانصرفت وهي تشيح بيديها الاثنتين لاعنة لسانها الذي جعله يغضب منها فيرسلها لـ.. أمّنا الغولة تلك والتي تلوّن شفتيها بدماء أولادها اللذين تتناولهم كطعام للعشاء ولا ريب!!!!!! ..

+

دنا أنور على يوسف وهمس متسائلا وقد زوى بين حاجبيه في عقدة خفيفة:

+

– مالك يا جو؟.. فيه إيه؟.. شكلك عصبي أوي؟..

+

يوسف بزفرة ضيق قوية:

+

– ندى!!!..

+

تعمقت عقدة جبين أنور وقال:

+

– مالها؟..

+

يوسف بحنق:

+

– قلت لها امبارح وانا عندها في المكتب تعمل حسابها انها هتحضر تصوير الاعلان، وركبت دماغها وما جاتش..

+

أنور بهدوء:

+

– ما فكرتش ليه انها يمكن تعبانة؟..

+

يوسف يطالعه بقوة:

+

– انت لما شوفتها انهرده الصبح كانت تعبانة؟..

+

أنور ببساطة:

+

– أنا ما شوفتهاش.. يدوب سلّمت على الواقف، روحت عشان أطمن عليها قبل ما آجي وكانت كويسة، حتى كانت رايحه المطار مع رنا عشان والدة رنا راجعه انهرده من السفر!!..

+

يوسف بحدة:

+

– وانت ان شاء الله كل دقيقة راشق هناك؟..

+

أنور بسخرية:

+

– جرى إيه يا بني؟.. أولًا دي بنت خالتي، تاني حاجة بيننا وبين بعض شارعين، ثالثا بقه مش كانت تعبانه؟.. يعني مينفعش مجرد سؤال بالتليفون، لازم أروح لها..

+

سكت يوسف لثوان قبل أن تلمع عيناه ببريق يخطف الأبصار لشدة توهّجه وهتف وهو يضرب كتف أنور بقوة  شادًّا عليه بقبضة يده والتي جعلت الأخير يئن ألما:

+

        

          

                

– تصدق عندك حق، طبعا… لازم كنت تروح تزورها.. مش تعبانة!!!

+

نظر أنور الى يوسف بتوجس، في حين التفت يوسف ليبتعد ولكنه عاد أدراجه ثانية اليه ومال عليه هامسا:

+

– بس يا ريت تخف شوية من زياراتك الجميلة دي.. ها؟.. 

+

همّ بالاستدارة حين بدّل رأيه وعاد اليه ثانية مستدركا وهو يتظاهر بترتيب ياقة قميص أنور:

+

– و.. آه… ياريت بلاش بيني وبينها دي.. ما اسمهاش بيني وبينها.. اسمها بين بيتي وبيت خالتي… ما تجمعش ندى معاك في جملة واحدة… عشان ما اتضايقش.. وانت عارفني لما بتضايق بكون عامل إزاي؟…

+

ثم أنهى حديثه بابتسامة عريضة قبل أن يتجه للتأكد من وضع الكاميرات في حين تابعه أنور في ذهول متمتما في نفسه:

+

– بيحذرني أنا أني أبعد عن بنت خالتي اللي مالوش أي صلة بها لا من قريب ولا من بعيد؟.. اللاه… هو مين فينا بالظبط اللي المفروض يحذّر التاني؟!!.. أنا اتأكدت بس دلوقتي أنه البني آدم دا مش طبيعي، وأمضي وأبصُم كمان على كدا!!!!.. 

3

************************************

+

كانت ندى تجلس الى حاسوبها الشخصي، تتصفح بريدها الاليكتروني عندما تعالى صوت دقات ناعمة فأذنت للطارق بالدخول، لتدلف والدتها الى الداخل، فنهضت ندى مبتسمة وهي تقول بمرحها المعهود:

+

– أهلا بكرملة، نورتي غرفتنا المتواضعة..

+

ولكن أمها لم تمازحها كعادتها بل طالعتها بنظرات غريبة جعلت ندى تقطب في ريبة في حين قالت كريمة بهدوء:

+

– غيّري هدومك يا ندى وحصليني أنا وبابا على الصالون!!..

+

ندى بتوجس:

+

– ليه؟.. هو الدخول للصالون عندنا دلوقتي بقه بالملابس الرسمية؟!!!

+

كريمة بزفرة ضيق:

+

– يا بنتي ما تغلبنيش، فيه ضيف جاي يطمن عليكي وباباكي قاعد معاه في الصالون، وطبعا مش هتقابليه بالبيجامة؟!!!..

+

مشيرة الى منامتها القطنية بلونها الزهري المرسوم على بلوزتها صورة عروس البحور، تساءلت ندى في حيرة:

+

– ضيف؟.. ضيف مين دا؟..

+

رفعت كريمة كتفيها علامة الجهل وقالت:

+

– بيقول أنه بيشتغل معاكي…

+

صمتت ندى لثوان تفكر ثم أشرقت أساريرها وهي تقول:

+

– آآآه.. دا أكيد غسّان، قالي انهرده واحنا في الشركة اننا محتاجين نقعد عشان نظبط مع بعض موضوع الديفليه، تمام يا كرملة.. هلبس وأحصلك قوام..

