Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل الثاني عشر 12 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

+

                              

الفصل (12)

+

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

+

                              

لم تكن تعتقد أنها سترحب بهذه الأفعى الأقحوانية لدى رؤيتها كما فعلت الآن!!.. فما إن انتهى يوسف من تفجير قنبلته المتمثلة في اعتراف صريح وواضح بالحب لها حتى فوجئا بوجودها تقف أمام طاولتهما تقول بكل ميوعة ودلال وهي تميل على يوسف تحيط كتفيه بذراعها الأبيض المكشوف فيما تظهر مقدمة صدرها واضحة للعيان، فما ترتديه لا يوجد لفظ مناسب له أكثر من “خرقة بالية”!!!…. 

+

                              

كادت ندى تشهق دهشة من وقاحة تلك الـ.. مايسة، وهي ترتدي ذلك الثوب بعد انتهاء عرض الأزياء، والذي تعتقد جازمة أنه ما هو إلا بقايا ثوب، أو بمعنى أصح فلا بد أنها قد جمعت القماش المتبقي من تفصيل فستان الروضة لطفلة صغيرة وذهبت به الى الخيّاط كي يخيط لها هذا الذي لا مسمى له!!!… فهي تشعر بالاحمرار يطغى على بشرتها هي، خجلا من وغيظا من وقاحتها الشديدة، خاصة وهي تتمايل بجذعها العلوي، لتنكشف مفاتنها الأنثوية بصورة فجّة أثارت غثيانها!!!..

+

                              

قالت مايسة وهي ترمي ندى الواجمة أمامها بنظرات مستفزّة بطرف عينها:

+

                              

– ألف مبرووك يا جو، الديفيله كان رائع فعلا، أنا متأكدة أنه اسم يوسف طاهر هيلمع أكتر بعد الحملة الاعلانية الكبيرة دي…

+

                              

يوسف ببرود وهو يزيح ذراعها من فوق كتفه ودون أن يكلف نفسه عناء النظر إليها، فهو لو لمحها فسيقتلها خنقا أو شنقاً لا محالة لمقاطعتهما في اللحظة الحاسمة بالنسبة له!!..

+

                              

قال يوسف ببرود صقيعي:

+

                              

– الله يبارك فيكي، لكن النجاح دا كله مش لي لوحدي، الفكرة أساسا كانت ناجحة جدا وعشان كدا نجحت، سواء ديفليه أو دعاية أو خط انتاج جديد أنا متأكد أنه هينتشر بسرعة الصاروخ، خصوصا وأنا شايف أنه ما شاء الله معظم الأزياء اللي اتعرضت تقريبا اتحجزت، يبقى اللي يستحق التهنئة بجد..

+

                              

وسكتت لتغشى عينيه نظرة حنان فيما تظلل وجهه الوسيم ابتسامة عذبة وهو يردف ناظرا الى تلك الجالسة أمامه في سكون تام منذ اقتحمت تلك الحمقاء جلستهما:

+

                              

– ندى… الآنسة ندى الراوي هي اللي تستحق كل تهنئة…

+

                              

اعتمدت مايسة ابتسامة صفراء لم تصل الى عينيها وقالت مصطنعة براءة زائفة وهي تمد يدها لمصافحة ندى:

+

                              

– أووه.. صحيح.. عندك حق يا جو… مبروك يا… مدام – وشددت على لفظ مدام – ندى نجاح الديفليه!!!..

+

                              

وكأنها قد سكبت دلوا مليئا بالماء البارد فوق الأخيرة والتي كانت كمن أفاق من سبات عميق، فهرب الدم من وجهها وشحب كليّة، وفتحت فمها عدة مرات بنيّة الرد عليها ولكن وكأن صوتها هو الآخر قد هرب منها حتى إذا ما نجحت في إخراجه بصعوبة همست مجيبة بصوت متحشرج وأن نجحت في رسم ابتسامة صغيرة على شفتيها النديتين:

+

                                      

                

– شكرا يا.. مايسة!!..

+

هكذا بدون ألقاب!!!… كادت مايسة أن تسبّها بصوت عال، كيف ترفع الألقاب بيننا هكذا وكأنني أعمل لديها؟.. لقد تقصّدت مناداتها بـ “مدام”.. فقد علمت بأن خطيبها قد مات بعد عقد قرآنهما بفترة بسيطة، وقد اهتمت بجمع كافة المعلومات المتاحة عنها ما إن لاحظت اهتمام يوسف الشديد بها، فما إن لفظها هي خارج حياته حتى تيقنت من أن هناك أخرى تشغله، وتصيبها الصاعقة أن تلك الأخرى ما هي إلا…”أرملة طروب”!!!… لتبدأ برسم خطتها الهادفة الى تلقين يوسف طاهر درسا لن ينساه، وجعله يتعلم أنه ليس كل الإناث فريسة سهلة بالنسبة له، فهناك من هي في ثوب الفريسة ولكنها في الأصل ذئبا شديد الشراسة!!.. أما بالنسبة لتلك الـ.. ندى فلا تزال نظراتها إليها في أول مقابلة لهما لم تبارح ذهنها، فقد طالعتها كمن ينظر الى شيء دون المستوى، أو إلى حثالة ملقاة على قارعة الطريق، فأزمعت بداخلها على ضرب عصفورين بحجر واحد.. والليلة.. في حفل عرض الأزياء كانت… ساعة الصفر!!!!… 

+

صوت ندى الناعم جذب انتباهها لتنظر اليها فتراها وقد نهضت من مكانها تقول بهدوء:

+

– أستأذن أنا…. فيه ضيوف كتير ما رحبتش بيهم…

+

فينهض يوسف بدوره قائلا بجدية ونظراته تنصب على ندى:

+

– أنا جاي معاكي… لازم أهنّي عز الدين بيه على النجاح دا…

+

قطبت مايسة وهي تراه قد تجاهلها وكأنها ذرات هواء في الفراغ، في حين قالت ندى بابتسامة ساخرة صغيرة وهي تنقل نظراتها بينه وبين مايسة:

+

– مش لازم دلوقتي، أنا شايفاك مشغول مع معجبينك، عموما أنا هبلغه تهنئتك بنفسي…

+

ثم هزت برأسها بخفة وهي تردف بابتسامة ناعمة:

+

– have a nice time.. 

+

وانصرفت ليتابعها يوسف بعينيه قليلا قبل أن يلتفت الى مايسة التي كادت تشهق خوفا من نظراته السوداء التي أرسلت الى قلبها الرعب وقد تراجعت بالفعل خطوة صغيرة الى الخلف ولكن يوسف لم يمهلها أكثر من ذلك إذ انطلقت يده كالكلّاب تقبض على مرفقها ثم دفعها الى زاوية منعزلة قبل أن يوقفها أمامه ويهمس لها بصوت أثار الذعر في أعماقها حيث خرج كالفحيح من بين أسنانه المطبقة:

+

– أقدر أعرف إيه المشهد الرخيص اللي عملتيه من شوية دا؟…

+

مايسة وقد تمالكت نفسها واقتربت منها تداعب بأصابعها أزرار قميصه العلوية:

+

– مشهد إيه بس يا جو؟.. هو أنا لما أبارك لك على نجاحك أبقى بعمل مشهد رخيص؟..

+

باغتها يوسف بالقبض على أصابعها التي تلاعب قميصه معتصرا إياها في قبضة قوية جعلتها تئن ألما في حين تجاهل هو ألمها الواضح وهتف محذرا بنبرة منخفضة:

+

– أقسم بالله يا مايسة لو قرّبتي من ندى أو ضايقتيها، أو عملت أي حاجة من عمايلك الرخيصة دي تاني ما هيحصلّك كويس.. هخليكي تندمي على اليوم والساعة اللي فكرتي أنك تقفي في وشّ يوسف طاهر… تقدري تعتبري دا آخر إنذار ليكي..

+

        

          

                

وسكت ناظرا اليها بقوة بعينين تبرقان بوعيد شديد وأردف وقبضته تشتد على أصابعها حتى كادت تتهشم في يده قائلا ببطء كي تعي كل كلمة تخرج منه :

+

– إلّا…. ندى!!!… ابعدي.. عنها.. خااااااالص…. لو عرفت أنك ضايقتيها بأي طريقة ساعتها غسيلك القذر كله هنشره قودام الناس.. وأول واحد السيّد الوالد.. رجل الاعمال رحمي الشرقاوي.. وتخيّلي رد فعله وقتها هو ولّا ماريانا هانم… والدتك!!!..

+

كادت تفلت شتيمة بذيئة من فمها حينما سارع يوسف بالقبض على فكها بقوة وهو يهمس بسخرية:

+

– لا لا لا.. عييب، معقول الليدي مايسة سليلة أكبر القصور تنطق الكلام دا؟..

+

لتتغير لهجته بعدها ويردف بتهديد خطير:

+

– مش هعيد كلامي تاني… شيليني من حساباتك نهائيا أنا وندى… ودا لمصلحتك أنتي قبل أي حاجة تانية… مفهوم؟!!!!…

+

أبعدت وجهها بصعوبة عن قبضته وفركت ذقنها موضع قبضته ثم نظرت اليه وتساءلت رغما عنها وهي تتحرق لسماع الاجابة لتروي فضولها:

+

– ليه؟.. ايش معنى هي؟…

+

يوسف بنصف ابتسامة وقد أبتعد عنها قليلا:

+

– لأنها مالهاش زيّ… متفردة بطبعها، لأنها أثبتت لي أنه بنات حوا كلهم مش نوع واحد، ولأنها الوحيدة اللي نجحت في اللي فشل فيه غيرها كلهم!!…

+

طالعته مايسة باستفهام وريبة فاستأنف بابتسامة:

+

– قدرت تخلّي قلبي يرجع للحياة من تاني… لأنها الوحيدة اللي حبيتها، واللي لا يمكن أفرّط فيها بأي حال من الأحوال… عرفتي بقه ليه… إلّا ندى!!!!…

+

وتركها دون الاهتمام بسماع جوابها وانصرف يبحث عن تلك العنيدة التي خطفت قلبه وأخذته معها أسيرا لهواها بكل بساطة ودون الالتفات إليه مرتين!!!!…

+

**************************

+

جلس عبد العزيز يتبادل النظرات المتسائلة والحائرة مع فريدة، ليقطع أنور الصمت السائد بعد القائه بطلبه أمامهما بصوت لحوح:

+

– قلت إيه يا عمي؟… أظن أن حضرتك والدكتورة فريدة – ناظرا الى فريدة – عارفيني كويس أوي، وفعلا يشرّفني أنك تقبل بيّا زوج لرنا.. إيه رأيكم؟..

+

عبد العزيز بعد أن تنحنح ليجلي حنجرته:

+

– والله يا بني أنت فاجأتنا، أحنا طبعا عارفينك كويس أوي، أنت ابني يا أنور، بس أنت عارف أنه رنا مخطوبة لكريم و…..

+

قاطعه أنور بلهفة هاتفا بحماس:

+

– بس هي رفضته!!… 

+

ثم تدارك ما إن رمقه عبد العزيز ببرود:

+

– أنا عارف طبعا أنه ممكن تكون رنا غلطت في انها اتسرعت ووافقت عليه لكن…

+

ليقاطعه صوت أنثوي يقول ببرودة جعلت أطرافه تتيبس:

+

        

          

                

– للأسف يا أستاذ أنور… أنا ما غلطتش وما اتسرّعتش… أنا فعلا موافقة على كريم!!!..

+

ليرتفع رأسه عاليا بسرعة كطلقة الرصاصة ينظر الى رنا بغير تصديق ثم وثب واقفا وهو يهدر فيها بغضب عنيف فيما جحظت عيناه وكادتا تخرجان من محجريهما:

+

– أفندم؟!!!!.. انتي بتقولي إيه يا رنا؟…

+

ابتلعت رنا ريقها وجاهدت للحفاظ على هدوئها وأجابت وهي تتحاشى النظر إليه:

+

– اللي سمعته!!!..

+

أنور بعصبية بالغة:

+

– يعني إيه اللي سمعته؟.. أنت عاوزة تقولي أنك رافضاني؟..

+

رنا وداخلها ينزف دما لكنها لن تسمح لنفسها أن تكون نسخة مكررة من الدكتورة فريدة التي انفصلت عن زوجها بعد قصة حب تُروى في القصص والحواديت، لن تمر بتلك التجربة والأكيد أنها لن تدع أولادها يدفعون ثمن اختيارها الخاطئ كما فعل والديها ودفعت هي ثمن حبهما الذي تقوّض تحت أنقاض زواج فاشل!!!… أجابت رنا محاولة الاحتفاظ بواجهتها الباردة:

+

– أنا ما قبلتكش قبل كدا عشان أرجع أرفضك!!… أظن أنك عارف والكل عارف أني وافقت على كريم، وأعتقد يا بابا – ووجهت حديثها الى والدها الذي كان ينقل نظراته بينهما في حيرة من أمره تماما كوالدتها – أنه حضرتك مصمم أكتر مني كمان أننا نتمم الجواز، وأنا بقول لحضرتك أني مستعدة أتجوز كريم من بكرة لو لزم الأمر!!!!…

+

عبد العزيز وهو يشير لابنته بالجلوس:

+

– طيب اقعدي يا رنا يا حبيبتي، مينفعش نتكلم وانت واقفة كدا..

+

انتظر الى أن استقرت في مقعدها بجواره ثم وجّه حديثه الى أنور الذي تسلطت عيناه عليها في وجوم تام بينما ارتسم على وجهه تعبير عدم التصديق والذهول:

+

 – ممكن تجيب لنا عصير من البوفيه يا أنور لو سمحت؟..

+

اضطر عبد العزيز لمناداة أنور عدة مرات إلى أن انتبه الأخير، فكرر عبد العزيز طلبه ليومأ أنور بالموافقة ثم انصرف ليجلب ما طلبه عبد العزيز ولكن ليس قبل أن يرمي رنا بنظرات سوداء… واعدة…. متوعّدة!!!!!!!!…

+

– ندى… 

+

نداء باسمها أوقفها وكانت تتجه الى مائدة والديها، فالتفتت الى صوت المنادي وهي تعقد جبينها بنفاذ صبر لتنفك عقدتها بعدها ويرتسم على وجهها تعبير مرحّب وهي تقول:

+

– أهلا.. أزيك يا لؤي..

+

لؤي وكان قد تقدم منها حتى وقف الى جوارها وبابتسامة عريضة:

+

– ألف مبروك يا ندى، بصراحة نجاح باهر…

+

ندى بابتسامة ناعمة صغيرة:

+

– الله يبارك فيك يا لؤي، أومال فين طنط دولت؟..

+

لؤي بطبيعية:

+

        

          

                

– ماما مقدرتش تيجي عشان بابا، ما أنت عارفة صحته تعبانة إزاي والدكاترة محرّجين عليه السهر، لكن رشا جات معايا!!..

+

تعبير من الامتعاض كاد يظهر على وجهها حينما سمعت اسم رشا ولكنها نجحت في اخفائه وقالت بابتسامتها الملائكية:

+

– عموما انت شرفتنا انهرده، وأنا مبسوطة أنه الديفليه عجبك، أنت رجل أعمال مشهود لك بالذكاء، وكلامك دا شهادة أعتز بيها بصراحة..

+

لؤي وقد انتبه الى ازدحام المكان حولهما:

+

– انت بجد تستحقي كل نجاح، بقولك إيه عاوز أشوف عمي عز عشان أهنّيه بنفسي..

+

ندى بعفوية:

+

– آه طبعا.. تعالى معايا هما على الترابيزة اللي هناك دي…

+

وأشارت حيث انتقل والديها بعد أن تركا عبد العزيز وفريدة مع أنور لتقطب وهي تشاهد رنا تجلس بجوار والدها وقد ظهر الوجوم على وجهها!!!…

+

انتبهت الى حديث لؤي فرسمت ابتسامة على وجهها وسارت معه الى والديها، وكانا منخرطين في الكلام حينما اعترض طريقهما شخص ما، فقال لؤي بهدوء:

+

– لو سمحت…

+

ولكن ذلك المعترض لطريقهما لم يبتعد وبدلا من ذلك نطق بكلمة واحدة وبصوت واثق حازم:

+

– ندى!…..

+

لترفع ندى رأسها تنظر الى محدثها ففتحت عينيها على وسعهما وهي تطالع رؤوس ألسنة نيران ملتهبة تتقافز بين مقلتي فحم أسود مشتعل، فيما وجه صاحبهما شديد السواد وكأنه يتوعدها بأقسى عقوبة ممكنة!!!… 

+

“تبّاً.. لما هذا الخوف الذي اعتراني ما إن شاهدت نظراته السوداء؟.. هو ليس له أي حق عليّ، أو لا يكفي تلك البذيئة خاصته التي وقفت ترمي بكلمات مستتترة الغرض منها الاستهزاء بي والنيل مني، أكاد أقسم أن علاقتهما ليست أبدا بعلاقة رئيس بمرؤوسه، فيكفي تلك النظرات التي رمقتني بها والتي لو كانت تقتل لسقطت قتيلة في الحال!!.. كما أنني لا أهتم، فلتشبع به وليولع هو بها، أنا لا أهتم!!!..”…

+

ما أن أنهت ندى حديثها السري مع نفسها حتى تنفست بعمق ورسمت ابتسامة حيادية على وجهها وقالت برسمية:

+

– أيوة يا مستر يوسف؟!!..

+

قطب يوسف بريبة وبداخله يصب جميع اللعنات والشتائم التي يعرفها والتي لا يعرفها على رأس تلك اللعينة مايسة، فهي السبب في ذلك البرود البغيض الذي اتخذته تلك العنيدة الحمقاء واجهة لها ولكنه سيكون ملعونا لو تركها تتراجع الى قوقعتها ثانية، ليس بعد أن رأى استجابتها لاعترافه لها بحبه في عينيها، بعد أن شعر بخوفها وترددها في الاستجابة له، ندى له.. شاءت أو أبت.. وستعلم بل وستتأكد من ذلك قريبا.. قريبا جدا، بل أقرب مما تتصور هي نفسها!!… لذلك رسم ابتسامة مماثلة على وجهه الرجولي الجذاب وأجاب:

+

        

          

                

– كنت عاوزك دقيقة لو سمحت…

+

ندى ببساطة:

+

– آسفة معلهش، محتاجة أشوف بابا ضروري ، و… – ثم نظرت الى لؤي المتابع لحوارهما بصمت ونظرات غمضة – لؤي عاوز يقابله هو كمان.. مش كدا يا لؤي؟..

+

لؤي بهدوء وابتسامة صغيرة:

+

– تمام يا ندى… 

+

وجد يوسف صعوبة بالغة في تمالك نفسه وحجم قبضته عن التسليم على وجه ذلك الـ…لؤي بقوة توقع أسنانه الأمامية وهو ينطق باسم حبيبته بتلك الاريحية المستفزّة، وحاول تمالك نفسه بصعوبة شديدة ولجم وحش غيرته الذي أن فلت من عقاله سيحرق الأخضر واليابس فوق رأس كل من تسوّل له نفسه بمجرّد النظر الى… نداه هو!!!… قال يوسف بتلقائية زائفة:

+

– والله فكرة، أنا كمان نفسي أهنّي عز بيه على النجاح الكبير دا…

+

رمقته ندى بنظرة ساخطة من بين رموشها لم ينتبه اليها الا هو، ليفسح لها الطريق فتواصل السير محاطة بكلا منهما على جانبيها في طريقهما لطاولة والديها، والتي ما ان وقفت بجنابها حتى سمعت والدها يقول وهو ينظر اليها:

+

– ندى.. فينك يا حبيبتي؟..

+

ثم نهض واقفا ليرحّب بابنته والرجلين اللذين يجاورنها متابعا بابتسامة:

+

– ازيك يا لؤي، أخبارك إيه يا يوسف؟..

+

وصافحهما وهما يتبادلان معه كلمات التحية، ليعرض عليهما بعدها الانضمام إليهم، ليجلس الجميع بعد أن رحبا بوالدة ندى، جاء مكان جلوس ندى بين والديها وأمام يوسف مباشرة، كانت طوال الحديث المتبادل حولها ملتزمة الصمت ولا تشارك الا بردود بسيطة، حتى انتبهت الى رنين هاتفها الشخصي في حقيبة السهرة الصغيرة التي تحملها، فأخرجت الهاتف وتلقت المكالمة لتفاجأ برنا في حالة انهيار وتطلب رؤيتها في التوّ واللحظة، واستطاعت معرفة مكانها بصعوبة وسط كلماتها المتقطعة، فقد عرفت أنها تقبه بانتظارها في الموقف الخاص بانتظار السيارات التابع للفندق..

+

مالت ندى على أذن والدها هامسة ببضعة كلمات وفعلت نفس الشي لوالدتها قبل أن تنهض من مكانها وهي تلقي بتحية المساء للجميع، وتنصرف سريعا قبل أن يلحق بها يوسف والذي ظهرت نيته واضحة كوضوح الشمس وهو يلقي اليها بنظرات استفهام حادة، ولكن والدها وكأنه شعر بنيته في اللحاق بابنته التي أخبرته أن رنا بحاجتها وبسرعة وأنها تنوي اللحاق بها، ويكاد يجزم أن لأنور دخل في حالة رنا التي أقلقت ابنته، فعمد الى فتح حوار جديد حول الحملة الاعلانية ومستجدات السوق لينخرط لؤي معه في الحديث فيما يوسف كان يعلق بردود مقتضبة بينما عقله مشغول بتلك المكالمة التي تلقتها ندى لتنصرف بعدها ندى مسرعة وكأن الشياطين تجري في عقبها!!!!..

+

*******************

+

هبطت ندى باستخدام المصعد الى موقف السيارات والذي ما إن شرّعت أبوابه حتى انطلقت خارجا تفتش بعينيها عن صديقتها، فكادت ترتطم بسعادات التي هتفت ما أن رأتها:

+

        

          

                

– هو فيه إيه انهرده؟.. هو أنا كل ما أمشي خطوتين ألبس!!!!!!.. أنا ما عدتش لابسة العدسات دي تاني ولا كعب فتلة الشاي دا!!…

+

ابتسمت ندى وقالت وعينيها تزوغان هنا وهناك بقلق بحثا عن رنا:

+

– سوري يا سعادات ما اخدتش بالي..

+

سعادات بابتسامة:

+

– ولا يهمك يا أبلة، عشان خاطرك أنتي بس اخبطي وافرمي واعملي كل اللي نفسك فيه..

+

ندى بابتسامة متوترة:

+

– تسلمي يا سعادات.. إلا قوليلي.. ما شوفتيش رنا؟..

+

سعادات ببساطة:

+

– آه… أصلي نزلت هنا بالغلط، ركبت الاسانسير وما اخدتش بالي من الدور، لسّه شايفاها حالا واقفة جنب عربيتك يا أبلة، أنا عارفاها من المرة اللي فاتت في الاستديو لما وقفت بيكي هناك..

+

ندى بابتسامة استحسان:

+

– ميرسي يا سعادات…. 

+

وهمّت بالذهاب حين نادتها سعادات بتردد فالتفتت اليها ندى:

+

– معلهش يا أبلة، ممكن آجي معاكي؟.. أنا مش عارفة أطلع من هنا إزاي، أخاف أتسحب في أي دور تاني؟..

+

ندى بابتسامة:

+

– تعالي يا سعادات، وهنرجع سوا..

+

واتجها الى رنا لتفاجأ بها ندى وهي تقف مستندة الى مقدمة سيارتها، فنادتها لتلتفت إليها فهالها منظر وجه صديقتها المتورم وعينيها اللتان تذرفان الدموع، لتهرع ندى اليها وتقف أمامها هاتفة في توجس وقلق:

+

– رنا.. مالك يا حبيبتي؟.. إيه اللي حصل؟..

+

لتفاجئها رنا بالارتماء بين ذراعيها والانخراط في بكاء حاد، كادت معه ندى أن تفقد عقلها، فهي لأول مرة ترى رنا في مثل هذه الحالة من الانهيار الشديد، فيما وقفت سعادات بجانبهما لا تعلم كيف تهوّن عن هذه الشابة الحسناء التي يتقطع قلبها حرنا عليها، أجابت رنا من بين شهقات بكائها الحار:

+

– خـ.. خلا.. خلاص يا.. ندى.. خـ.. خلاص!!!!…

+

قطبت ندى وقالت وهي تربت على كتفها:

+

– خلاص؟!!.. هو إيه اللي خلاص؟..

+

لتنفجر رنا في نوبة بكاء جديدة فيمسك القلق بتلابيب قلب ندى التي هتفت برجتء:

+

– رنا عشان خاطري مش كدا، إيه اللي حصل لدا كله؟.. وفين أونكل عبد العزيز وطنط فريدة؟…

+

ما إن سمعت رنا باسميْ والديها حتى انتفضت مبتعدة عن ذراعي ندى وهتفت بغضب شديد ووجه في لون الشمندر السكري لفرط بكائها:

+

– همّا السبب!!.. همّا السبب!!!!…

+

ازداد توجس ندى أكثر فأكثر، ولكنها آثرت تهدئة صديقتها أولا قبل الاستفسار منها عمّا تعنيه فقالت:

+

        

          

                

– ولا يهمك حبيبتي، هدِّي نفسك أنتي بس…

+

تدخّلت سعادات لأول مرة منذ وقوفهما وقالت وهي تكاد تبكي حزنا على رنا:

+

– هدّي نفسك يا أبلة، والله ما في حاجة تستاهل تقهري نفسك عشانها، قوليلي بس مين زعّلك وأنا أعرّفه الـ آآآه تطلع منين!!!!…

+

ابتسمت رنا بحزن من بين دموعها التي تغرق وجهها وقالت بأسى:

+

– يا ريت أعرف أنا أقول الـ.. آآآه دي يا سعادات، تصدقي.. أنا حاسّة لو قلتها أني هرتاح!!!..

+

قطبت سعادات ثم ظهرت علامات العزم والتصميم على وجهها قبل أن تقول وكأنها هي من تقود المسيرة:

+

– ولا يهمك يا أبلة، هترتاحي.. وحالا!!!!…

+

ثم أردفت بعد أن لمحت ما تفتش عينيها عليه فوجهتهما الى طريق جانبي في الموقف:

+

– تعالوا ورايا..

+

وسارت وهما في أعقابها، حتى خرجن من باب جانبي للطوارئ يفضي الى خارج موقف السيارات، وسرن ثلاثتهن في حديقة واسعة كثيفة الأشجار تحيط بالفندق، حتى إذا وصلن الى الجانب البعيد عن الحديقة وكانت أصوات موسيقى الحفل لا تزال تعمل وإن كان صوتها يصلهن خافتا للغاية، وقفت سعادات أسفل شجرة ضخمة وقالت وهي تفرد ذراعيها الى جانبيها وابتسامة عريضة ترتسم على وجهها:

+

– هنا يا أبلة!!..

+

قطبت كلا من رنا وندى التي تساءلت:

+

– هنا إيه يا سعادات؟..

+

سعادات ببساطة:

+

– تقدر تقول الـ… آآآآآه زي ما هي عاوزة لغاية ما ترتاح!!!

+

تبادلت كلام من رنا وندى النظرات قبل أن تبدأ رنا بخفوت هامسة:

+

– آه..

+

ثم ارتفع صوتها تدريجيا حتى وصل الى درجة الصراخ عاليا وهي تصيح هاتفة بحرقة قلب موجعة:

+

– آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!…

+

و… سكتت بعدها تماما، وجالت بعينيها في وجهي ندى وسعادات قبل أن تسيل دموع صامتة من وجهها أغرقت وجهها في حين ارتسمت ابتسامة أسى صغيرة وقالت رنا بصوت غلّفته نبرة حزن واضحة على الرغم من محاولتها اضفاء المرح عليه:

+

– مش عارفة أشكرك إزاي يا سعادات… أنا فعلا دلوقتي بس.. ارتحت!!!!

 وقفت سعادات أمامها وقالت بصوت منخفض وعينيها مغرورقتان بالدموع:

+

– تسمحي لي يا أبلة؟..

+

وقبل أن يتثنى لرنا الاستفهام عمّا تعني كانت سعادات تحيطها بذراعيها الصغيرتين تضمها بقوة إليها لتحتضنها رنا بدورها مربتة على كتفها، في حين مسحت ندى دموعها التي سالت على وجنتيها حزنا على حال صديقتها…

+

        

          

                

قطع صوت رنين هاتف ندى الشخصي الصمت السائد فرفعته لترى اسم المتصل والذي لم يكن سوى والدها، حاولت تمالك نفسها حتى لا يخرج صوتها حزينا فيقلق والديها، قالت بعد أن استعادت هدوئها الى حد ما:

+

– السلام عليكم يا بابا..

+

أنصتت قليلا قبل أن تعقد جبينها وتقول وهي تنظر الى رنا التي فطنت الى نظرات صديقتها المرتابة:

+

– لا يا بابا معرفش، أنا ما شوفتش أنور، آخر مرة شوفته كان قاعد مع أونكل عبد العزيز وطنط فريدة… رنا؟…

+

ونظرت الى رنا التي نظرت اليها بدورها بعله وحركت رأسها بعنف يسارا ويمينا لتردف ندى بتوتر خفيف:

+

– لا يا بابا، معرفش، أنا مع سعادات.. أيوة.. بنتمشى في جنينة الفندق شوية كده، حاضر يا بابا لو شوفت رنا أو أنور هبلغك، أنما هو فيه حاجة؟.. حضرتك بتسأل عليهم ليه؟..

1

لتجحظ عيناها وتهتف بغير تصديق:

+

– معقولة؟.. حا.. حاضر حاضر.. هبلغك…

+

وأنهت المكالمة لتطالع رنا التي وقفت بين ذراعي سعادات تطالعها باستفهام وريبة فأجابت ندى سؤالها الصامت قائلة:

+

– أنور اتخانق مع كريم وبابا واونكل عزيز منعوه بالعافية أنه يضربه، ومن وقتها محدش شافه، حتى يوسف مش عارف يوصل له!!!..

+

شحب وجه رنا تماما، في حين تقدمت ندى منها ووقفت أمامها قائلة بجدية:

+

– في إيه يا رنا؟.. إيه اللي حصل بالظبط؟..

+

رنا بصوت ميّت:

+

– أنور اتقدم لي وأنا رفضته!!!!

+

شهقت ندى بدهشة في حين أردفت رنا كمن يُخبر بحالة الطقس:

+

– وعاوزة تعرفي رفضته ليه؟… 

+

نظرت الى ندى مجيبة بحزن طغى على لون عينيها الكهرماني:

+

– لأني…. لأني بحبه يا ندى، بحبه!!!!!!!!

+

وانسابت دموعها في صمت، لتقاطعهما سعادات هاتفة في حيرة:

+

– إيه اللخبطة دي؟.. منين بتحبيه واتقدم لك فانتي اللي رفضتيه وبتعيطي؟.. مين الحمار فينا؟…

4

نهرتها ندى بنظرة زاجرة فاستدركت سعادات قائلة باعتذار:

+

– والله يا أبلة آسفة ما أقصدش، بس أصلها غريبة شويّات مش شويّة واحدة بس، يعني أنا أعرف أنه الواد الموزز من دول يضحك على عقل البنت بكلمتين وبعد ما تتدهوّل وتحبه يطلع عاوز يعيش يومين حلوين وبعدين يدّيها استمارة 6 ويخلع، لكن أولا مستر أنور ابن ناس وأخلاق ومش ممكن يلعب ببنات الناس، دا غير أنه بلسانها هي اتقدم لها يعني عاوزها، وبلسانها هي بردو انها بتحبه، وهي بردو اللي رفضته، وهي كمان اللي جاية تعيّط دلوقتي… نافوخي بجد وجعني من كتر التفكير!!!!…

+

        

          

                

رنا بجمود:

+

– للأسف يا سعادات مش كل قصة حب بتنتهي بجواز البطل والبطلة وعاشوا في تبات ونبات وخلّفوا صبيان وبنات، فيه قصص حب كتير الفراق بتكون هي النهاية ليها..

+

سعادات بجدية غريبة عنها:

+

– الكلام دا يكون صح لو الفراق دا اتفرض عليهم، لكن لما يكون الاتنين عاوزين بعض، وواحد فيهم هو اللي يحكم بالفراق عليهم، يبقى اسمحي لي يا أبلة، دا يبقى ضعف وهروب، بدل ما تحكمي بالفراق عليكي وعليه اقفي وواجهي وقولي له ايه سبب رفضك، مش تخلّيه يحس أنه ولا فارق معاكي!!!

+

هتفت رنا بصدمة:

+

– إيه؟.. مش فارق معايا؟.. هو قالك كدا؟..

+

سعادات بابتسامة حزينة:

+

– قالي فين بس، هو أنا أعرف حاجة إلا منك أنتي دلوقتي!!!.. لكن دا أكيد اللي هيفكّر فيه، طالما رفضتيه يبقى مش عاوزاه، ويبقى بترفضي مشاعره اللي بيقدمهالك، لأنه أكيد لما فكر يتجوزك واتقدم لوالدك مش سداد دين ولا تخليص حقك بينكم.. لا… دا اتقدم لك عشان عاوزك أنت… رايدك أنت… لا أبوه ضغط عليه مثلا ولا حاجة… فهمتي بقه احساسه إيه دلوقتي؟..

+

صرخت رنا بعذاب:

+

– وأنا تفتكري اللي سعيدة أوي وأنا برفض الانسان الوحيد اللي حبيته؟.. لكن أنا مش ممكن أكرر نفس تجربتهم تاني، تجربة الحب اللي انتهت بالجواز اللي انتهى بالطلاق وببنت معقدة نفسيّا من كل حب وجواز!!.. أنا لو كان بإيدي كنت خلعت قلبي من صدري عشان ما يدقش، كنت فاكرة أني أقدر أسيطر عليه وأتحكم فيه، لكن أنور ما سمح لي، فاكرين أني مش حاسّة بيه لما رفضته؟.. تبقوا غلطانين… إذا كان أنور نجح في حاجة يبقى في أنه قدر يخلّيني أحس بيه من نظرة واحدة منه بس..

+

سعادات باستفهام:

+

– معلهش ممكن سؤال؟.. مين دول اللي انتي مش عاوز تكرري تجربتهم تاني؟..

+

ليأتيها الجواب من ندى بصوت أجوف:

+

– باباها ومامتها، انفصلوا ورنا في ثانوي..

+

سعادات بهزة رأس:

+

– امممممم.. وعشان كدا انتي رفضتيه؟.. خفتي تتجوزي وبعدين تتطلقوا ويكون عندكم عيال زيّك كدا يعني ويحتاروا بينكم؟!!!… ممكن أسألك سؤال؟…

+

هزت رنا رأسها بالايحاب فأردفت سعادات:

+

– أنتي بتعدي الشارع عادي يعني ولا كل مشاويرك بتمشيها على طول؟!!!!..

+

رنا قاطبة بحيرة:

+

– نعم؟… همشي إزاي على طول يعني؟.. لا طبعا أكيد بضطر كتير أني أعدي الناحية التانية من الطريق عشان أوصل مشواري!..

+

سعادات بابتسامة ظفر صغيرة:

+

– ومش خايفة بعد الشر عنك يعني عربيتك تخبطك زي الحوادث اللي بنسمع عنها دي كل يوم؟..

+

        

          

                

رنا بتلقائية وهي لم تفطن بعد لما وراء سؤال سعادات:

+

– عادي، أنا لو مكتوب لي عربية تخبطني هتطلع تخبطني وأنا واقفة فوق الرصيف، الخوف مش هيخليني أتشلّ، لازم أوصل مكاني، واللي رايده ربنا هيكون…

+

هتفت سعادات بنصر:

+

– بالظبط!!!!!!.. انتي جبتي الفايدة.. اللي رايده ربنا هيكون… انتي لازم تمشي في طريقك مش هتوقفيه عشان خوفك انه عربية تخبطك، هتعدي الشارع وتمشي وتلفي وترجعي تعدي تاني ولو وقعتي في النص هتقومي وتكملي، مش هتقفي وتوقفي حياتك على خوفك من حاجة ممكن تحصل وممكن جدا لأ!!..

+

ندى وهي تقترب من رنا وتقف أمامها وبابتسامة:

+

– سعادات عندها حق، انتي متقدريش توقفي حياتك، لازم هتكملي فيها، والتجارب اللي بنمر بيها أو اللي غيرنا بيم ربيها بتكون دروس بنتعلم منها إزاي نقدر نكمل حياتنا صح، أنور بيحبك يا رنا، ما تضيعهوش من إيدك، بلاش تخلي الوقت يسرقكم وتندمي بعد كدا على أيام زيادة كنتي ممكن تعيشيها معاه، صدقيني… أي شيء بيتعوض إلا الحب الحقيقي، اللي لو فاتك عمرك ما تقدري تعوضيه، والوقت اللي بيفوت مش بيرجع تاني… احنا هنروّح دلوقتي، وهتكلمي أونكل عبد العزيز تقوليله أنك تعبت شوية وأني هروّحك، وفكري… فكري بجد المرة دي، طلاق عمو وطنط تجربة زيّها زي أي تجربة، وهما الاتنين اتعلموا منها، وأنتي كمان اتعلمتي أكيد منها، أهم درس اتعلمتيه أنك لازم تضحي عشان ولادك وعشان حياتك وعشان حبيبك، وأنه مهما كان بينكم خلافات طول ما أنتم بتحبوا بعض هتقدروا تعدوها، وما فيش حاجة في الحب اسمها كبرياء، دي كلمة بتقتل الحب، لما احنا الاتنين نكون عاوزين بعض فعلا بنتجاوز عن أي حاجة عشان نفضل مع بعض، مش بنعدّ على بعض انت صالحتني كم مرة وأنا صالحتك كم مرة، ولّأ آخر مرة أنت صالحتني فيها أمتى، أو.. لأ الخناقة اللي فاتت أنا اللي مصالحاك دورك المرة دي، مش بتتحسب كدا… يا للا يا روني يا حبيبتي وفكري في كلامي وكلام سعادات..

+

والتفتت ندى الى سعادات وتابعت بابتسامة:

+

– أنما بجد أنا بحييكي على تفكيرك يا سعادات، مع أن سنّك صغير لكن تفكيرك ناضج وواعي…

+

سعادات بفرحة طفولية من مديح ندى:

+

– تسلميلي يا أبلة، أنا يمكن عمري صغير، لكن أنا ابتديت الشقا بدري بدري، والشارع أكبر مكان الواحد يقدر يتعلم فيه دروس، أنا نزلت الشغل وأنا عندي ست سنين كنت أوقات أقضي طلبات سكان العمارة، وأوقات أساعد أمي لما ساكنة تحتاجها، ولما كبرت شوية بقيت أقف مع أبويا في الكشك، الكشك دا أكتر مكان سمعت فيه مشاكل وحكايات زي اللي بنشوفها في الافلام تمام، واتعلمت… أنا يمكن أبان أني صغيرة ومش فاهمه حاجة، لكن صدقيني يا أبلة، الشقا بيعلم اكتر من أي مدرسة في الدنيا!!…

+

هزت ندى رأسها بالايجاب واتجهن ثلاثتهن عائدات الى موقف السيارات بالفندق حيث استقللن سيارة ندى وقامت رنا بمهاتفة أبيها كما أخبرتها ندىـ وعلمت منه أنه لا يزال البحث جاريّا عن أنور!!!…

+

        

          

                

**************************

+

دلفت رنا الى غرفتها التي كانت تسبح في الظلام، فتحت مصباح الاضاءة الجانبي، قبل أن تغرق الباب خلفها، وقفت أمام منضدة الزينة وفكّت حجابها ثم أطلقت خصلاتها القمحية وفركت فروة رأسها قبل أن تستدير وتتجه الى خزانة الثياب لتخرج منامتها المفضلّة بلونها الوردي، والتي تصل الى ما فوق ركبتيها، بفتحة عنق واسعة مزمومة بحزام فضي رفيع ينتهي بربطة كالفراشة، وأكمام غاية في القصر مزمومة على ذراعيها البيضاويتين بحزام مشابه لحزام الصدر، ومرسوم على واجهته شفاه في موضع القبلة باللون الأحمر القاني، ومكتوب أسفلها “قبّلني” بالانجليزية أو.. “Kiss”…

+

اتجهت الى الباب لتذهب الى الحمام رغبة منها في الاغتسال لتجدد نشاطها، وقبل أن تخرج أوقفها رنين هاتفها المحمول وكان والدها يطمئن على وصولها سالمة ويخبرها بأنه سيعيد والدتها، ولم تستطع سؤاله عن أنور، فلتنهي حمامها أولا ثم بعدها تعيد ترتيب أوراقها ثانية..

+

أنهت حمامها وعادت الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها، سارت حتى وقفت أمام منضدة الزينة وهي تمسك في يدها بمنشفتها العريضة، وقامت بتجفيف شعرها، ثم رمتها جانبا، قبل أن تمسك بفرشاة التسريح وتبدأ بتمشيط شعرها، وقفت تطالع نفسها في المرآة، من يراها يظنها لا تزال مراهقة في السابعة عشر من عمرها، بوجهها الخالي من الزينة، والذي قد انتشر فيه اللون الأحمر نتيجة الاغتسال بالمياه الدافئة، فيما انساب شعرها حولها حتى خصرها بلونه القمحي الذي أصبح داكنا بعد غسله، شردت في البعيد وهي تتذكر كل كلمة وحرف تبادلتها مع أنور هذه الليلة، وكيف اكتشفت أن حبه قد تسلل إليها في غفلة عنها، تنهدت عاليا قبل أن تمسك بطرف المنضدة وتسقط رأسها الى الأمام، ثم رفعته تطالع صورتها المنعكسة في المرآة، لتفتح عينيها بعدها على وسعهما وقد ارتسمت على وجهها أبلغ آيات الذعر والخوف، وشهقت بقوة بينما تشعر بقلبها يوشك على التوقف، فأمامها في المرآة قد ظهر وبكل وضوح انعكاس لوجه جعلها تلتفت سريعا لتتأكد مما تراه عينيها، قبل أن تصرخ عاليا، ولكنه كان سريعا كالفهد إذ سرعان ما كمم فمها بيده فيما طوق خصرها باليد الأخرى وهمس بسخرية لعينيها المرعوبتين:

+

– هشششش… مش دلوقتي، هتصوتي ما تخافيش، هسيبك تصوتي وتلمّي علينا الناس كمان، أنما مش وقتها خالص دلوقتي… عارفة أمتى؟..

+

هزت رأسها بالنفي فيما لا تزال يده تكمم فمها فأجاب برفعة حاجبه الأيمن:

+

– لما والدك ووالدتك ييجوا بالسلامة، عشان ساعتها مش هتقدري ترفضي جوازنا، طبعا… مش المفروض أصلّح غلطتي؟.. 

+

ليكمل بعدها بينما شحب وجهها بشدة وتزايدت ضربات قلبها بقوة:

+

– قلت لك يا رنا قبل كدا وما صدقتنيش… أحنا أتأخرنا أوي وأنا مش ناوي أضيّع وقت أكتر من كدا، طالما الزوء منفعش معاكي يبقى ما فيش قودامي غير حل واحد بس، وأنتي اللي أجبرتيني عليه!!!!..

1

        

          

                

شعرت بانحباس الهواء في صدرها وجاهدت لتتنفس، فشعر أنور بمحاولتها ليزيح يده جانبا قاطبا بقلق، وأمسك بذراعيها يهزها وهو يقول:

+

– رنا… رنا اتنفسي يا رنا.. رنا.. فوقي يا رنا…

+

ولكنها كانت كالخرقة بين يديه، لتهوى فجأة بين ذراعيه مغشيًّا عليها، فيهتف باسمها بقلق وذعر:

+

– رنا… رنا….

+

ولكن ما من مجيب، فحملها واتجه بها الى فراشها حيث وضعها، ثم اتجه الى منضدة الزينة وتناول زجاجة عطر وعاد اليها، قام برش بضعة قطرات على راحته ووضعها أمام أنفها لتئن بصوت ضعيف، فترك الزجاجة وتناول قارورة الماء الموضوعة على الطاولة الجانبية وسكب منها قليلا في راحته لينثرها في وجهها بعد ذلك، فبدأ صوتها يعلو، فجلس بجوارها ورفعها بذراعه في حين ضرب بيده وجنتيها بيده الأخرى، عدة صفعات صغيرة متتالية، حتى فتحت عينيها ببطء وهي تهمهم ببضعة كلمات لم يستطع سماعها، فما كان منه ما أن رأى انعكاس صورته في بؤبؤيها إلا أن تنفس بعمق، واحتضنها بشدة وهو يقبل شعرها هامسا بصدق:

+

– أنا آسف، سامحيني، معلهش عارف أني خضيتك، بس انتي خدتي بحقك تالت ومتلت، الدقايق اللي فاتوا دول من لحظة ما أغمي عليكي كانوا أطول دقايق في عمري كله… سامحيني حبيبتي…

+

رنا بصوت ضعيف وعينين شبه مغمضتين وقد استراحت رأسها على صدره تهدهدها ضربات قلبه القوية فتركت نفسها تنعم بهذا الشعور حاليا:

+

– انت فاكر أني بكدا خضيتك؟.. يبقى أنت لسّه ما تعرفش الخضّة شكلها إزاي، وأنا مش هسامحك إلا لما آخد بحقي فعلا منك… وأنا واعية وصاحية مش عاملة زي السمكة مش عارفة أقف!…

+

احتواها أقرب وأقرب اليه وهو يقول:

+

– اعملي ما بدالك، لكن وأنتي هنا.. بين إيديا وجنب قلبي.. مكانك الطبيعي…

+

رفعت رنا عينين متسائلتين إليه، فهو لم يسبق له وأن افصح لها عن مشاعره الحقيقية، حتى عندما فاتحها في رغبته بالزواج منها لم يقلها صريحة، لم يبهج قلبها بسماع اعترافه، ليجيب أنور سؤالها الواضح بين مقلتي عينيها:

+

– أيوة يا رنا.. أنا.. بـ حـ بـ ك، وكلمة حب بسيطة جدا قودام المشاعر اللي جوايا ليكي… صدقيني حبيبتي، عمرك ما هتلاقي قلب يحبك زي قلبي، وكأني مثلا هديكي الفرصة أنك تحاولي تلاقي لكن لو فرضنا وحاولت تدوري مش هتلاقي، يمكن تقولي عليّا بكدب أو بسرح بيكي لو قلت لك أن حبي ليكي أقوى من حب عمي ومامتك ليكي!!.. أيوة يا رنا… أنتي بالنسبة لهم بنتهم وبس، لكن بالنسبة لي أنا.. بنتي وصاحبتي وحبيبتي واللي بكلمة منها تقدر تفوّر دمي، واللي بكلمة منها بردو تقدر تخليني أضحك وأحس أني طاير من السعادة، أنتي مراتي يا رنا.. حاسس انك ملزومة مني أنا، تابعة ليا أنا، محدش له الحق أنه يتدخل في أي شأن ليكي حتى لو كان والدك مع احترامي له طبعا، عشان كدا.. أنا مش هسمح لك أنك تبعدي عني، أنتي ليّا أنا وبس… ومحدش هيقدر يفرق بيننا أبدا.. مهما كان…

+

        

          

                

– حتى لو كان الـحد دا يبقى أنا!!!!!!…

+

شهقت رنا ملتاعة والتفتت تطالع مصدر الصوت وهي تهمس برهبة:

+

– بابا!!!!!!!..

1

وشحب وجهها تماما ودفعت بنفسها بدون وعي منها بين أحضان أنور الذي ازدرد ريقه فيما وقف عبد العزيز ينقل نظراته بينهما بغموض قبل أن يوجه حديثه الى فريدة التي تقف مصدومة على عتبة الباب حيث فتحه قبل قليل في غفلة من هذين الاثنين اللذان انشغلا ببعضهما البعض فكأنهما انعزلا عن أي شيء آخر حولهما، قال عبد العزيز بلهجة غامضة ولكنها حازمة وباترة في نفس الوقت:

+

– هي دي الثقة اللي أنا ادتهالك يا أنور؟.. شوف نفسك انت فين دلوقتي؟.. في أودة نوم بنتي وعلى سريرها وهي بتتحامى فيك منِّي أنا… أبوها.. يا ترى لو مثلا.. قتلتك دلوقتي حد يقدر يلومني؟..

+

فصاحت رنا بفزع فيما شهقت فريدة بخوف:

+

– بابا!!!!!!!!..

+

عبد العزيز بحزم:

+

– اسبقني على الصالون، عشان أعرفك مين فينا اللي كلامه هيمشي في الآخر..

+

قبضت رنا على مقدمة قميص أنور والذي كان قد ترك سترته في سيارته، نظر اليها أنور محاولا بث الطمأنينة فيها وقال بصدق تام:

+

– ما تخافيش حبيبتي… أنا عمري ما هسيبك…

+

لينتزع يديها بصعوبة ويخفضهما مانعا نفسه بصعوبة من اغراقهما بقبلاته الملهوفة، ونهض عن الفراش، واستدار متجها الى الباب فدلفت فريدة متجهة الى ابنتها القابعة فوق فراشها، وقبل أن يدلف خارجا سمع صوت طرقعة عالية، فالتفت سريعا ليفاجأ برنا وهي تضع يدها فوق وجنتها فيما والدتها تحتضنها بشدة بينما يقف والدها قابضا على يده كمن يلومها بالرغم منه على ما فعلته في غاليته!!!..

+

اتجه أنور اليهما هاتفا بغضب عنيف:

+

– انت ضربتها؟..

+

عبد العزيز بصراخ أقوى:

+

– ولو قطعتها حتت حتت ما لكش دعوة، دي بنتي أنا… فاهم ولا لأ؟.. اتفضل اطلع بره دلوقتي، استناني في الصالون.. ياللا، واقف مستني إيه؟..

+

نظر اليه أنور وهو يحاول التحكم في نفسه بصعوبة كي لا يهرع اليها وينتزعها من بينهما ويهرب بعيدا حتى لا يطالها أي أذى، قال أنور بجدية شديدة ونظرات تلمع بعزم لا يلين:

+

– حاضر، هستناك، بس عاوزك تعرف حاجة مهمة أوي، أنا مش هسمح لأي حاجة أو أي حد أنه يجرح رنا… وأظن كفاية جرح فيها أوي لغاية كدا… عن إذنك.. أنا مستنيك برّه..

+

وانصرف لينظر بعدها عبد العزيز الى ابنته ويهمس متسائلا بألم:

+

– ليه يا رنا؟.. دا جزاء ثقتنا فيكي؟..

+

ابتعدت رنا عن والدتها ونظرت اليهما مليًّا قبل أن تنهض واقفة فترنحت قليلا ولكنها رفضت يد والدتها التي امتدت لاسنادها وبدلا من ذلك تحاملت على نفسها ووقفت تقول بجمود:

+

– حضرتك متأكد أنى ما خُنتش ثقتكم دي، ولو عن وجود أنور هنا هو هيوضح لحضرتك، وسواء صدقته أو لأ فأنا ربنا شاهد عليا أنى ما كدبتش في ولا حرف قلته، أنا معملتش أي شيء يضيع ثقتكم فيا، لكن… في نفس الوقت أنتو الاتنين ضيعتوا ثقتي فيكم من زمان!!!.. أنا آسفة أنى بقول كدا، وعارفة أنه مافيش أولاد بتحاسب والديهم، لكن تقدروا تقولوا أنه عتاب… ولأول مرة بقولها.. أنا انسانة مزعزعة ومعقدة ورفضي لأنور كان لأنه يستاهل واحدة أحسن مني بكتير لأني عارفة نفسي، أنا هتعبه معايا وجدا كمان، أنا كنت حاطة ثقة كبيرة فيكم وفي حبكم، لكن لحظة ما كل واحد فيكم سمع لكبريائه هو وبس وشاف إيه اللي يريحه ونسي أنه فيه بنت مسئولة منه، اللحظة دي نفسها هي نفسها الي ضاعت ثقتي مش بس فيكم.. لأ… وفي كل معنى جميل، بئيت انسانه ضعيفة من جوايا، ورافضة أحب وأتحب، مش عاوزة أعمل حياة وأجيب أطفال يدفعوا هما في الآخر نتيجة اختياري الغلط لباباهم أو نتيجة تمسكي بعناد بقرار أخدته في لحظة كرامة وهمية هدّت حياة بكاملها.. عشان كدا يا بابا بقولك أنت وماما… اطمنوا بنتكم عمرها ما خانت ثقتكم.. لكن آسفة.. مش هقدر أقول نفس الكلام دا عليكم…. سامحوني على كلامي دا، لكن لازم النقط تتحط فوقر الحروف، يمكن المواجهة دي اتأخرت أكتر من 12 سنة، لكن كانت لازم تحصل، أنا آسفة كمان مرة… سامحوني..

+

سكت الجميع لتتكلم دموع فريدة نيابة عنها في حين اخترق الصمت صوت عبد العزيز وهو يقول بصوت متحشرج:

+

– لو كنت فاكرة أنك بكلامك دا هتخليني أنسى اللي شوفته وأقبل بأنور تبقي غلطانة، وأنتى بنفسك قلتيها الولاد مش بتحاسب أبوهم وأمهم، لكن الأم والأب بيحاسبوا.. ويعاقبوا، واللي أنا أقرره بس هو اللي هيكون، يعني من الآخر كلمتي هي اللي هتنفذ، مهما كان، لأنه العقاب ما فيش فيه اختيار، حتى لو كان العقاب دا يبقى الجواز من واحد انتي مش عاوزاه!!!…

+

وتركها وانصرف في حين نظرت الى والدتها في صدمة وهمست بذهول بالغ:

+

– لا… بابا قصده.. كريم!!!!… هتجوزه؟!!!

 فريدة بجمود:

+

– زي ما باباكي قال تمام…. العقاب مش اختياري… دا.. اجباري!!!!!!!…

+

لتصمت رنا وقد شحب وجهها تماما وتوسعت حدقتيها اللتين لم تريا سوى اللون الأسود الذي صبغ المكان من حولها!!!!!!!!!!..

+

 – يتبع – 

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى