رواية الوكر الفصل الرابع 4 بقلم مريم محمد – تحميل الرواية pdf

الفصل الرابع( مهمة الليلة )
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، الفصل الرابع من رواية الوكر، متنسوش الڤوت ورأيكم في الفصل يا حبايبي.
_____________________________________________
كان الصباح هادئًا على غير العادة، تغلغلت أشعة الشمس المتسللة من النافذة في أرجاء الغرفة، مُلقية ضوءها على وجه رفد وهي تفتح عينيها بتثاقل، أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنهض، خطواتها كانت رتيبة وهي تتجه نحو خزانة الملابس، انتقت ثيابًا بسيطة، ارتدتها بتمهل بينما تتأمل انعكاسها في المرآة، لم يكن في ملامحها ما يشي بمشاعر واضحة، فقط هدوء حذر كعادتها.
+
خرجت إلى الشرفة، حيث كان زيدان يقف وحيدًا، مستندًا إلى السور، عيناه تتفحصان الحارة التي بدأت في الاستيقاظ. الباعة يفتحون دكاكينهم، النساء يتبادلن الحديث عند الأبواب، والأطفال يركضون بين الأزقة الضيقة، كان مشهدًا مألوفًا، لكنه لم يكن يغفل عن التفاصيل… تلك التفاصيل الصغيرة التي تكشف خفايا هذا المكان.
+
تقدمت رفد نحوه حتى وقفت بجانبه، قالت بصوت خافت لكنه ثابت:
تعالَ جوا، عاوزاك في موضوع.
+
لم يُظهر دهشة، فقط ألقى نظرة جانبية عليها قبل أن يتحرك نحو الداخل، حيث جلسا مقابل بعضهما على الطاولة، وضعت كفيها على سطح الخشب، تشبك أصابعها ببعضها بينما تنطق بصوت منخفض:
حاولت أستدرج أم نجات في الكلام، وعرفت إن مصطفى مش موجود هنا طول الأسبوع، ومعتز هو اللي ماسك الحارة مكانه، بس حتى هو مش موجود علطول يعني.
+
لم يُعلّق زيدان فورًا، كان يستوعب كلامها بعناية قبل أن يرد بنفس النبرة الهادئة:
وأنا عرفت إن كل جمعة بيطلعوا مهمات كبيرة، وبيهرّبوا بضايع من على الحدود، بس مش عارف إذا كانوا هايسمحولي أطلع معاهم ولا لأ.
+
حركت رأسها بتفكير، عيناها تراقب تعابيره المتزنة قبل أن تردف:
مستحيل يثقوا فيك بسرعة، لازم تعمل حاجة تخليهم يحسوا إنك واحد منهم، ساعتها بس ممكن تاخد فرصتك.
+
أمال رأسه قليلًا، عيناه تلمعان بتحدٍ مدروس وهو يتمتم:
بفكر أرتب عملية وهمية… أخلي سالم ييجي بعربية ومعاه مجموعة من الظباط، وأنا وقتها هاتصرف كأنّي بحمي معتز وبحمي الحارة كلها، كأننا في خندق واحد، كده ممكن أثبت لهم إن مكاني مش هنا، مكاني مع مصطفى أو معتز نفسه.
+
راقبته رفد لثوانٍ، وكأنها تزن الاحتمالات في عقلها قبل أن تهمس بتحذير:
بس خد بالك، أي غلطة ممكن تفضحنا.
+
لم يرد مباشرة، بل مال بجسده للأمام قليلًا، حاجباه مرفوعان انتظارًا لما ستقوله تاليًا، فأكملت بصوت حذر:
كمان… مكاني وسط الستات هناك ملوش أي لازمة، حاولت ألاقي حد يكون قريب منهم، عارف عنهم، بس مفيش غير بنت أم نجات… بتحب معتز، بس أمها قالت إن معتز مش معبرها، فمش هستفاد منهم بحاجة.
+
أرتسمت على شفتيها إبتسامة خفيفة وهي تضيف بصوت يحمل مسحة من التسلية:
عندي فكرة تانية.
ضاق زيدان عينيه قليلًا، ينظر إليها بشيء من الفضول قبل أن يسأل:
فكرة إيه؟
+
اتكأت للخلف، عقدت ذراعيها أمام صدرها، ثم مدت يدها له فجأة وهي تقول بصوت غليظ متصنع:
أنا أخوك توفيق!
ظل يحدّق بها لثانية قبل أن تنفجر ضحكته العالية، هزّ رأسه متسائلًا بين ضحكاته:
أخويا مين؟
+
ضحكت رفد هي الأخرى، لكنها أبقت على مظهرها الجاد وهي ترد بنبرة متحجرة:
أخوك توفيق… إللي هاجي أعيش معاك بعد ما تطلق مراتك رفد.
كانت الفكرة جنونية، لكنها عبقرية نوعًا مًا، لكي يستطيعوا سويًا تحقيق هدف تواجدهم، راقبها زيدان للحظة، إبتسامته لم تفارقه وهو يتمتم ساخرًا:
قلب أخوك.
+
بادلته إبتسامة جانبية بها بعض من الخجل المخفي، قبل أن تقول بجدية:
هنعمِل إيه بقى؟
ترك ظهره يستند إلى الكرسي، تنهد ببطء ثم قال بتفكير:
هقولك .
+
بينما كان مصطفى يجلس في الأسفل، جلس معتز بجواره، يحفهما حضور طاغٍ وهيبة ثقيلة تفرض نفسها على المكان. كان الإفطار الأسبوعي قد أصبح طقسًا معتادًا لا يتغير، لكن هذه المرة، لم يكن الأمر هادئًا كالمعتاد.
+
رفع مصطفى عينيه إلى معتز وسأله بصوت خافت، لكنه مشبع بسلطة لا تقبل الجدال:
عملت إيه في البضايع إللي طلعت يوم الأربع؟
+
أجاب معتز ببرود، مشيرًا بعينيه إلى المنزل دون أن يتحرك:
وصلت، والفلوس فوق، بضايع النهاردة جاهزة في العربيات.
+
حرك مصطفى رأسه ببطء، لكن بدلًا من أن يُكمل إفطاره، قال بصوت هادئ، وكأنما يزن كلماته بعناية:
ابعت هات حمادة ورجالته يقفوا في الشارع النهاردة.
+
ضيّق معتز عينيه وهو ينظر إليه بريبة، نبرته لم تخلُ من إستغراب واضح:
ليه؟
مرر مصطفى يده فوق لحيته القصيرة، ثم تمتم بنبرة مشوبة بالتوتر، وإن حاول إخفاءها:
مفيش، بس أنا مش مرتاح.
+
ارتفع حاجب معتز قليلًا قبل أن يسأله بنبرة ذات مغزى:
ليه، هو كلمك؟
+
نفت نظرة مصطفى الأمر قبل أن يحرك رأسه بالنفي أيضًا، لكنه لم يُجب فورًا، بل أسترخى على الكرسي وسحب نفسًا عميقًا، ثم زفره بتوتر، اقترب منه معتز قليلًا وتمتم بصوت خافت:
خلاص، لو فيه حاجة، هيقول.
+
لكن مصطفى لم يكن مقتنعًا بذلك، لكنه حاول تجاهل هذا الأمر، انحنى قليلًا، خافضًا صوته أكثر، ليقول كلمات لم يسمعها غير معتز وحده:
جاتلي رسالة… بعد المهمة، لازم نروح هناك، فيه إجتماع.
+
تجمدت ملامح معتز للحظة، لم يتحرك، لكنه شعر بوخزة قلق تسري في جسده، تطلع إلى والده بحذر، قبل أن يرد بصوت منخفض لكنه ثابت:
تمام، متقلقش… خير إن شاء الله، هرنّ على حمادة، وهخلي الدادا صاحية طول الليل مع نغم.
+
مصطفى لم يكن مرتاحًا، بل على العكس، بدا وكأنه يحاول استيعاب ما وراء تلك الدعوة، ضغط على فكه بضيق، قبل أن يغمغم بصوت خافت يكاد يكون مسموعًا:
لولا إنك لازم تروح، كنت هسيبك هنا مع نغم.
+
أبتسم معتز إبتسامة هادئة، محاولًا تهدئته، لكن نبرته حملت ثقة معتادة:
خلاص يا حاج، الدنيا حلوة، متقلقش.
+
لكن القلق لم يبرح ملامح مصطفى، لم يكن هذا اجتماعًا عاديًا، فالكبار لم يجتمعوا منذ سبع سنوات، والرسالة التي وصلته لم تكن سوى إنذار غير مباشر… شيء ما حدث، وشيء ما على وشك أن يحدث، الإحتمال الأكبر؟ أن يكون ذلك “الشيء” هو بداية السواد عليهم جميعًا.
_____________________________________________
+
كانوا يجلسون حول طاولة الإفطار، لكن كل واحد منهم بدا وكأنه في عالمه الخاص، غارقًا في أفكاره، لا ينتبه لما يدور حوله، لم يكن هناك حديث، فقط صوت الأواني حين تُرفع أو تُوضع، وصمت ثقيل يلف المكان.
+
وضعت دارين آخر طبق على الطاولة، ثم جلست في مكانها المعتاد، رغم انشغالها بالطعام، لم يكن ذهنها بعيدًا عن التفاصيل المعتادة، كانت هي من تهتم بالمنزل والطعام، ترفض بشدة فكرة الاستعانة بمساعدة، تؤمن أن لكل شيء لمستها الخاصة هي وشقيقاتها، على عكس رزان التي لم تكن تهتم بأي شيء سوى الطب والتشريح، لم تكن تفقه شيئًا في المنزل… وربما في الحياة بأكملها، والأخرى التي كانت تساعدها نوعًا ما في عدة أشياء.
+
بدأوا بتناول الطعام في صمت، حتى قطعه كمال بإستغراب وهو ينظر إلى أبنته الصغرى:
صلاح قالي إنك كنتِ جاية تعبانة امبارح… مالك يا رزان؟
+
رفعت رزان عينيها عن طعامها، نظرت إليه للحظة قبل أن تبتسم بتوتر:
آه يا بابا… مفيش، كنت دايخة بس.
+
كانت ابتسامتها مترددة، غير مقنعة، لكن كمال لم يُعلق، على النقيض، دارين لم تُزح نظرها عنها، كانت تراقبها، تلاحظ أدق تعبيراتها، هناك شيء بداخلها… شيء ليس بسيطًا، لكنها لم تستطع تحديده قبل أن يقطع والدها أفكارها بسؤال آخر:
وأنتِ يا دارين… مسكتِ قضية ولا أي ؟
+
أومأت دارين برأسها بالايجاب، فأردف كمال مستفسرًا، والريبة تعلو ملامحه:
طيب، ورفد؟ هترجع إمتى؟ وبعدين مقالتش أي حاجة عن القضية إللي رايحة فيها؟
+
رفعت دارين كتفيها بلامبالاة، تجيب بصوت خافت:
مش عارفة والله… مقالتليش أنا كمان أي حاجة.
+
لم يبدُ كمال مهتمًا كفاية ليُكمل الحديث، عاد إلى طعامه، بينما دفعت رزان كرسيها للخلف، ونهضت بتوتر واضح:
أنا ماشية… سلام.
+
راقبها كمال وهي تخرج من المنزل، ثم التفت إلى دارين، نظراته تحمل سؤالًا صامتًا، لم يكن بحاجة إلى النطق، فقد فهمت تمامًا أنه يتساءل عمّا يحل بابنته الصغرى، لكنها فقط حركت كتفيها بلا معرفة، تتابع بعينيها خطوات رزان المتوترة، وكأنها تسير وهي لا ترى العالم من حولها.
+
نهض كمال عن الطاولة بهدوء وهو يلتقط سترته عن المقعد المجاور، ثم ألقى نظرة خاطفة على دارين قبل أن يسير بخطوات ثابتة نحو الباب، كان رجلًا معتادًا على الصمت، لكنه كان يعلم أن نظراته وحدها تحمل الكثير من الكلمات غير المنطوقة.
+
فتح الباب وخرج دون أن ينبس ببنت شفة، وكأن وجوده هنا لم يكن سوى محطة عابرة قبل أن ينطلق إلى عالمه الحقيقي… عالم العمل والسيطرة.
+
تحرك الحراس تلقائيًا بمجرد أن خرج، كأنهم جزء منه، ظلّه الذي لا يفارقه، أربعة رجال بملابس داكنة، خطواتهم متزنة، وأعينهم تراقب محيطهم بحدة، كانوا يسيرون خلفه على مسافة محسوبة، لا قريبة فتُشعره بالإزعاج، ولا بعيدة فتفقدهم السيطرة.
+
أما داخل المنزل، فقد عادت الطاولة إلى الصمت من جديد، لكن هذه المرة كانت دارين وحيدة.
+
تسللت أناملها إلى فنجان القهوة الذي لم تكد تلمسه أثناء الإفطار، رفعتُه إلى شفتيها ببطء وهي تتأمل المكان من حولها، كان المنزل هادئًا على غير العادة، أو ربما لم يكن كذلك… ربما كان هذا هو ضجيج الوحدة حين تصبح ملموسة أكثر من أي وقت مضى.
+
تنهدت وهي تُسند مرفقها على الطاولة، تمسد جبهتها بتعب. لم تكن تعلم إن كان هذا الهدوء مصدر راحة أم مجرد هدوء يسبق العاصفة.
+
رفعت دارين الأوراق أمامها، تقرأها للمرة التي لم تعد تحصيها، وكأنها تبحث بين السطور عن خيط خفيّ، عن تفصيلة صغيرة قد تكون المفتاح لكشف الحقيقة، القضية التي بين يديها لم تكن مجرد ملف عابر، بل كانت حياة دُمرت بالكامل… حياة فتاتين: “ضحى” والأخرى “شمس”.
صديقتان منذ الطفولة، لم يكن شيء يفرقهما، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم، في تلك الليلة، كانت الفتاتان في منزلهما، عندما صعد إليهما شابان: “علي” و “كرم”، بعد ساعتين فقط، نزل الاثنان خلف بعضهم، خطواتهما مترنجة، أنفاسهما متقطعة، ووجوههما يكسوها الذهول وكأنهما شاهدا الموت بعينيه.
+
وبالفعل… كان الموت قد زار المكان.
+
ضحى، الفتاة البريئة، وُجدت جثة هامدة، غارقة في دمائها، خمس طعنات أستقرت في صدرها بلا رحمة، أما شمس… فقد اختفت تمامًا، وكأنها تبخرت في الهواء لا أثر لها في الحياة.
وعندما بدأت المحاكمة، تحول كل شيء إلى فوضى.
كرم ألقى باللوم على علي، مؤكدًا أنه كان في زيارة لـ”شمس”، بينما علي هو من قتل “ضحى”.
أما علي، فقد قال العكس تمامًا… كان هو من ذهب لرؤية “شمس”، بينما القاتل الحقيقي هو “كرم”.
+
شهادتان متناقضتان… لا دليل قاطع… لا شهود… لا شيء سوى ظلال الشك التي تلتف حولهما، لا يوجد أحد شاهد على ما حدث غير تلك التي تسمى “شمس” ولكن لا أثر لها.
+
فمن منهما القاتل؟
ومن الصادق ومن الكاذب؟
لا أحد يعلم.
والآن يقبع الإثنان خلف القضبان، ينتظران مصيرهما، فإما أن تظهر الحقيقة وبراءة أحدهم، أو يسقطا معا الي الأبد.
+
نظرت إلى ميعاد الجلسة الأولى، لم يتبقَ سوى يومين فقط. الوقت يضيق، والشكوك تتزاحم في عقلها بلا توقف، لا بد أن تتحدث مع “علي” و”كرم” بنفسها، أن ترى نظرة عيونهم وهي تطرح الأسئلة، أن تلتقط تلك التفاصيل الصغيرة التي قد تفلت من الأوراق.
+
بلا تردد، فتحت هاتفها واتصلت بـ”معتز”، لم يستغرق الأمر سوى ثوانٍ حتى جاءها صوته المميز، الرخيم، محملًا بذلك المزاح المعتاد:
وحشتك يا سهاد؟
+
تجمدت مكانها، حرارة مفاجئة زحفت إلى وجهها، حتى أنها وضعت يدها عليه محاولة إخماد الخجل الذي تسلل إليها بلا استئذان، لكنها لم تسمح لنفسها بالاسترسال، فصوتها جاء صارمًا وهي تردّ بحدة، تحاول استعادة توازنها:
معتز، عاوزة أروح أشوف علي وكرم، بما أني المحامية.
+
ضحك بخفّة، وكأنه يستمتع بارتباكها قبل أن يردّ بنبرة مسترخية:
داخلة فيا كده ليه؟ عيوني، هوديكي… بس مش النهاردة.
+
زفرت بضيق، وقطبت جبينها بإصرار:
مش هينفع، لازم النهاردة! المحكمة بعد يومين، وأنا محتاجة أشوفهم قبلها.
+
كان يعلم أنها لن تتراجع بسهولة، فأردف بصوت هادئ، لكن به شيء من المراوغة التي يحبها قلبه:
طب بصي، هشوف لو عرفت، هبعتلك رسالة.
+
“معتز، مش موضوع هشوف، أنت لازم تعرف! هقابلك على الساعة 7.”
+
صمت للحظة، قبل أن يردّ بصوت منخفض لكنه يحمل إبتسامة خفية:
ماشي يا سهاد، ولا تزعلي نفسك… هستناكي عند المطعم المعتاد.
+
“أوكي… شكرًا يا معتز.”
+
أنهت المكالمة وهي تزفر ببطء، تحاول استيعاب كيف تحول الأمر من مكالمة عمل جادة إلى شيء جعل قلبها يخفق بهذه الطريقة!
_____________________________________________
+
كانت تجلس بجانبه في السيارة، يديها مشدودتان على حقيبتها، وعقلها يغرق في دوامة من الأسئلة، نظرت إليه بطرف عينيها، تراقب هدوءه الغريب وكأنه لا يحمل همًّا في هذا العالم أو حتى في العالم الآخر.
+
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تلتفت نحوه قائلة بصوت منخفض لكنه يحمل ثقلًا من الفضول والحيرة:
عاوزة أتكلم معاك شوية.
+
التفت إليها بهدوء، نظراته اخترقت عينيها كأنه قرأ كل ما يدور في عقلها، لم يتفاجأ، فقط أومأ برأسه موافقًا وهو يردّ بصوت ثابت:
اسألي بما تريدين… سأجيبك.
+
زفرت قليلًا، ثم نطقت بالسؤال الذي ظل يلحّ في رأسها طوال الليل:
العالم التاني… شكله عامل إزاي؟ حياتكم هناك؟ الكتاب هينقذ إيه؟ وإيه إللي هيحصل لو انهار؟
+
أدار بصره إلى الطريق للحظة، زفر بهدوء ثم بدأ الحديث بصوت متزن، كأنه يروي قصة محفورة في قلبه قبل عقله:
عالمي يتكون من أربع ممالك، الأكبر والأقوى هي “أزجاروث”، مملكتي ومملكتك… تليها “نارنيا”، ثم “ويستروس”، وأخيرًا “موردور”. كل مملكة تحكمها عائلة ملكية، الحكم فيها بالوراثة، ولكل منها قوانينها الخاصة. لكن بعد شهرين، كل هذا قد ينهار، سيختفي كل شيء إن لم يلقَ الملوك والرؤساء الخطاب الموجود في الكتاب… هذا الخطاب وحده يحمل الحل لإنقاذ عالمنا من الفناء.
+
صمت للحظة، وكأنه يمنحها وقتًا لاستيعاب المعلومات، لكنها لم تنتظر طويلًا وسألته مباشرةً:
“اشمعنا أنا اللي جيتلي؟ ليه مش حد تاني؟”
+
نظر إليها نظرة طويلة، كأنه يزن كلماته قبل أن ينطق بها، ثم أجاب بصوت منخفض لكنه يحمل معنى ثقيلًا:
لأنكِ في الأصل… تنتمين لعالمنا، روحك لم يكن من المفترض أن تكون هنا. لكنك وُلدتِ في هذا العالم، ومع ذلك، لديك القدرة على العيش في أي عالم تشائين… على عكسنا، نحن لا نستطيع البقاء هنا إلا إذا فقدنا هويتنا الأصلية، كأننا لم نُخلق أبدًا.
+
تجمدت ملامحها، بدأت تشعر بشيء غريب، كأن قطعًا متناثرة من حياتها بدأت تُركب معًا، لكن الصدمة الأكبر كانت في كلماته التالية:
عندما كنتِ في العاشرة، كان من المفترض أن تموتي… لكن روحك استمرت إلي تلك الدقيقة، لأنكِ الوحيدة القادرة على مساعدتي.
+
تسارعت أنفاسها، جسدها أصيب بقشعريرة خفيفة، وكأنها سمعت شيئًا لم تكن مستعدة له. لكنها لم تستسلم، بل سألته بإصرار:
وفيه حاجة تانية، صح؟ حاجة لسه مش عايز تقولي عليها؟
+
نظر إليها نظرة عميقة، ثم قال بهدوء:
ليس الآن، رزان… لم يحن الوقت بعد لا تسألي كثيرًا حسنًا؟.
+
قبضت يديها قليلًا، لكنها لم تلحّ أكثر. بدلًا من ذلك، غيرت مجرى الحديث وسألته:
طب ممكن توصفلي العالم التاني؟ شكله إزاي؟ الحكم هناك عامل إزاي والناس عاملة إزاي وكل حاجة؟
+
أبتسم بخفة، وكأن السؤال أعاده إلى موطنه، ثم أجاب بصوت يحمل نبرة فخر خفية:
عالمنا يشبه عالمكم، بشر طبيعيون تمامًا… لكن لكل منا قدرة خاصة، هذه هي الفكرة، هذه هي الميزة التي تميزنا عنكم قليلًا، ولدينا قوانين قوية لا يمكن خرقها، قوانين تحكم النظام وتحفظ توازن القوى… وأي خلل فيها قد يكون كارثيًا.
+
ثم نظر إليها نظرة ماكرة قبل أن يردف بمرح:
والآن، انتهى الدرس… ليس لكِ أن تعلمي كل شيء أيتها المنقذة الصغيرة.
+
رغم محاولتها الجادة للبقاء متماسكة، لم تستطع منع نفسها من الابتسام بخفة، للمرة الأولى، شعرت أن حياتها لم تعد كما كانت، أن شيئًا جديدًا تمامًا يقتحم عالمها، يغيّر إدراكها لكل ما حولها، كانت مشاعرها متضاربة، متشابكة، لكنها لم تكره هذا الشعور… بل ربما، بدأت تحبه.
_____________________________________________
+
جلس زيدان أمامها، ممسكًا بهاتفه، صوته جاد وحازم، وكلماته مدروسة بعناية، عيناه تلمعان بحدة، وملامحه تعكس تفكيرًا عميقًا، وكأنه يخطط لتحركات رقعة شطرنج معقدة. الحديث كان طويلًا، نقاش حول اتفاق سيتم الليلة، خطوة ضرورية لاكتساب ثقة ستفتح لهم أبواب النجاح في هذه المهمة.
+
أنهى المكالمة أخيرًا، قائلًا بلهجة صارمة:
فهمت كده يا سالم؟
جاءه الرد بالموافقة، لكنه أراد أن يقطع أي مجال للخطأ، فأكد بجدية أشد:
الساعة 10 بالضبط يا سالم، متتأخرش.
+
في تلك اللحظة، خرجت رفد من الشرفة، ابتسامتها عريضة وعيناها تلمعان بمكر:
بدأوا يحطوا الأكل تحت… الغداء قرب.
+
تحرك زيدان ليقف بجانبها، عينيه تتفحصان المشهد من أعلى. كانت الحارة تعج بالحياة، الأطفال يركضون بسعادة، الضحكات تتعالى، والمنازل الصغيرة تكتسي بروح العائلة الواحدة، الجميع يتحركون نحو مالك الحارة، مصطفى، بابتسامات صادقة، كأنهم لا يعرفون حقيقته… أو ربما، يعرفون ويتجاهلون الحقيقة عمدًا، لأنهم جزء من هذا الظلام المتوغل في المكان.
+
لكن زيدان كان يرى ما وراء المشهد المبهج، كان يرى الجانب الآخر، ذلك الوجه المظلم الذي يختبئ خلف هذا التماسك. الجميع هنا متشابهون، جميعهم يعرفون هوية الآخر، ومع ذلك يعيشون معًا كأن شيئًا لم يكن، وكأنهم ليس لديهم أي مشاعر خجله لما يحدث، لكنه كان يعلم، كان يدرك يقينًا… أن هذه الحارة ستنهار قريبًا، وأن كل ما يربطهم ببعضهم على وشك الانهيار.
+
التفت إلى رفد بابتسامة ساخرة، نبرته حملت شيئًا من المزاح لكنه لم يخفِ جدية كلماته:
للأسف مش هتنزلي، خلاص طلقتك… أوعي تغلطي في أي حاجة هتحصل بالليل، وأوعي حد يشوفك.
+
غمزت له بطرف عينها، وابتسامة مشاكسة شقت وجهها:
متقلقش، ههرب بنجاح.
+
أبتسم هو الآخر، لكن ذهنه كان قد غرق في دوامة التخطيط. الليلة ستكون حاسمة، والأحداث القادمة ستحدد مصير كل شيء… هبط من المنزل ليواجه مصيره، مصير تلك الحارة، ومصير سكانها الذين لم يدركوا بعد أنهم على وشك السقوط في هوة لا خروج منها.
_____________________________________________
أستنوا الفصل الخامس، ومتنسوش الڤوت ورأيكم بقى ♡♡♡.
+