+

نظرت اليها أمها بغير فهم ثم هزت رأسها بالموافقة قبل أن تتجه الى الباب لتنصرف وقبل أن تخرج نظرت اليها وقالت كمن تذكرت شيئا:

+

        

          

                

– آه.. على فكرة يا ندى… هو اسمه مش غسّان!!!..

+

———————————–

+

شهقة خرجت رغما عنها وهي تبصر ذاك الذي يجلس بكل أريحية على مقعد الصالون الذهبي أمام والدها يتحدث معه وكأنهما أصدقاء منذ زمن، هتفت بصوت مذهول بينما شحب وجهها تماما:

+

– أنت!!!!!!!!!!…

+

لينهض يوسف من مجلسه وهو يطالعها بابتسامة منتصرة لم ينتبه اليها والديها، قال عز الدين مشيرا إليه وقد بدا أن يوسف قد حاز إعجابه:

+

– مش تقوليلي يا ندى أنه يوسف طاهر هو اللي ماسك الحملة الاعلانية بتاعت أزياء الندى عندنا؟!!!..

+

نظر اليها يوسف نظرة خاصة وحدها من فهمها، فكأنه يخبرها أنه هنا.. في عقر دارها، ولن تستطيع إزاحته سنتيمترا واحدا، قالت أمها بحبور:

+

– بصراحة يا أ. يوسف أنت تعبت نفسك..

+

التفت يوسف الى كريمة وقال بدبلوماسية وبابتسامته التي يعلم مدى مفعولها الساحر على من تقف أمامه حتى وإن كانت في سن والدته:

+

– ما فيش تعب أبدا يا كريمة هانم، ويا ريت بلاش أستاذ، أنا ما بحبش الألقاب، وعموما صحابي كلهم بيقولوا لي.. جو..

+

ضحكت كريمة ضحكة ناعمة في حين نقلت ندى عينيها بين والديها من جهة وبينه من جهة أخرى وهي مصعوقة مما تراه يدور أمامها، قالت كريمة بابتسامة:

+

– أوكي يا جو….

+

ابتسم يوسف في حين قال عز الدين مبتسما:

+

– أنا بقه هناديك يوسف… ماليش في جو…

+

يوسف بابتسامة:

+

– اللي حضرتك عاوزه، دا شرف كبير ليّا أني قابلت عز الدين مختار الراوي وقعدت معاه ومش بس كدا، قبل صداقتي كمان!!!

 كادت ندى أن تسقط مغشيّا عليها، ربّاه ما هذا؟.. أية صداقة تلك التي يتحدث عنها ذلك المعتوه؟.. هو ووالدها؟.. ووالدتها أيضاً كما هو واضح؟.. كيف ولماذا ومتى؟.. فهما لما يشاهداه سوى الآن فقط، فكيف استطاع الفوز باعجابهما بل وصداقتهما أيضاً؟!!….، ربّاااه.. أنها تكاد تجنّ!!.. تكاد تقسم أن هذا اليوسف لا بد أن له في أعمال السحر والشعوذة، فلا بد وأنه قد قام بإلقاء تعويذة معينة على والديها كي ينال رضاهما كما هو واضح…..

+

صوت والدها أيقظها من شرودها وهو يدعوها للجلوس لتجلس على أول مقعد صادفته، فما كان من يوسف الا أن رفع باقة ورد كبيرة فخمة كانت على المنضدة الصغيرة أمامها ولكنها لم تنتبه اليها وتقدم منها يميل عليها وهو يسلط عينيه عليها قائلا بصوت رخيم:

+

– ألف حمد لله على سلامتك، خلي بالك من نفسك، انت غالية عندنا كلنا!!!..

+

وناولها باقة الورد والتي نالت تأوها معجبا من والدتها، ترك الباقة بين يديها فطالعتها بوجوم لتأخذها كريمة وهي تقول بحماس:

+

– تحفة الورد يا جو، ذوقك جميل، هحطها في الفاز السنييه، هيكون شكلها تحفففة..

+

مرت أحداث الجلسة العائلية بعد ذلك سريعا – والتي لم تزد عن ساعة زمنية واحدة استطاع خلالها يوسف الفوز باعجاب الوالدين – وسط أحاديث شتّى لم تشارك فيهم ندى سوى بردود خفيفة وهي تكاد تتميز غيظا، فهي تريد طرده بعيدا عن حياتها ومنزلها، ولكن كيف؟.. لقد تجاسر ودخل بقدميه الى عقر دارها، فكيف تنجح في ابعاده عنها؟.. كما أنه من الواضح أنه لا يقبل بكلمة.. لا… ولكنها لن تيأس، فيوسف خطر، خاصة وقد شاهدت أمها وهي تقع تحت سحر بابتسامته التي أقرّت هي رغما عنها بجاذبيتها الساحقة وإن كانت قد أتقنت إخفاء إعجابها هذا بشكل متقن، والطامة الكبرى هي.. والدها!!.. فهو يتعامل معه بأريحية تامة وكأنه يعرفه منذ زمن، ربّاه… كيف تتخلص من ذلك البغيض؟!!..

+

ولكنها لن تيئس، لا بد من وجود حل يخلّصها من وجود هذا الـ.. يوسف الغير مرغوب به نهائيا، ولكن.. تُرى.. هل هي لا ترغب في وجوده في حياتها فعلًا كرها له أم… خوفا وقلقا من وجوده هذا.. خاصة وأنه يقترب من حياتها وباطراد مذهل؟!!!!!!!..

+

                – يتبع-

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى